الله سبحانه و تعالي جعل شهر رمضان سيد الشهور و أنزل فيه التوراة و الإنجيل و الفرقان و الزبور ، وجعل فيه ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر في الخيرات و الأجور ، فما أدركها داع إلا و ظفر بتعجيل الإجابة ، ولا سأل فيها سائل ألا أعطاه سؤاله و أثابه ، و لا أستجاره فيها مستجير إلا إجاره الله و كفاه ، ولا أناب اليه فيها منيب إلا قبله و أجتباه ، ولا تعرض لمعروفه طالب إلا جاد عليه وحباه .
قال الله تعالى فى سورة القدر : (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَة الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْر * تَنَزَّلُ الْمَلاَئِكَةُ وَالرُّوحُ فِيَها بِإِذْنِ رَبّ-هم مِّن كُلِّ أَمْر * سَلاَمٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ)
والقدر في اللغة: كون الشيء مساويًا لغيره من غير زيادة ولا نقصان، وقدّر الله هذا الأمر بقدره قدرًا: إذ جعله على مقدار ما تدعو إليه الحكمة.
وقد أنزل الله تعالي القرآن الكريم جملة و احدة في ليلة القدر من اللوح المحفوظ الي سماء الدنيا و أملاه جبريل عليه السلام على السفرة الكرام ثم كان ينزل على رسول الله صلى الله عليه و سلم بحسب الوقائع و الحاجة إليه .
فضمير ( أنزلناه ) يعني القرآن، وليس سورة منه ولا بعض منه.
وذكر العلماء أن ليلة القدر سميت بذلك لأن الله تعالى يقدر فيها ما يشاء من أمره إلى السنة القابلة من أمر الموت و الأجل و الرزق وغيره و يسلمه إلى مدبرات الأمور من الملائكة و هم : إسرافيل وميكائيل و عزرائيل و جبرائيل عليهم السلام .
قال تعالى: (فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ * أَمْرًا مِّنْ عِندِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ)
الدخان: 4 - 5.
و عن إبن عباس رضى الله عنهما: ( أن الله يقضى الأقضية في ليلة النصف من شعبان و يسلمها إلى أربابها في ليلة القدر ) .
وقيل : إنها سميت بذلك لضيقها بالملائكة .. فقد قال الخليل : أن الأرض تضيق فيها بالملائكة كقوله تعالي : ( فقدر عليه رزقه ) .
و قيل : سميت بذلك لعظمها و شرفها و قدرها ..
و قيل : سميت بذلك لأن للطاعة فيها قدرا عظيما و ثوابا جزيلا ..
وقيل : لأنه أنزل فيها كتاب ذو قدر على رسول ذى قدر علي أمة ذات قدر .
ومن أسماء ليلة القدر أيضا : ليلة البركة ، و ليلة الرحمة ، و ليلة السلام ، و العمل الصالح فيها خير من ألف شهر..
و عن إبن عباس : ذكر لرسول الله صلى الله عليه و سلم رجل من بني إسرائيل حمل السلاح على عاتقة فى سبيل الله ألف شهر
فعجب رسول الله صلى عليه و سلم لذلك و تمنى ذلك لأمته فقال : يا رب جعلت أمتى أقصر الأمم أعمارا و أقلها أعمالا فأعطاه الله تعالى ليلة القدر خير من ألف شهر التى حمل فيها الإسرائيلي السلاح في سبيل الله لك ولأمتك إلى يوم القيامة .. أي من خصائص هذه الأمة .
الليالي الفاضلة:
___
ولنعلم أن الليالى الفاضلة أربع عشر ليلة : منها ثلاث لإبراهيم و لوط و موسي عليهم السلام .. أما إبراهيم عليه السلام فله ليلة الهداية لما رأى الكوكب .. وأما ليلة لوط عليه السلام فهي ليلة النجاة .. و أما ليلة موسى عليه السلام فليلة التكليم.. ليلة الطور .. و أربع ليال لنبينا صلى الله عليه و سلم : ليلة العقبة و ليلة الغار و ليلة المعراج و ليلة الهجرة .. وسبع ليال لهذه الأمة : ليلة الجمعة و ليلة عرفة و ليلة المزدلفة و ليلة النصف من شعبان و ليلة القدر و ليلتا العيدين .
و ليلة القدر هي ليلة سلام وأمان و تنزل فيها الملائكة و جبريل عليه السلام .. فإذا أحتفل بها في الأرض جموع المسلمين فإن الملائكة تحتفل بها فى الأرض و السماء .
و الملائكة لا يمرون بمؤمن و لا مؤمنة فى ليلة القدر إلا سلموا عليه و يستمرون على ذلك من غروب الشمس حتي مطلع الفجر .
علامات ليلة القدر
____
ذكر العلماء :أن من علامات ليلة القدر .. أنها بلجة سمحة لا حارة ولا باردة .. يعذب فيها ماء البحار ولا ينبح فيها كلب .. و تصبح الشمس بيضاء نقية لا شعاع لها كانها طمست .
فعن إبن مسعود رضى الله عنه قال : ( إن الشمس تطلع كل يوم بين قرنى الشيطان إلا صبيحة ليلة القدر فإنها تطلع يومئذ بيضاء ليس لها شعاع ) .
و عن أبى هريرة رضى قال : قال رسول الله صلي الله علية و سلم : ( من قام ليلة القدر إيمانا و أحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ) وزاد أحمد و النسائى ( وما تأخر ) .
رؤيتها :
__
يسن لمن رأى ليلة القدر أن يكتمها وأن يكثر من التعبد و الدعاء في ليالى رمضان وأن يكون من دعائه : ( اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنى ) .
_______
_مقال للكاتب ( إبراهيم خليل إبراهيم )
مجلة الحج السعودية _ عدد مارس 1994
_مقال للكاتب ( إبراهيم خليل إبراهيم )
جريدة المساء 23/1/1998