كعكٌ محلّى
مُثقلةً بالكتب المدرسيّة ، وحقيبة ملأى بالحلوى ، والشعارات ، وبطاقات صغيرة صنعتها بيديها الماهرتين لتلفت إليها أنظار الصغار ، فيغدو الدّرسُ أجمل ..
وقفت قليلاً على العتبة ، ورائحة الخبز الشّهي تملأ المكان ، ونيران الفرن تتأجّج ، لتوحي بدفء من بعيد ، في يوم شتائيّ قارس .
وغدت بقلب مليء بالأمل ، برغبة في الوثب إلى الأعلى بخطوات قياسيّة لعلّها تحقق ما رسمته بسرعة فتهنأ بنجاح ..
وهمست ..
كم يشتاقُ المرء لصورة .. مجرّد صورة توحي بدفءٍ حتى وإن كانت بعيدة !
طلبتْ كعكاً محلّى ، وبعض الفطائر السّاخنة ،
وبدا سعيداً جداً بالكمّية التي طلبتها ..
أسرع بتهيئة الطلب ، وتسخين الفطائر ، واستمتعت هي بتلك المهارة الفائقة لشابّ في عمر ابنها لم يتوان عن إتقان عمله ، وترغيب الزبائن ببضاعته المتواضعة ..
في غضون دقائق ، لفّت الفطائر ، وتهيأت ووقفت تنتظر صحبتها ، لتشاركها الراحة بعد يومٍ شاق .
وأسرعت بتقديم الثّمن ممتنّة إليه ..
ورأت حزناً في عينيه .. رأته يحدّق في شيء ملوّن ..
وسام سقط من حقيبتها ، أمسكه .. أخذ يقلّبه ، وجد فيه حلماً ضائعاً ، أملاً تلاشى وسقط ، في يوم مغبرّ بالحزن ..
قرأت في عينيه غصّة الحزن ، على عمرٍ ولّى ، واحترق بنيران الجهل
ورأته طفلاً يتوسّلُ إلى والده أن يبقيه على مقاعد الدراسة ، ألا يجعل من كتبه وأوراقه وقوداً للفرن ..
ورأت حقيبته تمتلئ بالأسى ، وصوت معلّمته الحبيبة يبتعد عنه رويداً حتى تلاشى ..
قرأت في عينيه بقايا حلم ، واستسلام ، وهو يقلّب بحبّ ذاك الوسام ..
لكنه فطن إلى نفسه ، وفهم بأنه لها ، من أكداس الكتب التي تحملها ..
وتردد طويلاً في إعادته ، وكأنه شعر بأنه يبيع حلمه من جديد ..
حاولت متلعثمة أن تصلح الموقف ، أن تجبر القلب المتكسّر في فرن ساخن ..
فأعادته إليه وابتسمت تقول :
احتفظ به ، هو لكَ هديّة .. من معلّمة وجدت في عينيك طموحاً لغزو الأمل من جديد ..
وغادرته وقد سكبت في قلبه حلماً تمناه ، ونسيت على طاولة الفرن أكياساً من الكعك المحلّى ، أهدتها إليه مع وسام توهّج ، يشرق أملاً !