أحدث المشاركات

نسجل دخولنا بذكر الله والصلاة على رسول الله» بقلم عوض بديوي » آخر مشاركة: ناديه محمد الجابي »»»»» قراءة في مقال حقائق مذهلة عن الكون المدرك» بقلم اسلام رضا » آخر مشاركة: اسلام رضا »»»»» بكاء على الاطلال» بقلم أحمد بن محمد عطية » آخر مشاركة: أحمد بن محمد عطية »»»»» مصير الكوكب على متن الشراع الشمسي» بقلم إبراهيم أمين مؤمن مصطفى ح » آخر مشاركة: ناديه محمد الجابي »»»»» قراءة فى بحث تجربة ميلغرام: التجربة التي صدمت العالم» بقلم اسلام رضا » آخر مشاركة: اسلام رضا »»»»» وذُلّت الأعناق مقتطف من رواية قنابل الثقوب السوداء...» بقلم إبراهيم أمين مؤمن مصطفى ح » آخر مشاركة: إبراهيم أمين مؤمن مصطفى ح »»»»» الفصل الثاني من رواية وتستمر الحياة بين يأس و تفاؤل الأم الجريحة» بقلم بوشعيب محمد » آخر مشاركة: ناديه محمد الجابي »»»»» و تستمر الحياة بين يأس و تفاؤل الفصل الأول من الرواية بقلم بوشعيب» بقلم بوشعيب محمد » آخر مشاركة: ناديه محمد الجابي »»»»» قراءة في بحث أمور قد لا تعرفها عن مستعمرة "إيلون موسك" المستقبلية» بقلم اسلام رضا » آخر مشاركة: اسلام رضا »»»»» نعم القائد» بقلم عطية حسين » آخر مشاركة: احمد المعطي »»»»»

النتائج 1 إلى 4 من 4

الموضوع: الكوميديا السوداء وصراعات الموقف

  1. #1
    قلم نشيط
    تاريخ التسجيل : May 2006
    الدولة : لا حاجة
    المشاركات : 305
    المواضيع : 52
    الردود : 305
    المعدل اليومي : 0.05

    افتراضي الكوميديا السوداء وصراعات الموقف

    بقلم سها جلال جودت


    الكوميديا السوداء و صراعات الموقف

    في قصص فاضل السباعي


    في قصص فاضل السباعي ميلٌ إلى الغرائبية المستوحاة من الواقع الحلمي بين الحقيقة والخيال،فهو يسير بشخصياته حسب الحالة التي يرسمها عُمقُ تفكير الرؤية عنده، وحين تمعن النظر في رسم حالة شخوصه تجده لا يخرج عن أسلوب الرواية في سرد وطرح ومعالجة الفكرة المضمون،وهي تتدرج وفق معطيات الوطن للمواطن، ومعطيات المواطن للوطن، وتغدو الحالات الحلمية المستند الرئيس الذي يجسّد من خلاله رؤاه الفكرية، وذلك من خلال إحساسه المرهف المشبع بالإنسانية ، فأبطال قصصه من شريحة معينة ، فئة مقهورة تعاني أزمات المواطن في وطنه، لهذا تجده يرسم المضطهدين عبر مسارات فنية تعيش الحالة الحلمية بين اليقظة والسبات ، بين الواقع والمتخيل ، لتنفي وجود الظلم رغم وجوده ، وتنتصر لبارقة الحلم الأمل في أن تكون غير مراقب ،أو ملاحق، لأنك مواطن صالح وشريف ، وتغار على وطنك.

    في نسيجه المستند إلى الحدث الحكائي الذي تلعب به حالة الكوميديا السوداء بين الحقيقة والخيال وبين الحلم والواقع، تشدك تقاطعات ذات بناء فني ساخر لأنها تعتمد على كوميديا الموقف- الفكر-.

    إن قصة "الصورة والاسم" (المترجمة إلى اللغة الفرنسية) يرتكز عمل الكاتب فيها على الشخص ال (أنا) والشخص ال (هو)، فهو يرصد الفعل الارتكاسي للمتهم ( ج ) حسب حالته النفسية مع رجال السلطة .

    فالبطل يعاني من تأزم حالة الوهم التي يعيشها بين الحدث والخيال بين ما هو ممكن حدوثه، وبين ما هو تحليل إيحائي لمعاينة الأشياء بتجرده عن الزمان والمكان، وهي ذات بعدين نفسيين : بعد نفسي قريب، وبعد نفسي متخيل، وكلا البعدين يرمزان إلى التوتر والاضطراب الداخلي الذي ينعكس على الفعل الخارجي فهو يحاور نفسه في كيفية التخلص من الوقوع بين براثنهم مستعيناً بذكائه الحاد والخارق، لأنه استطاع أن يغير من سحنته بظنه أشدّ فراسة وحنكة منهم، ومن خلال رصد التداعيات النفسية عندما يفكر تجده يقول : "واستدرك : إلا أن ابتكاري هذا ، أبحاثي النفسية – العلمية ، بقي لها أن تخضع للتجربة مرّة ومرّة ، إلى أن تكلل بالنجاح! ، هتف في فرح: سأجربها ... سأجربها ..." ص(19)

    والتجربة هنا إشارة إلى وجود التحليل النفسي لفعل ارتكاسي سببه الوهم المنبثق من الخوف، وهنا نجد البطل يحترز لنفسه من مداهمة رجال السلطة لمنزله فيضع جرس إنذار ، فالمضمون الذي يقدمه الكاتب من خلال عرضه يعبر عن تأزم نفسي يعاني منه ( ج ) و لكن في وقوع البطل رغم اتخاذه لتدابير الحماية الذاتية نراه يقع، وفي التحقيق معه نلاحظ براعة الكاتب في التركيز على كلّ من الخوف الاضطراب، السخرية " - جابر ، هكذا اسمٌ فرد؟
    - لا ... إن لي اسم أسرة طبعاً ... أسرتي التي أنتمي إليها ... (وأسعفه خياله ) كِنْدي ... اسمي " جابر كندي "!
    كندي ؟! هل أصلك من بلاد " كندا الباردة "، أيها الأشقر الكلي البياض؟! ( ص30)

    هنا الكاتب يرمز في جملته الأخيرة إلى التركيز على وجود الحالة الداخلية والخارجية بين عنصرين أساسيين البياض والسواد في مجموعة من الانهيارات النفسية، فالقصة تجسد معاناة البطل النفسية التي ترمز إلى انتصار حالة السقوط على الموقف الذي عبر عنه الكاتب بالرفض وسقط "ج" على الأرض، مكبلاً بالحديد، مغشياً عليه (ص 34)، بعد تقديم العديد من الصراعات في حوارية ساخرة وساخنة قد تجعلنا نضحك أو نحزن من غباء الموقف !

    وفي قصة "العينان في الأفق الشرقي" يتجرأ الكاتب في إبراز مدلولاته بين الدال والمدلول/ المزاد ، المتثائب ، الرقم اللاشيء "صفر"، جمهورية نون، جواز سفر، الجمهور، الشعب، السلطة القانون، لإبراز الانتماء الشعوري الاجتماعي الوطني،وفق بناء فني ساخر محكم، فالكاتب يعالج الصراع الدرامي الكوميدي من خلال دفاع البطل عن نفسه في بحثه عن جمهورية نون، لكن السجان الذي ألقى القبض عليه يحاول أن يُغرقه في قضية التمرد على أنظمة الحكم،ومن خلال الحوار: "ولكن السفر إلى جمهورية نون لا يحتاج إلى جواز سفر ... إنه يتم بورقة ترخيص تعطى بإجراءات غير معقدة!"( ص 60)، فمقدرة الكاتب على الربط بين رموزه العالية الدلالة، في مفارقات نقدية بارزة توضح غيرية السباعي على أبطاله الذين ينتمون إلى الوطن ،"إنه من أسرة غير أسرتي ... أنا من أسرة الشريف ، وهو من أسرة السريع"( ص63) ، حين يحاول البطل الدفاع عن نفسه.

    ولا يخفى على الكاتب أن يضيف إلى الحدث الحكائي الحواري درساً في توضيح الفرق بين حرفي العين والفاء على صحيحهما فالموقف هنا منوط بحالتين اثنتين العام المواطن ، والخاص رجال السلطة ، وكلاهما يعالجان طرفي نقيض، القوي والضعيف ، والفعل المرئي الملموس لخيال البطل في تعبيره عن التسلط، والرمز الخفي المشار به إلى "زهرة "!

    فالسيد الذي أنقذت خادمته زهرة المواطن "م" ، وتراجُع "م" وإقباله على تقبيل بسطار السجان للسماح له بالتحدث إلى "البيك" من أجل إنقاذ نفسه بالطريقة التي وصفها الكاتب ببراعة يحلل الانهيار النفسي بجرأة ذكية تستنطقها الحالة الظاهرية بسوداوية الموقف الساخر،"وأكبّ على البسطارين، يعانقهما بهيام، ولثم خديهما بحبٍ عميقٍ ... وقد هزت العاطفة الدافقة فؤاده فإذا هو... يبكي!"( ص 73)

    وعندما ينتهي الكاتب من سردّ وقائع حالة البطل "م" وإنقاذه بالتوسط له من قبل خادمة السيد زهرة، يجعله يغادر المدينة نحو الصحراء بحثاً عن إنسانيته التي هدرتها قوانين أنظمة المدينة وهو ما يزال يبكي "وظل طوال الليل، يبكي، وعيناه إلى الأفق الشرقي...(ص 78) .

    إن الخط البياني في نسيج قصص السباعي يعتمدّ على بنائين مفصليين في حركة شخوصه :
    1- إبراز الكوامن الداخلية على الحركة الخارجية للبطل من خلال الحوار
    2- كوميديا الموقف الساخر
    وهي تعتمد على المعالجة ، ليبرز دور البطل في محاولته الخلاص من أزماته من براثن الظلم والقهر والسجن والتحقيق ،وهي عناصر هامة لتعرية واقع المواطن المتأزم في وطنه، ففي قصة "الجمهور يضحك في صخب" نلاحظ شدة التكثيف مع نجاح الفكرة في التعبير عن منجزها الفني، فالبطل حالة واهمة تمارس مقاومة الصراع النفسي الداخلي مع الفعل الخارجي .

    القصة ترصد انفعالات البطل حين يخرج من المقهى لإنقاذ من خيل إليه أنه من أصحابه القدامى،" بأي حقٍ تقتادونه إلى السجن؟
    أهاب بي أحدهم:
    امض في طريقك . نحن من رجال الأمن!" (ص 90)

    وحين يكتشف البطل أن صديقه استطاع خداعهم "وكيف يكونون من رجال الأمن، وأنا نفسي رجل أمن ؟! ، فيلوذون بالفرار"، يبرع الكاتب بحنكة المتمكن من أدواته في فن القص في توظيف فكرة انتحال شخصية رجل أمن فيقع البطل "هل تسمح بأن تطلعني على بطاقتك الرسمية ، أيها السيد؟
    ولكنه لم يحفل بطلبي، بل تأبط ساعدي ، وعانق بكفه القاسية كفي لاوياً معصمي...!"( ص 92)، هذه القصة ترجمت إلى اللغة الألمانية.

    وفي قصة "الأيدي الكرتونية" نلاحظ توظيف الكاتب لفكرة الموقف الساخر من خلال العنوان، فالبطل شخص حالم لكنه مأزوم داخلياً لأن الكاتب أوضح ذلك منذ بداية القصة "فقد أدركتُ أنه واحدٌ من أولئك الذين سئمت أن يعترضوني أينما سِرتُ وحيثما حللتُ" ص (167) تفسير حالة البطل " لكنه يغني" ، ولأنه يغني يعتبر مخالفاً للأنظمة فيعترضه رجل أمن وحين يحاول عدم الاكتراث به ، يصرخ في وجهه وقد أشهر مسدسه ، صائحاً : - ارفع يديك . إياك أن تتحرك ! (ص 168)

    إن في عدم إغفال الكاتب للبعد الفني المركز على التكثيف يجعل القارىء يتابع بنهم ٍ نتيجة ذلك الصراع الذي جاءت حبكته منوطة بالكوميديا السوداء ، وكأن السباعي في مجموعته التي صدرت في العام 1975 حزن حتى الموت ، يمارس مع أبطاله قضية واحدة لحالة شعورية إنسانية تعاني من مفارقات متعددة تحيط بها هالة من السواد المنبثقة من اضطهاد حرية المواطن في وطنه ، لكن المواطن في النهاية ينتصر، لأن الذي استوقفه لم يكن سوى وهم ٍ ، حين يكتشف أنه من دون لحم ٍ وعظم ٍ "تهاوى على الأرض مثل كومة من ... ورق ... من قصاصات ورق صغيرة ... سرعان ما أخذت تذروها الريح ، ص (170) فالبناء الفني كان يعتمد على حالة الإدهاش الأخيرة.

    نأخذ قصة "المجاري" نموذجاً مهماً للدلالة على كوميديا الموقف الساخر كتقاطع بياني ينتمي خطه إلى الطبقة التحتية، وقد انتحل أحدهم هذه القصة وفاز بها في مسابقة "أحسن قصة عربية" التي يقيمها نادي القصة بالقاهرة وحاز على ميدالية طه حسين الذهبية واكتشف الأمر بعد أن نشرت القصة في مجلة "الهلال" 1974، فالبطل لا يعاني من حالة الصراع النفسي،لأن القصة قامت بنائية حبكتها على الصور المشهدية الحركية، والحركة هنا فعل دلالي وقد بدأت على لسان ضمير المتكلم أنا،وهي تعرض الجوانب الإنسانية لأشخاص ينتمون إلى الطبقة التحتية لكنهم يعملون، والعامل المحرض على العمل هو البطل "زاهي" المكنى "بأبي ماهر"، كونه ماهراً في عمله غير متقاعس عن أي عمل يوكل به إليه رغم وصفه بأبي الحظوظ السود!

    وفي استعراض الكاتب لشخصية البطل على صوت ضميره "أنا" نجده لم يفقد روحه حين تجاوز فكرة الشعور بالانتقاص وبدأ يفكر كيف يفتح المجاري التي أوكلت إليه كمهمة عليه أن ينجزها .

    بأمانة ينقل إليك الكاتب بيئة البطل النفسية داخلياً وخارجياً ، فهو إنسان متشبث بالفضيلة وبحب العمل ، وحين ينجح في تحليل أسباب حالة انسداد المجاري ، ينجح في فتحها بالتعاون مع العمال الذين خصتهم ظروفهم التحتية للعمل معه ، فيحملونه على الأكتاف وهم يرددون : "عاش المراقب زاهي . عاش ... عاش " (ص 18)

    لهذا نراه بعد نجاحه في فتح المجاري وحصوله على اعترافات من رؤسائه بنجاح مهمته، يجعله الكاتب يحلم حلماً غافياً على كتف المجاري وقد توزعت الزروع من الأصناف كافة،لتبرز قضية الموقف من الحياة، قضية من لا يضطهد نفسه رغم اضطهاد واقعه المعيش لوجوده.

    فالقصة ذات مستويين :
    - السرد النفسي لحالة البطل الشعورية
    - الترميز الذي خصه الكاتب بالمجاري

    وفي المستويين دراسة لعالم خاص يعاني من تورمات الفقر ودوافعه إلى العمل في الدرجات الدنيا ، إن القصة بتسلسلها الدرامي الكوميدي تشغل ذهن القارئ من دون أن يدخل في متاهة التحليل النفسي، فالشخصية بسيطة، تؤمن بالفضيلة وبالعمل الدؤوب، وهي لا تتحمل التصنيع، ولا اللعب بمظهرها الخارجي ضمن سياق لغوي حكمته جزالة اللفظة وقوة العبارة في توظيف شائق وجميل، ومما يدعو القارئ إلى الذكر تمكن الكاتب من لغته الحصيفة والجميلة وهو يختار أسماء شخوصه وفق رموز عالية الدلالة، قد تبدأ بحرف سرعان ما يكتمل تركيبه مع صراعات البطل داخلياً وخارجياً .

    فالموقف عند السباعي في الكوميديا السوداء محصور بعزلة المواطن عن ممارسته لحريته، ففكرة المطاردة والملاحقة، والسجان ، والتحقيق،هذا ما تراود الكاتب في قصصه هذه،كأن حالة السواد مما يعانيه المواطن في وطنه هي المسيطرة على أبطاله فهو يعيش حالة تغريب صناعي نسجته صراعات الأبطال المأزومين في حواراتهم مع رجال السلطة ، لأن المتن الحكائي يقوم على مفصلين هامين : السرد والحوار.

    وحين نقرأ قصة "حوار للفصل الأخير" نلاحظُ دُربة وفطنة المؤلف في تقديم هاجسه الفكري المنوط بنقطة السواد في فلسفة حالة البطل، فالبطل هنا مثقف ومبدع، ولأنه مبدع فقد اختار له نموذجاً جديداً للصراع، وجعله متهماً بارتكابه جريمة قتل، لأن خصمه استطاع أن ينتصر عليه بتقربه من السلطة، فحقق مجده الأدبي، على عكس البطل الذي وجد نفسه خارج إطار وطنه الذي كان من المفترض أن يزيد من تعاضده مع الإبداع والفن الأدبي وفي جدلية الصراع يقوم الحوار على الاستهزاء الساخر من قبل البطل لدى التحقيق معه، وحين لا يستطيع الإفلات من قبضتهم يسايرهم في تقديم الأدلة بناء على المضمون الذي تحمله أدلجة الحوار، لكنه بضربة معلم كما يقولون يفلت البطل من بين أيديهم بعد أن يقول لهم: "إني مبهور جداً بمقدرتكم الخارقة للعادة على التحري..." ويتابع سخريته منهم "فإن ما دار الآن بيننا من حوار ستخطه الأيدي فصلاً أخيراً ! إني أنتظر أن تنفذوا حكمكم فيّ للتو واللحظة! هيا أسرعوا، أيها السادة العادلون !" (ص 154)

    وإذا أردنا أن ندرس واقعية قصة "محاولة إغواء دورا"وما جرته من ذيول، التي اعتمدت على نصّين متكاملين : المحاولة والذيول .
    فإننا نرى براعة الكاتب في تحقيقه لرصد الواقع السردي الحكائي لمحور الحدث العلاقة بين الرجل العربي والمرأة الغربية، وهنا يمزج الكاتب بين مخزونه اللغوي وبين شخصياته، فلا ترى حشواً ولا رغواً في الكلام لأن قضية الحدث هي العامل المهم الذي يقدمه فكر وقلم القاص والروائي السوري فاضل السباعي .

    لنلاحظ هنا في مضمون العرض للقصة حين يقع "عبدول" (أو عبد الرحمن) في ترجمة اسم دورا إلى العربية،المرأة التي حازت على عنوان القسم الأول من القصة المحاولة .
    "إن كلمة " دورا "، أو " دُرَهْ " تعني حبّ الذرة ! اسمك، في العربية "بوب كورن" ، يا دورا!

    القصة محاولة قصصية لسيرة ذاتية، جاءت على لسان السارد (ضمير المتكلم) حين كان مقيماً في باريس عاصمة فرنسا، فهو يصف الأماكن بدقة محدداً استراتيجية كل مكان على حدة، ولا ينسى أن يصف الطبيعة في هذه الأماكن، وحين يقدم حالة عبدول النفسية يبدأ بتصحيح حالة الشرح اللفظي التي وقع بها عبدول، على خطأ لغوي ارتكبه حين يترجم اسم دورا بعد أن يصف الحالة " شيء ما في صدري ... هو الغيظ ... الحنق ... الغيرة ... أو " عشق الحقيقة العلمية "، سمه ما شئت، حفزني إلى أن أتدخل فأقول : أنت يا عبدول، أضفت " نقطة" إلى حرف الدال العربي فجعلت الكلمة " ذرة " ولكن الأقرب إلى دورا هو " درة" لؤلؤة ... جمانة ... اسمك في العربية يعني " بيرل perle بالفرنسية يا دورا !" (ص 27)، وهنا يلاحظ لغة الكاتب الروائية التي اعتمدت السرد، والعديد من الضمائر على لسان المخاطب أنا .

    فالمحاولة هي عنوان موظف تطرح فكرة رغبة عبدول الرجل الشرقي الذي يحاول إقامة علاقة مع صاحبة الشق الأول من القصة ويفشل حين يشرق محيا دورا لحظة تلتقي بصديقها القديم .

    وفي القسم الثاني "الذيول" نلاحظ الحالة الذاتية التي انفرجت كوامن غضبها بشكل فاضح، حيث يقدم الكاتب تعليلاً تقنياً برزت فيه الفكرة، المضمون، لتتحقق كوميديا القصاص من أمراض الواقعية الاجتماعية في الكشف عن اختلال المعادلة بين عبدول والبطل وذلك من خلال السرد الحكائي عن ما جرى من أحداث في رحلاتهم ولقاءات سرية تمت بين كوكب وحسان .

    الكاتب يلخص الحالة السوداء التي يمتاز بها هؤلاء المشوشين بصراعات مشهدية بين متناقضين، فعبدول هو الرمز السفلي لحالة سلبية تمثل ذوبان الوعي الفكري الأخلاقي، والبطل الذي يفضح رضوخ عبدول للفعل الانتهازي يمثل حالة الاغتراب الإنساني التي يشعر بها، ولا يكتفي في تقديم القرائن بل يعلل بسخرية مرة فاضحة تكشف النقاب عمن يسوغه الانتهازيون في نشر الأكاذيب على حساب الوطن والأمة، وحين تزوره زوجته وتعلم بوقائع التقرير الموجهة إلى البطل السارد تخاف على زوجها وتبدأ بإرسال التخييل تلو التخييل ليعبر الكاتب عن مضمون الخوف، فالزوجة تخشى من اغتيال زوجها، وتجهش في البكاء وهي تسترسل في طرح عباءة الخوف، لتغادر منكسرة النفس، حسيرة الفؤاد على تركها زوجها في غربة نفسية قد تودي بحياته .

    وفي قصة الأول، نلاحظ اعتماد الكاتب على السخرية الجادة فهي انفتاح جديد، استطاعت وبفعل خصوبة فكر المبدع أن تحقق منجزاً قصصياً في عالم القص من حيث التقنية الفنية التي برع فيها الكاتب، ومن حيث توظيف حالة البطل الثقافية.

    القصة تعبر عن أزمة المثقف العربي الكفؤ ضمن تيار الرصد والترصد لوعيه، وهي لا تختزل الوعي بل تشعله فتيلاً من عطاءٍ معرفي اندغم مع وحدة القص بلغة قصصية يميزها الحوار المتسلسل لطالب يخضع لامتحان صعب في مادة الثقافة العامة لقبوله معيداً في كلية الطب .

    ولأن البطل نموذج مستقل بقدراته الفكرية والشخصية وبسرعة إجاباته فإنه يقع في مغبة ظلم الممتحن له ليشكل حوار الأسئلة صراعاً قائماً بحدّ ذاته، وهو صراع استذكاري شامل وسريع جداً، فالوقوف مجرد وقت من أجل الاستظهار الداخلي مبتور لا وجود له، والحيلولة دون تقدمه الظاهر تتجلى في نهاية القصة لتعبر عما يعانيه المواطن الصالح المتفوق .

    إن بنائية قوام هذه القصة تمثل القيمة المعرفية للمثقف العربي التي لعب على أوتارها المبدع مع سياق السرد الحواري وهذه الأخيرة أضفت على النص القصصي جمالاً رغم وجود الصدمة في نفس القارئ حين يقول الممتحن :
    ليس من العدل أن تشغل، مرة ثانية، مقعداً في الجامعة أولى به طالب لم يجرب حظه بعد!
    عجيبة هذه السدود، التي تقيمونها في طريق من حصل على معدلي العالي !(ص22)

    إن أسلوب فاضل السباعي المتسم بالشفافية وبالبعد عن المباشرة السردية وبإغفاله متعمداً لبعدي الزمان والمكان ُتشعل ضوء الخيال في فكر القارئ فيحلل الأحداث نظراً لترابطها الزمني في وحدة المكان، إضافة إلى جرأته الموضوعية والأدبية في الطرح والمعالجة، لهذا يمكن القول إن قصصه التي امتلكت خصوصية كوميديا الموقف تمتاز بمقدرة فائقة على التركيز على شخصية البطل النفسية داخلياً وخارجياً من دون أن يتعرض إلى وحدة الحالة الاجتماعية بعيداً عن الوصف، وهذا ما ساعد المبدع في تقديم نموذج ساخر تخللتها الحوارات الساخنة، لترمز إلى البعد المضيء في معالجة المضمون .


    16 / 12 / 2003

  2. #2
    الصورة الرمزية مصطفى بطحيش شاعر
    تاريخ التسجيل : Mar 2005
    المشاركات : 2,497
    المواضيع : 135
    الردود : 2497
    المعدل اليومي : 0.36

    افتراضي

    احجز لي مكانا في هذه القراءة النقدية
    لاتعرف على محاورها ومفاصلها واعود معقبا

    تحية للاديبه سها جلال جودت

  3. #3
    قلم نشيط
    تاريخ التسجيل : May 2006
    الدولة : لا حاجة
    المشاركات : 305
    المواضيع : 52
    الردود : 305
    المعدل اليومي : 0.05

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة مصطفى بطحيش مشاهدة المشاركة
    احجز لي مكانا في هذه القراءة النقدية
    لاتعرف على محاورها ومفاصلها واعود معقبا
    تحية للاديبه سها جلال جودت
    الأخ العزيز مصطفى
    بانتظار عودتك
    دمت بخير مع صافي محبتي وتقديري

  4. #4
    الصورة الرمزية الصباح الخالدي قلم متميز
    تاريخ التسجيل : Dec 2005
    الدولة : InMyHome
    المشاركات : 5,766
    المواضيع : 83
    الردود : 5766
    المعدل اليومي : 0.86

    افتراضي

    احجز حتى يقال ان الحضور كثير في محاضرتك القيمة
    لي عودة اتأمل
    اللَّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَما صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهيمَ. إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.

المواضيع المتشابهه

  1. الكوميديا المصرية الحديثة:
    بواسطة نداء غريب صبري في المنتدى الحِوَارُ السِّيَاسِيُّ العَرَبِيُّ
    مشاركات: 67
    آخر مشاركة: 15-06-2014, 02:50 AM
  2. الكوميديا القذافية أو(الملهاة الشيطانية)
    بواسطة محمدسليمان العلوني في المنتدى الأَدَبُ السَّاخِرُ
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 29-05-2011, 03:46 AM
  3. دانتى و الكوميديا الإلهية
    بواسطة مصطفى سلام في المنتدى قَضَايَا أَدَبِيَّةٌ وَثَقَافِيَّةٌ
    مشاركات: 11
    آخر مشاركة: 09-02-2008, 04:40 PM
  4. آخر تقليعات هوليوود "البحث عن الكوميديا في العالم الإسلامي"
    بواسطة د. سعادة خليل في المنتدى الاسْترَاحَةُ
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 29-01-2006, 11:15 PM
  5. الموقف الصحيح عند الاساءة....!!!
    بواسطة ابو دعاء في المنتدى الحِوَارُ الإِسْلامِي
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 25-08-2004, 01:12 PM