أحدث المشاركات

مصير الكوكب على متن الشراع الشمسي» بقلم إبراهيم أمين مؤمن مصطفى ح » آخر مشاركة: ناديه محمد الجابي »»»»» قراءة فى بحث تجربة ميلغرام: التجربة التي صدمت العالم» بقلم اسلام رضا » آخر مشاركة: اسلام رضا »»»»» وذُلّت الأعناق مقتطف من رواية قنابل الثقوب السوداء...» بقلم إبراهيم أمين مؤمن مصطفى ح » آخر مشاركة: إبراهيم أمين مؤمن مصطفى ح »»»»» الفصل الثاني من رواية وتستمر الحياة بين يأس و تفاؤل الأم الجريحة» بقلم بوشعيب محمد » آخر مشاركة: ناديه محمد الجابي »»»»» و تستمر الحياة بين يأس و تفاؤل الفصل الأول من الرواية بقلم بوشعيب» بقلم بوشعيب محمد » آخر مشاركة: ناديه محمد الجابي »»»»» قراءة في بحث أمور قد لا تعرفها عن مستعمرة "إيلون موسك" المستقبلية» بقلم اسلام رضا » آخر مشاركة: اسلام رضا »»»»» نعم القائد» بقلم عطية حسين » آخر مشاركة: احمد المعطي »»»»» قراءة في مقال يأجوج و مأجوج ... و حرب العوالم» بقلم اسلام رضا » آخر مشاركة: بوشعيب محمد »»»»» الطفل المشاكس بقلمي» بقلم بوشعيب محمد » آخر مشاركة: بوشعيب محمد »»»»» @ تَعَاويــذ فراشَــةٍ عَاشِقـَـة @» بقلم دوريس سمعان » آخر مشاركة: دوريس سمعان »»»»»

النتائج 1 إلى 9 من 9

الموضوع: قراءة في قصيدة المبادئ والمواقف للدكتور سمير العمري

  1. #1
    شاعرة
    تاريخ التسجيل : May 2012
    المشاركات : 4,790
    المواضيع : 82
    الردود : 4790
    المعدل اليومي : 1.11

    افتراضي قراءة في قصيدة المبادئ والمواقف للدكتور سمير العمري


    الحمدلله الذي خلق فهدى وأنار القلوبَ بالعلْم ِوالتقوَى , الحمدُلله عددَ ماغرَّد بلبلٌ وصدَحْ وماسبَّح قلبٌ فشُرِح وماتفجَّر نَبعٌ وماطَلَّ نجمٌ وسَبَحْ ,وماجَلْجَلَ حقٌّ وتَزلْزلَ باطِلٌ وانْطَرَحْ , وماأتى صبحٌ وسرَحْ وماأورَقَ غُصنٌ ونَفَحْ ,الحمدلله عدد من صلَّى وصامَ وزار بيتَهُ الحرام ، عدد من تابَ ونَبذَ الخطيئةَ فاستَقَام َ,الحمدلله ذو الجلالِ والإكرامِ , نحَمدُه حمدًا جليلاً ونشكرُهُ شكرًا كثيرًا والصلاةُ والسلامُ على صاحبِ الوجه المنير
    والقلبِ الكبيرِ والخيرِ الوفيرِ محمد ابن عبدالله عليه أفضلُ الصلاة وأتمِّ التسليم وعلى صحابته الغُرِّ الميامين المهتدين الطيبين إلى يومِ البعثِ والحسابِ .
    وبعد ..
    يقول الله تعالى : ( والشعراء يتبعهم الغاوون ألم تر أنهم في كل واد يهيمون وأنهم يقولون ما لا يفعلون إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيرا وانتصروا من بعد ما ظلموا وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون )
    استثنى الله عزوجل فئة صالحة من الشعراء يقتفون أثر الرسل والأنبياء , يحملون هم الدعوة إلى الله فيناضلون ويجاهدون بأقلامهم في سبيل الله ويلقون كلمة الحق فلايخشون في الله لومة لائم لديهم فلاشعارهم وخواطرهم وكتاباتهم رسالة سامية وفكرا منيرا وتوعية للأمة فيذكرونها إن نست وينصحونها إن غفلت وضلت عن الطريق السويِّ .
    ومن هؤلاء الدكتور سمير العمري نحسبه والله حسيبه ولانزكي على الله أحدا , فإنَّ له أحرفًا من نورٍ يتهادى نبضها فتختال قصائده بثقة وتكتسي أجمل حلَّة بهية فينبعث منها سحر روحاني وتدفق إيمانيّ, إنه ذالك الشخص الذي يخطو بخطواته نحو الشمس , نحو الضياء , لايعرفُ القهقرى , كالنحل الدؤوب لايكل ولايمل ويهدينا الرحيق الساحر .
    "لايعرف الشمس عند الغروب = ويعرفها حين يأتي السَّحر
    ويصهر ذا النور حتى يذوب = ويُلقي بها في عيون الزهر"

    كأنَّه في ثغر الدنيا ابتسامةٌ وضَّاءةٌ , فؤاده قلعةٌ من الحنين , قد نُحتت في جدرانه رسومات اليقين وغرَّدت حوله عصافير المحبة والشجون ,قلمه لايعرف الزهوف , إن كتب فغيمٌ هاطل , وإنْ ناقش فرش بساط التفاهم والتفاؤل, وإنْ غضب فصل بين الحق والباطل , إنَّهُ وعاءُ الحكمةِ , وبحرٌ أُودِعَ دُررًا , إنه كالبدر منير وحرفه أعذب من شعر جرير , كلامه من الذهب وفي بوحه سرُّ جمال الذكرى وصمود الحاضر وعرس المستقبل ,إنه من يغزل خيوط الأمل حول ضفاف القلب فيطيب قلب المحزون ويُشرق صدر اليائس إنه محيي الهمم داعم الموهب إنه صاحب الصوت النديّ والنداء الحر في سبيل الحق والخير والوطن .

    قصائده هي عدةُ مراكب فتارة كغواصة تغوص بنا إلى أعماق البحر فنستخرج الدرَّ والمحار وتارة كصاروخ أو مركبة فضائية فنحلق في السماء ونتخذ من الكواكب مقاعدا ونراقص النجوم في أروع أمسية لايكررها التاريخ , وأخرى نجد أنفسنا نهيم مع قصائده في الفيافي والقفار وأخرى ندخل معه إلى أدغال غابة كثيفة ونخوض فيها مغامرات لاتُنسى , فكأنَّ كل تلك القصائد اسطورة خورافية ينبهر بها الصغير والكبير .
    ياإخوتي , أرايتم إن ولجتم قصرا ضخما مجهولا لتبحثوا فيه عن كنز فهل يكفي يومٌ أو يومان ؟! بالطبع كلا وإن وجدتموا شيئا من أسرار القصر وخفاياه خلال عدة أيام فقد تكتشفون عجائبا وغرائبا بعد مرور شهر أو شهرين هي تلك قصائد معلمنا سمير كقصر منيف يحوي الكثير والكثير من الكنوز وأولها كنز الفكر والحكمة والقناعة والرضا وهي من أكبر أسباب السعادة , فلنرى بعضا من هذا الفكر الذي تجلى هنا .



    مَا انْفَكَّ يَحْزُبُكَ الهَوَى وَيُعَذِّبُ=فَإِلامَ تَرْبَأُ بِالفُؤَادِ وَتَرْأَبُ
    تُغْضِي عَلَى الأَلَمِ الأَصَمِّ وَتَجْتَبِي=أَمَلاً عَلَى حَسَكِ الجَوَى يَتَقَلَّبُ
    الصَّدْرُ مِنْ نَزَقٍ يَذُوبُ مِنَ الأَسَى=وَالفِكْرُ مِنْ قَلَقٍ يَجِيءُ وَيَذْهَبُ
    قَدْ شَفَّنِي الحُزْنُ النَّبِيلُ بِجَأْشِهِ=فَمَعَارِجُ الرُّوحِ الشَّفِيفَةِ غَيْهَبُ
    أحيانًا يكون الحزن والألم سببا لتغذية الفكر فنرى البديع من خمائل الشعر وثماره الناضجة كما رأيناه هنا
    فما سبب الحزن الذي تحزب أي صعب واشتدَّ على قلب الشاعر ؟
    إنه الهوى وهو أحد مسميات الحب ومراحله الأولى ويعني ميل القلب وسرعة تقلبه لأجل المحبة كما يسرع الهواء التغير من شدة لطافته وصفائه فكذا الهوى والحب كنسيم عليل يُنعشنا فنخفق له
    وهنا الهوى الذي عذب الشاعر كأنه ملأ فؤاده فأصبح كالرابية المرتفعة مهما فعل به الهوى من صدوع وشقوق إلا أن ذاك الحب الذي بداخله يلحم الجرح ويصلح كل شق حدث فيه
    وهناك ماهو أدهى من الهوى إنه الجوى وهو الهوى الباطني والحب المتمكن الذي يقتل صاحبه , فحينما يدني الجفن على الألم ويخبئه ليختار الأمل فإذ بالأمل يتقلب من حرارة الجوى ويشتوي أو يتقلب هنا قد تكون بمعنى أن الأمل يتلوى من شدة الألم فجعل الجوى حسكا وهي ثمرة خشنة تتعلق بأصواف الغنم وربما تكون شبيهة بالشوك , وهذا مايوحي به لفظ الحسك في حسنا وكأنه شوك ينشب في جلدنا وهنا الصورة أشد إيلاما من عذاب الهوى .
    وإضافة إلى ذلك كله فهنا الأسى أيا كان من حب أو غيره لعب دوره في تفاقم الم الشاعر ومعه التفكير الدائم مما يجعله مضطربا قلقا وكانه يذرع حجرته ذهابا وإيابا
    هذه كلها عوامل ساعدت على أن يكون حزنه شفيفا نبيلا تجري أدمعنا معها وتتساقط بغزارة واجتاح الظلام روحه وهنا قال معارج الروح وهذه أناقة وذوق رائع في اختيار الألفاظ فكأن الظلام لم يجتاح روحه فجأة وشمله كله مرة واحدة إنما صعد تدريجيا وارتقى درجة درجة من سلم هذه الروح ليخيم عليه الظلام ويشتد السواد وحقيقة هذا يجعل وزن الحزن ثقيلا ومقدار الألم الذي اشعر به هنا كمن يمسك حديدة محمية ويسلخ بها جلد إنسان حي , وهذا الغيهب والعذاب الذي يفطر القلب وتشعر به قلوبنا معه كله بسبب تراكم الأحزان والآلام التي عانها وربما تحفظ بها وكتمها فترة طويلة فأوغلت وأحدثت شرخا كبيرا في أعماقه وحتى وإن أصلحها قد تتجلى الصدوع بعد حين .
    وقد نعلق على آخر أمر في هذه الفقرة وهو تسمية الشاعر لحزنه بالحزن النبيل فما يعني نبالة الحزن ؟
    وقد اقول كمجرد رأي أن الحزن النبيل لن يكون إلا في شخص صاحب خلق نبيل في الأساس فحينما يعتريه الحزن يرتفع بأخلاقه الراقية فيعفو ويصفح ويكظم الغيظ ويبتسم ويمد يد العون وغيرها من الشيم والميزات فيتألق بحزنه النبيل وقد تكون منه جاذبية غامضة ملفتة للنظر .

    مَاذَا أُرِيدُ بِأُفْعُوَانِ مَشَاعِرٍ=إِنْ كُنْتُ مِنْ لَدَغَاتِهِ أَتَحَسَّبُ
    وَعَلامَ أَتَّخِذُ الذَّرِيعَةَ جُنَّةً=إِنْ كُنْتُ أُعْضَلُ بِالذِي أَتَجَنَّبُ
    أَمَّنْ يَرَى صَمْتَ ابْتِهَالِيَ قَسْوَةً=وَيَرَى الوَفَاءَ إِلَى الخِيَانَةِ يُنْسَبُ
    أَمَّنْ إِذَا سَفَحَ الوِئَامَ بَكَى النَّوَى=فَكَأَنَّهُ المَكْلُومُ وَهْوَ المُذْنِبُ
    يَا مَنْ تُبَادِرُ بِالثُّبُورِ وَتَشْتَكِي=قَلْبًا عَلَى وَهْمِ اتِّهَامِكِ يُصْلَبُ
    لَكِ مِنْ عَنِيدِ هَوَى اخْتِبَالِكِ بَرْثَنٌ=يَفْرِي النُّهَى وَمِنِ اخِتِيَالِكِ مِخْلَبُ
    أَبْلَيتِ فِي هَرَجِ الظُّنُونِ رَزَانَتِي=فَكَأَنَّنِي لِقَمِيصِ خَوْضِكِ مِشْجَبُ
    جُبِلَتْ عَلَى العِوَجِ النِّسَاءُ وَقَلَّمَا=فُقْنَ الرِّجَالَ وَأَنْتِ أَكْرَمُ أَنْجَبُ
    فَدَعِي الجَهَالَةَ لا يَحُكُّ خَيَالَهُ=مُتَوَجِّسًا إِلا العَلِيلُ الأَجْرَبُ
    وهنا مازال الألم ومع لومٌ وعتاب , هنا صورا جميلة ومنها أنه جعل مشاعره كأفعى تلدغه بغتة وماسبب لدغة المشاعر له ؟
    وهذا يعطينا جوابا بديهيا فلابد من حوادث ومواقف جراء خيانة أو غيرها مع اقارب أو أحباب أو أصحاب كنَّ لهم مشاعر ود وإخلاص وخبأها لهم فكانت أن لدغته تلك المشاعر ذات يوم
    وصورة أخرى رائعة وجميلة وهي ( أمن إذا سفح الوئام بكى النوى = فكأنه المكلوم وهو المذنب )
    وهذه حقيقة تحدث كثيرا في الواقع فهناك من يتسبب في قتل الوئام فإذا ابتعد عنه من كانوا يعزونه بكى بعادهم وبات مكلوما يندب حظه وينعي وقد يشكو بأنهم تسببوا في قطيعته بينما هو المذنب الحقيقي
    ولربما المثل الدارج قد ينطبق على شئ من ذلك وهو مايقولونه ( ضربني وبكى سبقني واشتكى )
    ثم ينتقل الشاعر إلى عتاب خاص للمحبوبة ومن الصور القوية هنا ( لك من عنيد هوى اختبالك برثن = يفري النهى ومن اختيالك مخلب ) تصوير مهيب ولم اقرأ مثله من قبل فكأن هواها العنيد المفتون به له برثن وهو نفسه المخلب إظفر السباع الحادة , فمخلب هواها شق عقله أو فتته ( فالنهى ) هو العقل
    وصورة أخرى جميلة في هذا العتاب ( فكأنني لقميص خوضك مشجب )
    فهنا يتضح لنا أنها تجعل حبيبها كشماعة تعلق عليه الظنون السيئة وتخوض فيما لاداعي له ومايسبب إلا زعزعة الجبل الثابت بينهما أوقد يقطع حبل المودة الثمين
    ومع هذا العتاب والألم إلا انه منصف وعادل باعترافه أنها قد فاقت الرجال بخلالها التي ميزتها عن بقية النساء بينما عرف في الغالب على النساء العوج والنقص في العقل أو التسرع في اتخاذ الأحكام والقرارت تبعا للعاطفة ونادرا منهن من تتميز فيوزن عقلها بعقل ألف رجل , ثم يعود لنصحها وهذا من كمال المحبة وحفظ المودة وجمال العفو التي يتسم بها الشاعر فلا سنصحك إلا من يحبك فهاهو ينصحها
    بترك الجهل وماينتج عنه من مساوئ فكثرة الظن والتوجس لايجلب إلا القلق والنكد وغالبا من يكون ذلك من الناس فتفكيره ليس بنظيف


    وَلَقَدْ تِخِذْتُ مِنَ السَّمَاحَةِ خِلَّةً=أَعْفُو بِهَا عَمَّنْ يَعِقُّ وَيَعْضبُ
    لَكِنْ مَتَى خَدَشَ الكَرَامَةَ قَاهِرٌ=فَالمَوتُ أَرْحَمُ وَالمَنِيَّةُ أَرْحَبُ
    إِنِّي لَأُؤْمِنُ بِالحَيَاةِ وَطَبْعِها=وَطَبَائِعُ الأَشْيَاءِ لا تُسْتَغْرَبُ
    المَرْءُ فِيهَا تُرجُمَانُ زَمَانِهِ=وَالدَّهْرُ يُخْصِبُ بِالسُّرُوْرِ وَيُجْدِبُ
    فَيَغِيْضُ حِيْنًا بِالمَعِيْنِ مُكَدَّرًا=وَيَفِيْضُ حِيْنًا بِالزُّلالِ وَيَسْكُبُ
    وهنا تتجلى لنا أخلاق الشاعر من سماحة نفسه وكرمها وتفهمه للحياة وطبائعها وطبائع البشر أيضا فيتماشى مع الأوضاع , ويخبرنا بأن المرء يمثل فكر جيله وقضاياهم وأحداث زمانه فحينما تنقضي القرون ويأتي أجيالا أُخر يدرسون عن جيل سبقهم يفهمون نفسية الكاتب أو اي حياة شخص من ذلك الجيل الماضي بالقضايا والأحداث التي وقعت في ذاك العصر القديم .
    ومن الصور الرائعة هنا الرقيقة التي لاتخلو من ذلك الحزن ( والدهر يخصب بالسرور ويجدب )
    رااائع التصوير هنا فكأن السرور ماء وكأن الدهر أرض يرويها وبطبيعة الحال وتقلب الأحوال يكون الجدب والقحط هو حال الدهر في أعوام أخرى أي خاليا من السرور كئيبا مثقلا بالغموم والهموم
    والبيت الأخير هنا يصور لنا حال ايام الحياة الدنيا التي يعتريها الكدر فنشعر بنقصها وبهوتها وأحيانا يعم الخير الآتي لنا ويزيد .

    كَأْسٌ تَدُورُ عَلَى النُّفُوسِ كَمَا الرَّحَى=تَسْقِي الوَرَى مِمَّا يَمَرُّ وَيَعْذُبُ
    وَلَكَمْ دَعَتْنِي لِلشَّرَابِ عَلَى القَذَى=فَنَهَيْتُ نَفْسِيَ وَالخَلائِقُ تَشْرَبُ
    عَفَّتْ وَغُصَّ الآخَرُونَ بِنَخْبِهَا=سَكْرَى وَفِي ثَغْرِ السَّفَاهَةِ مِذْرَبُ
    لا يَعْرِفُونَ مِنَ الكَرَامَةِ وَالنَّدَى=إِلا كَمَا عَرِفَ القَنَاعَةَ أَشْعَبُ
    وَأَنَا الذِي أُقْرِي الطُّمُوحَ إِلَى العُلا=نَفْسًا تَتُوقُ وَمُهْجَةً تَتَوَثَّبُ
    لا أَشْتَكِي بَأْسَ الزَّمَانِ وبُؤْسَهُ= أَوْ أُنْكِرُ الأَيَّامَ فَيمَا تَكْتُبُ
    إِنْ كَانَ مِنْ قَدَرٍ عَلَيَّ مُسَطَّرٍ = مَا كُنْتُ يَوْمًا بِالذِي يَتَهَرَّبُ
    أَوْ كُنْتُ يَوْمًا بِالقَنُوطِ مِنَ الوَرَى=وَبِأَنْ يُزَفَّ الحَقُّ حِينَ يُخَضَّبُ
    الحياة الدنيا هي بالفعل كأس تدور كالرحى على كل إنسان فيسقى من حلوها ومرها
    ولعلني هنا أتذكر قول أحد الشعراء ولاأعلم ماسمه :
    ومن يذق الدنيا فإني طعمتها = وسيق إلينا عذبها وعذابها
    فماهي إلا ضيعة مستحيلة = عليها كلاب همهن اجتذابها
    فإن تجتنبها كنت سلما لأهلها = وإن تجتذبها نازعتك كلابها
    ومن هذه الأبيات يتضح الكثير من هذه النفس التقية النقية الأبية التي تتورع وتصون النفس وتحفظها عن كل مايعيبها وتجاهد في إصلاحها , نفس قنوعة تسعلى إلى سلم المجد فترتقيه , نفس لاساخطة ولا جازعة بل مؤمنة وراضيه بما يكتبه الله ويقدره لها وهنا تبرز حكمة الشاعر ويقينه وإيمانه العميق لأن المؤمن العارف بربه كما عرفه الأنبياء والصحابة يعلم أن مامن مصيبة تصيبه إلا هي حكمة من الله وخير له قد لاتتجلى له في حينها فعلم الشكوى والاعتراض وهو يبتسم ينتظر الخير من ربه ويصبر على مايبتليه به محبة له واحتسابا للأجر وهذه تزيد من نبل المرء وإميانه وارتفاعه بشميه
    بل قد اقرأ هنا ارتقاء ورقي في الشخصية واختلاف فكر الشاعر عن غيره وترفعه عن كثير من الأمور السطحية وإعراضه عن الترهات والسفاهات التي يغرق في وحلها عوام الناس فيُغصون بنوائبها ودواهيها وذلك لعلو نفسه وعزيمته المتوقدة ,وهنا قد تنشا عقدة الاختلاف في كثير مما يميز الشاعر عن البقية والله أعلم.
    ( لايعرفون من الكرامة والندى إلا كما عرف القناعة أشعب )
    والله ضربة قوية بطريقة مهذبة راقية , كيف لهؤلاء الراكضين وراء الدنيا الشاربين من خمرها المستكعين في نواحيها الذين عبدو الدرهم والدينار وشحت أنفسهم وذُلوا لغيرهم بل قد يسجدون للآخرين ترجيا من أجل مصالح ومناصب لاترفع من قدر الإنسان ولاتنقص إلا في نظر الرعاع , هؤلاء كيف بالله يعرفون معنى الكرامة والعزة والشهامة والكرم ؟
    وهم تماما مثل أبو العلاء المشهور بأشعب الطماع وله من النوادر المضحكة عن طمعه ودهائه وحيله , فإن عرف أشعب معنى القناعة والرضا بما قسم الله له حينها هم يسعرفون المعاني المذكورة أعلاه .

    وهنا في قوله ( وبأن يُزفُّ الحق حين يخضب ) جدا راائعة راائعة والله
    فكلنا يعلم أن العروس ليلة زفافها كالوردة المتفتحة تزداد جاذبية وجمالا وحينما تُزف تظهر على الجميع ويديها مخضبتين بنقوش الحناء
    كذلك الحق حينما يظهر ويعلو على الباطل الذي قد يكون سببا في تخضيب الحق بالدماء
    حينها يُزف الحق فيبدو كالعروس يتطلع لمرآها الناس فيبين الحق ويعرفه الجميع .

    لا مُسْتَحِيلَ يَقُضُّ مَضْجَعَ هِمَّةٍ=مَا جَالَتِ الرُّؤْيَا وَجَلَّ المَأْرَبُ
    وَالحُرُّ يَأنَفُ مِنْ حَيَاةِ مَذَلَّةٍ=وَيَضجُّ مِنْ ظُلْمِ الأَنَامِ وَيَغْضَبُ
    يَا لِلمَوَاطِنِ كَمْ تُعَذِّبُنَا بِهَا=فِي الحَادِثَاتِ وَكَمْ بِنَا تَتَعَذَّبُ
    بَعَثَتْ لَهُ فَوضَى الجِرَاحِ وَخَمَّنَتْ=أَنَّ الرِّعَاعَ هُمُ الرَّبِيعُ المُعْشِبُ
    وَاسْتَبْدَلَتْ حُمُرَ البِلادِ بِثَوْرِهَا=حَتَّى افْتَرَى مَوتٌ وَأُفْسِدَ مَذْهَبُ
    هَلْ نَشْتَكِي ظُلْمَ الزَّعَامَةِ للوَرَى؟=لَلصَّمْتُ عَنْ تِلْكَ الْمَظَالِمِ أَعْجَبُ
    أَمْ نَشْتَكِي سُمَّ العَقَارِبِ في الضُحُى؟= فِي اللَيْلِ مِنْ سُمِّ الأَقَارِبِ نُعْطَبُ
    دِنْ بِالحَقِيقَةِ لا تُخَاتِلْ بِالهَوَى=وَاجْعَلْ ضَمِيْرَكَ لِلخَلاقِ يُهذِّبُ
    فِيمَ التَّقَلُّبُ فِي النِّفَاقِ تَجَمُّلاً=وَالصِّدْقُ أَنْجَى لِلقُلُوبِ وَأَطْيَبُ
    كَيفَ السَّبِيلُ إِلَى ثَقَافَةِ أُمَّةٍ=لا الأُمُّ تَفْقَهُ مَا تَقُولُ وَلا الأَبُ
    وَبِأَيِّ مَجْدٍ نَحْتَفِي وَكَرَامَةٍ؟= إِنْ كَانَ فِي الخُلُقِ القَوِيمِ تَذَبْذُبُ
    وَبِأَيِّ قَصْدٍ نَرْتَقِي بَينَ الوَرَى=إِنْ يَخْنَعِ البَازِي وَيَزْهُ الأَرْنَبُ
    القَومُ لا يَبْنُونَ صَرْحَ حَضَارَةٍ=إِنْ كَانَ ذَا يَلْغُو وَذَلِكَ يَلْعَبُ
    وَالجُهْدُ لا يُرْسِي دَعَائِمَ دَوْلَةٍ=يُهْجَى بِهَا لَيثٌ وَيُمْدَحُ ثَعْلَبُ
    أَلْبَسْتُ مِصْرَ التَّاجَ دُرَّةً أُمَّةٍ=وَادَّارَكَتْ مَجْدِي دِمَشْقُ وَإِدْلِبُ
    وَأَهِيمُ بِالأُرْدُنِّ دَارَ أَصَالَةٍ=وَأَحِنُّ فَخْرًا لِلعِرَاقِ وأَنْصَبُ
    وَأَتُوقُ لِليَمَنِ الأَبِيِّ وَشَعْبِهِ=وَأُسَرُّ بِالسُّودَانِ وَهْوَ مُطَنَّبُ
    والأَهْلُ فِي أَرْجَاءِ تُونِسَ سَاعِدٌ=وَعُمَانِ مَعْ دُوَلِ الخَلِيجِ المِنْكَبُ
    وَتَجِلُّ فِي عَينِي الجَزَائِرُ قُرَّةً=وَيَجُولُ فِي صَدْرِي المُحِبِّ المَغْرِبُ
    وَجَرَتْ فِلِسْطِينُ الحَبِيبَةُ فِي دَمِي=وَبِمُهْجَتِي البَلَدُ الحَرَامُ وَيَثْرِبُ
    هنا ينتقل الشاعر لأحداث وأحوال عامة للأمة
    فقبلها يبين لنا أن لاشئ مستحيلا على الإنسان الذي لديه همة عالية دام أنه تأنى ودرس اهدافه جيدا ويعرف مايريد بالضبط ليس هناك مايمنعه عن مقاصده السامية التي تجلت له وسعى لتحقيقها
    وهذا البيت يدفع الجميع لأن يراجعوا أنفسهم ويرون ماذا أنجزوا وماذا قدموا لمجتمعهم وأمتهم ولو بالقليل فسمة المؤمن أن يسعى للخير دوما وتنشط همته وخير مانسعى إليه رضا الله والرغبة في الجنة
    كما أن الإنسان الحر يسعى دوما للعزة والمجد حتى وإن أجبروه على خفض راسه وحاولوا إذلاله فهو قوي بقوة إيمانه ويعزه الله بالحق , وطبيعي أن الإنسان يصاب بالغبن والقهر والغضب من الظلم , السوم من أشد أنواع الأذى وقد حرم الله الظلم على نفسه فما بال بني آدم لايعون حرمته ؟
    قد غلبهم الشيطان وأعمى بصائرهم وجعلهم يرتكبون كل كبيرة ويفعلون كل رذيلة , وبهذا يحدث الفساد والوباء والفوضى العارمة فتتعذب بنا الأوطان ونتعذب بها وكل منا يجني على الآخر وتشتعل شرارة الشحناء من حسد وحقد وضغينة ناهيك عن لدغات الاقارب والغرباء والأعداء وكأن المسلمين لم يتعظوا لما يصيهم وفي كل مرةةتتجدد الجراح نفسها وتتكرر, في زماننا هذا قد استبدل الناس الذي هو أدنى بالذي هو خير وهو كما اشر إليه شاعرنا الكريم ( وَاسْتَبْدَلَتْ حُمُرَ البِلادِ بِثَوْرِهَا=حَتَّى افْتَرَى مَوتٌ وَأُفْسِدَ مَذْهَبُ )
    اصبح النفاق والخداع صفة في الغالبية ليصلوا بها إلى مرادهم ومقاصدهم الدنيئة واتخذوا اللؤم والكذب لهم طبيعة وليس هناك اجمل من الصدق الذي يكون فيه النجاة كما أخبر بذلك الرسول صلى الله عليه وسلم
    والصفات السابقة تفسد القلوب والعقول , فاسعى ايها الإنسان نحو الحقيقة لمعرفتها واقترب منها وتحلى بالأخلاق الكريمة والتعامل الحسن مع سائر الناس البر والفاجر ودع عنك اتباع اهوائك وخداعها لك فإنك إن اتبعت هواك ستقع في هاوية إلا أن تتداركك عناية الله ورحمته .
    وبعد كل هذه الحالات التي تتحدث عن واقعنا المرير , كيف لنا بعد نريد المجد والاحتفاء بالكرامة وفي أخلاقنا تذبذب وتنافر فلم نثبت على درب الاستقامة , وبأي مقصد حسن نريد الارتقاء به إن كان العزيز فينا
    يخفض رأسه ويخنع والذليل يشمخ بأنفه كبرياءً ويستعبد ..!
    كيف سنبني مجدنا ونطور ونتحضر ونحن لم نجتمع على رأي واحد ولم نقف في صف واحد وكل منهم يقول نفسي نفسي ذاك يلعب وهذا يهرب وآخر يقول أنا وطواط سأمشي في سبيلي وابحث عن لقمتي وفقط
    كيف لنا أن نحصل على كل هذه العزة وإن بذلنا شيئا من جهدنا والليث فينا القوي الذي يصدح بالحق يُشتم ويُهجى ويُغيب في السجون والثعلب الماكر الساذج المنافق يًمدح ويُجامل ثم تعرفون حقيقته النتنة إن فات الأوان .
    وبعدها ينتقل شاعرنا الأصلي إلى مدح بعض البلدان التي ربما زارها أو لها مكانة في نفسه فالمسلم يعتبر كل أرض مسلمه هي أرضه فيبدي محبتها لهم مشاركة لأخوانه .

    فَأَنَا ابْنُ خَيْرِ الرَّهْطِ وَابْنُ عَقِيدَةٍ=مَنْ بَرَّ عَدْنَانٌ وَأَنْجَبَ يَعْرُبُ
    مَا زِلْتَ أَحْلُمُ بِالمَحَبِّة فِي الوَرَى=لا غَدْرَ فِي صَدْرٍ وَلا غَدَ يُرْهَبُ
    حَدَّقْتُ أَبْحَثُ فِي الوُجُوهِ لَعَلَّ فِي=بَعْضِ الوُجُوهِ وَفَاءَ مَنْ لا يَكْذِبُ
    حَتَّى إِذَا كَادَ القُنُوطُ وَأَغْمَضَتْ=عَيْنُ الرَّجَاءِ أَسَى أَضَاءَ الكَوْكَبُ
    بِكَرِيمَةٍ مِنْ آلِ طُهْرٍ عَرْشُهَا=الشِّعْرَى وَشَمْسُ شُمُوخِهَا لا تُحْجَبُ
    نَهَضَتْ إِلَى الأَرَبِ العَظِيمِ وَرُوحُهَا=تَنْأَى بِأَجْنِحَةِ الوَفَاءِ وَتَقْرُبُ
    أَهْدَى الجَمَالُ إِلَى الجَلالِ حُرُوفَهَا=شَهْدًا بِإِبْرِيقِ الدَّمَاثَةِ يُجْلَبُ
    تَسْمُو لَهَا قُلَلُ النَّقَاءِ وَتَرْتَدِي=حُلَلَ البَّهَاءَ وَبِالمَكَارِمِ تَغْلبُ
    مِنْ بِئْرِ مَاءِ الصِّيدِ تَنْضَحُ شَأْوَهَا=وَعَنِ اقْتِفَاءِ المَجْدِ لا تَتَغَيَّبُ
    لَوْلا انْطَوَتْ لُغَةُ الثَّنَاءِ كَلالَةً=لاصْطَفَّ مِنْ غُرَرِ المَدَائِحِ مَوكِبُ
    وهنا عاد الشاعر يفتخر بعقيدته وجليل الصفات وحق لنا جميعا أن نفخر به ونفتخر بأنفسنا معه ونحمد المولى على نعمة الإسلام
    الشاعر قد وقف في منعطفات كثيرة وجرب وغامر وعاشر الوانا من الناس وخاض تجارب عدة أكسبته وعيا وحكمة وأكثر انفتاحا وتفهما فزاد دماثة وعلما ووعيا وإدراكا وربما تلقى أصنافا من الأذى ومن منا لم يذق المر ويعاني ..!
    قد راى النفاق والكذب والمجاملات والختل والخيانة غالبة على الناس حتى الطيب منهم قد تجد منه لدغة وسما خفيفا يضرك مما جعل القنوط يصيبه كاد يصيبه وعبر عنها بدلالة رائعة وهي إغماضة العين التي تنم عن شئ من اليأس والحسرة أن خلا الناس من الصفات النقية الصادقة النادرة الوجود في هذا الزمان وهو كان يرجو أن يلقى هذا النوع النادر فظن أن رجاءه خان وغغماضة العين أظنها لم تكتمل هنا
    بسبب مالاح له من سناء الوفاء وبارقة خير ووجد شخصا كان يرجو فيه هذه الخلال النادرة المميزة .
    وهنا نقول جميعنا ( لايأس مع الحياة ) فمهما غلب الياس والقنوط فسنقف يوما على أحد محطات الزمان لنرى أولئك الأنقياء الطيبين الصادقين يختبئون خلف زهرة او ورقة شجرة وكل إنسان لن يقع إلا على شاكلته .
    وبعدها انتقل الشاعر لمدح من وجد فيها الوفاء بأبيات حسان كاللؤلؤ المكنون والياقوت المصون وآخر بيت في المدح هنا كانت الصورة فيه راائعة جدت ( لاصطف من غرر المدائح موكب ) هنا استعارة حيث جعل المدائح يطف كالإنسان في موطب أمير قادم , مااروعها من صورة ياأمير الشعر .


    الشِّعْرُ؟ يَا لِلشِّعْرِ! كَمْ رُزِئَتْ بِهِ=نَفْسِي وَكَمْ لَدَغَ المَشَاعِرَ عَقْرَبُ
    مَاذَا جَنَيتُ مِنَ الأَذَى؟ أَلأَنَّنِي=جَمَعَ اللآلِئَ مِنْ بِحَارٍ تَصْعُبُ؟
    فَأَجَادَ نَظْمَ رَقِيْقِهَا وجَلِيلِهَا=عِقْدًا يُدِيرُ لَهُ الرُّوُوسَ ويَخْلُبُ
    نَضَجَتْ مَوَاسِمُ أَحْرُفِي وَتَفَتَّقَتْ=أَكْمَامُهَ عَمَّا يَلِينُ وَيَصْلُبُ
    أَسْمُو مِنَ الإِنْسَانِ، بَحْرُ قَصَائِدِي=يَسْخُو، وَنَهْرُ مَقَاصِدِي لا يَنْضُبُ
    أَبْنَاءُ أَفْكَارِي غَرَائِسُ جَنَّةٍ=وَبَنَاتُ أَشْعَارِي السَّحَابُ الصَّيِّبُ
    أَنَا مَا بَذَلْتُ مِنَ الكُنُوزِ لأَشْتَرِي=مَدْحَ الأَنَامِ وَمَا ابْتَذَلْتُ فَأَطْلُبُ
    فَعَلامَ يَلْحَنُ فِي مَقَامِ مُقَدَّمٍ=غِرٌّ يَكِيدُ لَهُ وَأَحْمَقُ يَصْخَبُ
    لا تَخْسِفُ الشَّمْسُ السَّنِيَّةُ فِي المَدَى=إِنْ عَابَ مَجْدُوبٌ وَصَرْصَرَ جُنْدُبُ
    إِنِّي المُحَدِّقُ فِي الخُلُودِ فَلا أَرَى=إِلا العَظِيمَ إِلَى العَظَائِمِ يُنْدَبُ
    أَنَا بِالنَّدَى خُضْتُ العُبَابَ إِلَى الهُدَى= فَاهْتَاجَ بِي قَوْمِي وَخَانَ الْمَرْكَبُ
    فَأَقَلْتُ مِنْ هَمِّي تَوَجُّسَ هِمَّتِي=بِعَزِيْمَةٍ تُدْمِي الصُّخُورَ وتُتْعِبُ
    أَخْلَصْتُ لِلحَقِّ المُبِينِ مُسَدِّدًا=لَمْ يُغْرِنِي مَالٌ يُعَدُّ وَمَنْصِبُ
    الكَفُّ غَيْثٌ وَالوِدَادُ سَحَابَةٌ=وَالقَلْبُ لَيْثٌ وَالفُؤَادُ تَحَبُّبُ
    لا أَعْتَدِي إِنْ عَقَّنِي مُتَجانِفٌ=أَوْ أَجْتَدِي إِنْ فَرَّ مِنِّي المَطْلَبُ
    هَذَا أَنَا ، نَسَجَ الزَّمَـانُ عَبَاءَتِي = مَنْ كُلِّ لَوْنٍ تَسْـتَسِيْغُ وَتَرْغَبُ
    عِنْدِي الْمَبَادِئُ لا أُسَاوِمُ مَهْرَهَا= أَمَّا المَوَاقَفُ قَدْ تُـوَدُّ وتُخْطَبُ
    يُقال ( كلما ارتفع الإنسان تكاثفتا حوله الغيوم والمحن ) ودوما أهل العلم والأخلاق وكثير ممن حباهم الله من فضله من أنواع النعم يلقون المكيدة والحسد والإساءة والإيذاءممن حولهم
    والله تعالى يقول ( أم تحسدون الناس على ماآتاهم الله من فضله ) وهذه منذ القدم لم يسلم منها الأنبياء والرسل حتى نسلم منها نحن بقية البشر
    ولنا في السلف قدوة حسنة , والصفات المذكورة في الأبيات هنا تدل على نبل الأخلاق واجملها التي رفعت من قدر الشاعر
    ولعلي أعلق على هذا البيت الجميل الذي ينبغي علينا جميعا أن نطبقه (مَا بَذَلْتُ مِنَ الكُنُوزِ لأَشْتَرِي=مَدْحَ الأَنَامِ وَمَا ابْتَذَلْتُ فَأَطْلُبُ ) لتكن أقصى غايتنا هي رضا الله لافرحا بمدح الناس ولا تأثرا بقدحهم وذمهم
    فمن يبتغي وجه الله ويعمل للخير ويعطي دون طلب مقابل خير ممن يسعى خلف المديح ويجري وراء مناصب الدنيا ليرتفع ويشتهر وإني لأرى الدنيا تعرض عن هذا الثاني وتقبل نحو الأول , فتأملوا ..!
    وهنا مما أعجبني ايضا ولاأريد أن افوته (الكف غَيْثٌ وَالوِدَادُ سَحَابَةٌ=وَالقَلْبُ لَيْثٌ وَالفُؤَادُ تَحَبُّبُ ) الكف غيث وهذا دلالة على الجود الحاتمي والكرم الذي يتميز به
    والوداد سحابة وهنا تدل على غزارة وداده إن هو أحب أخلص , والقلب ليث في الشدائد قوي يواجه الأزمات برباطة جأش وشجاعة وعناد والفؤاد تحبُّبُ لم استطع تحديد المعنى والفهم الجيد لكلمة تحبب إلا إن كان يقصدها من الحب ..
    ولكن هنا أحببتُ أن أوضح الفرق بين القلب والفؤاد :
    قرأت لبعض اهل العلم ان الفؤاد هو عمل القلب بمعن
    ان البصر عمل العين والسمع عمل الاذن والمشى عمل القدم والكلام عمل اللسان وايضا الفؤاد هو عمل القلب
    وفى الآية (إن السمع والبصر والفؤاد كل اولئك كان عنه مسئولا ) فالسؤال للناس عن السمع بالاذن والبصر للعين
    والفؤاد للقلب اما لو كان سياق الآية ان الاذن والعين لقال والقلب
    وقيل الفؤاد غشاء القلب
    وقيل القلب بمعنى العقل والفؤاد الاحساس والشعور
    إذن هنا لم يكن اختياره عشوائيا فكان الفؤاد هو للإحساس بالحب والشعور به والقلب كأنه الغلاف له أو الوعاء الذي يحتويه وقلوب الناس مختلفة فمنهم ضعيفة ومنهم شديدة ومنهم مابين ضعف وقوة قد تكون متذبذبة .



    وآخر بيت في القصيد هي الخلاصة والمقصد وهي العروسة التي من أجلها أقبلت تلك الأبيات الأولى
    ( عندي المبادئ لاأساوم مهرها = أما المواقف قد تُودُّ وتُخطب )
    وماأجمله من بيت يخلد قيمة إنسانية رائعة الأثر والذكر , فالمبادئ تكون ثابتة دوما لاتتغير لابتغير الزمان والمكان هي قيم إنسانية واساسيات يؤمن بها المرء وعليها تقوم أخلاقه وتبدو محاسنه واروع شيمه
    أما المواقف فبطبيعة الحال على حسب الحال الذي نمر به نرى مالأنسب ونقرر ماذا نفعل بكل موقف من لين أو شدة وغيره ..

    في الختام :
    لأول مرة أقرر بأن أخطو خطوة حقيقة نحو النجاح بقراءة لأحد قصائد شاعر كبير قد لاتفكر مبتدا مثلي بالتجرأ لفعلها لكن التعلم لن يأتي إلا بالتطبيق والمحاولة
    فلعل عثراتي تكون كثيرة هنا ولعل قصور فهمي في نواحي عدة يتضح ولكني اجتهدتُ وبحثت عن المعاني وبالله استعنتُ وهو الموفق
    فما كان من صواب فبفضل من الله وماكان من خطأ أو نسيان فمني والشيطان
    والمعذرة على الإطالة

    اختك وابنتكم / براءة الجودي

  2. #2
    شاعرة
    تاريخ التسجيل : Jan 2010
    الدولة : على أرض العروبة
    المشاركات : 34,923
    المواضيع : 293
    الردود : 34923
    المعدل اليومي : 6.74

    افتراضي

    كانت قراءة في القصيدة رائعة يا براءة
    وقفت على مفاصل ملفتة بعين متبصرة وفكر مستنير وقدرة على الغوص وراء السطور
    استمتعت بكل ملمح منها وقفت عنده ، وتابعت إحساسك بالقول وفهمك لمعانيه بإعجاب، رغم ما شابها من أخطاء تمنيت لو أعفيتها منها ببعض مراجعة، وتأن في الكتابة يعينك على ما نأمله منك ومثلك قادر على ذلك

    لا أخفيك أن المقدمة استوقفتني قليلا بطابعها المباغت في هذا المجال الأدبي البحت

    وستكون لي إلى قراءتك بعون الله عودة متكررة

    كوني بخير والق غاليتي

    تحاياي
    تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها

  3. #3
    شاعرة
    تاريخ التسجيل : May 2012
    المشاركات : 4,790
    المواضيع : 82
    الردود : 4790
    المعدل اليومي : 1.11

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ربيحة الرفاعي مشاهدة المشاركة
    كانت قراءة في القصيدة رائعة يا براءة
    وقفت على مفاصل ملفتة بعين متبصرة وفكر مستنير وقدرة على الغوص وراء السطور
    استمتعت بكل ملمح منها وقفت عنده ، وتابعت إحساسك بالقول وفهمك لمعانيه بإعجاب، رغم ما شابها من أخطاء تمنيت لو أعفيتها منها ببعض مراجعة، وتأن في الكتابة يعينك على ما نأمله منك ومثلك قادر على ذلك

    لا أخفيك أن المقدمة استوقفتني قليلا بطابعها المباغت في هذا المجال الأدبي البحت

    وستكون لي غلى قراءتك بعون الله عودة متكررة

    كوني بخير والق غاليتي

    تحاياي

    حياكِ الله أستاذة ربيحة ..
    أسعدني مرورك وقراءة رأيك الذي يهمنا بالتأكيد , كنتُ أثق أني قادرة يوما ما على القراءة الجيدة
    ومع ذلك شعرتُ بخوف قليلا حيث أني نسقت الكلام بذهني ( عدا المقدمة طبعا ) وكتبت التحليل ارتجالي بنفس الوقت
    ولضيق الوقت لدي وساعاتي المحددة على النت لم استطع المراجعة وطبعا انتهى وقتُ التعديل
    حيث أني عدتُ قرأتها ورايتُ كلمات دخلت عرضا من العجلة وأحرف متشقلبة قليلا
    لكن لانقول إلا كان الله في عون القراء وصبر جميل نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    لكني إن فعلت ذلك في قراءات أخرى سأكتبها على الوورد وأراجعها جيدا ثم ارسلها هنا
    حتى لايتكرر الخطأ
    جزاك الله خيرا ياربيحة وبارك فيكِ

  4. #4
    الصورة الرمزية وليد عارف الرشيد شاعر
    تاريخ التسجيل : Dec 2011
    الدولة : سورية
    العمر : 60
    المشاركات : 6,280
    المواضيع : 88
    الردود : 6280
    المعدل اليومي : 1.40

    افتراضي

    ليس لي أن أبت في مآلات البحث ومقدار وصول الدراسة إلى خبايا القصيدة الرائعة لشاعرنا الأستاذ الكبير قبل أن يفعل هو بالطبع ...
    ولكني كنت هنا مستمتعًا وهذا انطباع شخصي ووجدت في دراستك مبدعتنا تفوق وألق ومقدرات واسعة في الإحاطة بالحالة الشعرية وظروف القصيدة والمعاني القريبة والبعيدة وبالتأكيد فقد قطعت الطريق أمام أي انتقاص بحكم قولك أن من البيان والشعر العمري ما يحتاج إلى المزيد والمزيد من التعمق فيه في كل قراءة ..
    أعجبني جدًا المنهج الراقي المتبع من المقدمة وحتى ختام الدراسة وبشكل يبز الأكاديمية ..
    شكرً لك مبدعتنا لهذه الوجبة الصباحية الجميلة والشكر للأخ الحبيب الأمير على قصيدة أخرى تسجل في صفحات التأريخ الشعري بماء الذهب
    مودتي وكثير تقديري

  5. #5
    شاعرة
    تاريخ التسجيل : May 2012
    المشاركات : 4,790
    المواضيع : 82
    الردود : 4790
    المعدل اليومي : 1.11

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة وليد عارف الرشيد مشاهدة المشاركة
    ليس لي أن أبت في مآلات البحث ومقدار وصول الدراسة إلى خبايا القصيدة الرائعة لشاعرنا الأستاذ الكبير قبل أن يفعل هو بالطبع ...
    ولكني كنت هنا مستمتعًا وهذا انطباع شخصي ووجدت في دراستك مبدعتنا تفوق وألق ومقدرات واسعة في الإحاطة بالحالة الشعرية وظروف القصيدة والمعاني القريبة والبعيدة وبالتأكيد فقد قطعت الطريق أمام أي انتقاص بحكم قولك أن من البيان والشعر العمري ما يحتاج إلى المزيد والمزيد من التعمق فيه في كل قراءة ..
    أعجبني جدًا المنهج الراقي المتبع من المقدمة وحتى ختام الدراسة وبشكل يبز الأكاديمية ..
    شكرً لك مبدعتنا لهذه الوجبة الصباحية الجميلة والشكر للأخ الحبيب الأمير على قصيدة أخرى تسجل في صفحات التأريخ الشعري بماء الذهب
    مودتي وكثير تقديري
    أستاذنا الفاضل / وليد الرشيد
    بالتأكيد يسعدنا تعليق الاستاذ سمير إن هو فعل ذلك ويكفينا أيضا إن اكتفى بالقراءة
    ويسعدني كثيرا مرورك من هنا وإبداء رأيك الذي نحتاجه في بداية مسيرتنا
    ولأكون معك صريحة لاأعلم إن كان لنقدي مسمى خاص من مناهج النقد لأني نقدتُ على البركة نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    ونسأل الله التوفيق وأن يزيدنا همة وينفع بنا أمة الإسلام والمسلمين
    رعاكم الله

  6. #6

  7. #7
    شاعرة
    تاريخ التسجيل : May 2012
    المشاركات : 4,790
    المواضيع : 82
    الردود : 4790
    المعدل اليومي : 1.11

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة نداء غريب صبري مشاهدة المشاركة
    قراءة جميلة يا براءة
    بداياتك في النقد تعد بالكثير

    شكرا لك اختي

    بوركت
    آملُ ذلك , أشكرك لبث التفاؤل في أعماقي , رفع الله قدرك أيها الفاضل

  8. #8
    الصورة الرمزية د. سمير العمري المؤسس
    مدير عام الملتقى
    رئيس رابطة الواحة الثقافية

    تاريخ التسجيل : Nov 2002
    الدولة : هنا بينكم
    العمر : 59
    المشاركات : 41,182
    المواضيع : 1126
    الردود : 41182
    المعدل اليومي : 5.29

    افتراضي

    ما كنت لأقيم النقد في نص لي فرأيي يظل مجروحا ، ولا في ناقدة هي عندي كابنتي احتهدت بتألق وعمق في سير أغوار النص وتقديم قراءة انطباعية مميزة وقفت على أهم مفاصل النص بألق وتناولت الجانب المتعلق بالمعاني والمضامين بطريقة مدهشة حقا ولو أنها استطاعت ربط المباني بالمعاني بتناول شامل لكانت بحق دراسة مبهرة.
    هو جهد كبير وكريم أقدره جدا وأشكره من القلب ويسرني أن أجد مثل هذا من أديبة تعد بالكثير على مستوى الشعر وعلى مستوى النقد.
    شكرا لك يا براءة ودام ألقك أيتها المبدعة!
    دام دفعك!
    ودمت بخير وعافية!

    تقديري
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  9. #9
    شاعرة
    تاريخ التسجيل : May 2012
    المشاركات : 4,790
    المواضيع : 82
    الردود : 4790
    المعدل اليومي : 1.11

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة د. سمير العمري مشاهدة المشاركة
    ما كنت لأقيم النقد في نص لي فرأيي يظل مجروحا ، ولا في ناقدة هي عندي كابنتي احتهدت بتألق وعمق في سير أغوار النص وتقديم قراءة انطباعية مميزة وقفت على أهم مفاصل النص بألق وتناولت الجانب المتعلق بالمعاني والمضامين بطريقة مدهشة حقا ولو أنها استطاعت ربط المباني بالمعاني بتناول شامل لكانت بحق دراسة مبهرة.
    هو جهد كبير وكريم أقدره جدا وأشكره من القلب ويسرني أن أجد مثل هذا من أديبة تعد بالكثير على مستوى الشعر وعلى مستوى النقد.
    شكرا لك يا براءة ودام ألقك أيتها المبدعة!
    دام دفعك!
    ودمت بخير وعافية!

    تقديري
    بحق الله يامعلمي مرورك لايثلج الصدر فحسب إنما كلماتك كمرآة نتوقف عندها للحظات لنرى حقيقة أنفسنا وإلى أي مدى وصلنا في تطوير هذه الروح وماتحمله وهذه المرآة التي تعكس حقيقتنا لايمتلكها إلا الصادقون الأنقياء ونحسبك منهم إن شاءاالله ، جزاك الله خيرا على مرورك الراقي وكلماتك الطيبة لابنتك وبإذن الله أتبع توجيهاتك وأحرص على التطبيق والفعل بكل ماأستطيع حتى وإن اعترانا الكسل أحيانا
    أشكرك على ملاحظتك المهمة في النقد فبحق ربما أركز على المعاني والمضمون أكثر من المبنى الذي ربما سبب عدم تركيزي فيه قلة الخبرة في هذا المجال
    دام تحفيزك ودامت روحك الوهاجة أبتي
    كل الود والتقدير

المواضيع المتشابهه

  1. قراءة في قصيدة المبادئ والمواقف للدكتور سمير العمري
    بواسطة براءة الجودي في المنتدى قِسْمُ النَّقْدِ والتَّرجَمةِ
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 08-07-2018, 08:35 PM
  2. المبادئ والمواقف
    بواسطة د. سمير العمري في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 64
    آخر مشاركة: 13-10-2017, 05:43 PM
  3. قراءة في قصيدة "الأخوة نهج" للدكتور سمير العمري
    بواسطة وائل محمد القويسنى في المنتدى النَّقْدُ الأَدَبِي وَالدِّرَاسَاتُ النَّقْدِيَّةُ
    مشاركات: 7
    آخر مشاركة: 06-05-2013, 12:14 AM
  4. المبادئ والمواقف
    بواسطة د. سمير العمري في المنتدى دِيوَانُ الشِّعْرِ
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 05-11-2012, 02:13 AM