مقدمة :
( أ . ص ) ضابط مخابرات مصرى فى الخامسة و الخمسين من عمره ، يرمز اليه بالرمز ( ... ) .. يجيد استخدام جميع أنواع الأسلحة من المسدس الى قاذفة القنابل .. و كل فنون القتال من المصارعة و حتى التايكوندو .. هذا بالاضافة الى اجادته لستّ لغات حيّة و ... الخ ...
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _
المكان : مخزن مهجورعلى رصيف رقم ( 3 ) - ميناء ( مارسيليا ) القديم ..
الزمان : الواحدة الا عشر دقائق صباحا ..
غرق رصيف الميناء فى ظلام دامس بعد أن حجبت الغيوم ضياء القمر ، فعقد النقيب ( ح . م ) جاجبيه متمتما بضيق :
- اللعنة .. هذا ما كان ينقصنا ..
التقط العميد ( أ . ص ) منظارا للرؤية الليلية من حقيبته و ارتداه متسائلا :
- ماذا بك أيها النقيب ..؟..
ارتدى النقيب ( ح . م ) منظاره بدوره قائلا بتوتر :
- هذا الظلام يثير أعصابى ..
قال ( أ . ص ) بينما أصابعه تتحرك بسرعة و براعة لتقوم بتجميع و تركيب أجزاء سلاحه :
- من الخطأ أن تدع أى شئ يثير أعصابك أثناء العمل عزيزى ( م ) ..
و رفع عينيه اليه مستطردا :
- فى عملنا هذا .. لثبات الأعصاب دور كبير فى نجاح المهمة أو فشلها ..
تنهد ( ح . م ) قائلا :
- أرجو أن تعذرنى يا سيادة العميد .. انها مهمتى الأولى كما تعلم ..
قال ( أ . ص ) بينما أصابعه مستمرة فى عملها :
- كلنا مررنا بهذه التجربة يا صديقى .. المهمات التدريبية خطوة أساسية لكل رجل مخابرات قبل أن يبدأ مهامه الفعلية .. و من الطبيعى أن يتملّكك التوتر فيها باعتبارها أول مواجهة حقيقية لك ..
- ( مبتسما ) : شرف عظيم لى يا سيادة العميد أن أتتلمذ على يدك .. و أن أصحبك فى احدى عملياتك ..
انتهى ( أ . ص ) من تركيب بندقيته ، و خلع منظاره ليلقى نظرة عبر منظار البندقية المزوّد أيضا بمرشح للرؤية الليليّة ليطمئن من جودة الرؤية قبل أن يقول :
- للأسف يا صديقى .. أنت شاب صغير.. لم تعاصر العمليات الحقيقية التى كنّا نواجه فيها مخابرات العدو ، و نذلّ ناصيته بانتصارنا الساحق عليه المرّة تلو الأخرى ..
- ( بحماس ) : و لكن هذه عملية خطيرة يا سيدى .. أولسنا نستهدف ضابط المخابرات الاسرائيلى المسئول عن تجنيد العديد من شبابنا لصالح ( الموساد ) ..؟؟.. أوليست تلك عملية حساسة ذات تأثير قوى ..؟؟..
- ( بتهكم ) : هل تسمى اغتيال رجل مخابرات اسرائيلى عملية خطيرة ..؟؟.. ما هى المخاطرة فى ذلك ..؟؟.. لقد قتلت بالفعل العديد من رجال ( الموساد ) خلال عمليّاتى المختلفة ، و لكن كان ذلك كل مرة يتم من خلال عملية اكبر ، و وفقا لما تقتضيه الظروف ..
و اعتدل مردفا :
- لم أكره شئ طيلة حياتى أكثر من اراقة الدماء .. غير أنى فى كل مرّة كنت مضطرا لذلك لانجاح العملية ، و لمصلحة الوطن .. لذا فلا تتوقع أن أكون سعيدا أو فخورا بلعب دور القاتل المحترف هذه المرّة ..
- و لكن يا سيدى .. الهدف ليس سهلا أبدا .. ( ا . ش ) ليس مجرد رجل مخابرات عادى .. انه داهية حقيقى ، و له اسلوبه الخاص فى الايقاع بالشباب العربى وتجنيده .. و جميع جهود مخابراتنا السابقة فشلت فى الوصول اليه ، قبل أن تتولى سيادتك قيادة العمليّة ، و تضع خطة محكمة لاقتفاء اثره و العثور عليه ثم استدراجه الى هذا المكان للقضاء عليه ..
تنهد ( أ . ص ) قائلا :
- لا مجال للمقارنة يا بنىّ .. عملية كهذه فى الماضى ، كان ضابط صغير من تلامذتى ليؤديها على خير مايرام ..
و استلقى على بطنه أمام النافذة المجاورة ، و سدد فوهة البندقية عبرها الى الفراغ المظلم برصيف الميناء ، و ألصق عينه بالمنظار الليلى المثبت بالبندقية متابعا :
- الوضع الحالى فى مجالنا لم يعد كالسابق .. فى ما مضى ، كنّا فى حالة حرب حقيقية مع ( اسرائيل ) .. معلنة كانت أو سريّة .. و لكنها كانت حقا حرب .. و كانت الامور واضحة جلية .. من هو العدو ، و من هو الأخ و الصديق .. و كانت ( اسرائيل ) عدو حقيقى .. نكرهه و نحتقره و نعمل له ألف حساب ، و نجابهه بكل ما اوتينا من قوة و امكانات .. أما الآن ..
و صمت دون أن يتكلّم ، فتسائل ( ح . م ) :
- ماذا عن الآن يا سيدى ..؟؟..
ظل ( أ . ص ) صامتا للحظات قبل ان يقول :
- لا شئ .. لم يعد هناك أى شئ .. اختلت كل الموازين و القيم التى كنّا نعمل عليها و من أجلها .. اختلطت الامور ، و لم أعد أدرى حقا من نواجه .. من هو العدو ، و من هو الصديق .. انخفضت عمليّاتنا ضد ( اسرائيل ) شيئا فشئ حتى تلاشت تقريبا ، و أصبحت امكاناتنا موجهة ضد من كانوا أصدقائنا و اخواننا فى الماضى .. ضد ( حماس ) و ( حزب الله ) و ( ايران ) و المقاومة العراقية .. هل تصدق هذا ..؟؟.. هل تدرك أننا حقا صرنا نعمل لصالح ( اسرائيل ) بالدرجة الأولى ..؟؟..
- ( بخفوت ) : هل تكره ( اسرائيل ) الى هذه الدرجة ..؟؟..
رفع ( أ . ص ) رأسه عن المنظار ، و نظر ناحية الشاب قائلا بغضب :
- سؤالك هذا فى حد ذاته كارثة أيها النقيب ، و لو كنت قد سمعته منك أو من غيرك فى الماضى ، لكنت حوّلتك الى التحقيق فورا .. ألا تكره ( اسرائيل ) يا فتى .. ؟.. ألا تدرك أنها العدوّ الأساسى لنا و لأمتنا و للعالم كله ..؟.. ألا ترى المجازر الّتى ارتكبتها و ترتكبها فى حق شعوبنا على مدى المائة عام المنصرمة ..؟؟..
- ( بتوتر ) : و لكن توجد بيننا و بينهم الآن معاهدة سلام و ..
- ( مقاطعا بغضب ) : لا مجال لأى سلام بيننا و بينهم طالّما مازالوا مغتصبين لأرضنا ..
- و لكن ..
- صه .. لقد وصلوا ..
و عاد ليلصق عينه بعدسة المنظار ، فى نفس اللحظة الّتى ارتفع فيها صوت محرك سيارة تقترب ، و حبس ( ح . م ) أنفاسه ، فى حين قال ( أ . ص ) :
- سيّارة مرسيدس المانيّة مصفحة .. لقد توقفت على رصيف الميناء ..
تمتم ( ح . م ) :
- فى الموعد بالضبط ..
- ( و كأنه لم يسمع ) : ( ا . ش ) يجلس فى المقعد المجاور للسائق .. لقد ميّزته بوضوح .. حارسيه الشخصيين يغادران السيّارة .. يفتشان المكان .. ( دقائق من الصمت ) .. يعودان الى ( ا . ش ) .. يكلّمانه .. يطمئنانه فيما يبدو .. يغادر السيّارة و يقف بجوارها فى مرمى بندقيتى .. ينتظر قدوم عميلنا الّذى تظاهر بالوقوع فى شباكه و قبول عرضه بالتجسس على بلده لصالح ( اسرائيل ) .. و لكن ..
و صمت لحظة قبل ان يعقد حاجبيه قائلا :
- غريب هذا .. انه ينظر نحونا مباشرة .. ما الأمر ..؟؟..
مرّت لحظات أخرى من الصمت قبل أن يهتف مصدوما :
- ما هذا ..؟؟.. انه ينظر نحونا ، و يرفع ذراعيه ملوحا .. ما الّذى يعنيه هذا ..؟؟..
و مع آخر حروف كلماته ، دوت تلك الطلقة النارية فى فراغ المخزن المهجور ، و شعر بالدماء الساخنة تبلل صدر قميصه و سترته ، و سمع صوت مرافقه الشاب و هو يقول بهدوء :
- يعنى هذا ..
مع الألم الحارق الّذى يغزو صدره و ظهره بسرعة مدهشة ، أدرك عقله المدرب الأمر بسرعة أكبر ، و حاول أن يستدير بسلاحه لمواجهة ( ح . م ) غير أن أصابع هذا الأخير انتزعت منه سلاحه بقوة ، و ألقته بعيدا ، فتمتم بغضب :
- أيها الوغد الحقير ..
خلع ( ح . م ) منظاره الليلى ، و ضغط زر الانارة ، فانبعثت فى المكان اضاءة شاحبة مصدرها مصباح نيون قديم مثبت الى السقف ، غشيت – الاضاءة - عينا ( أ . ص ) فأغلقهما ، و هو يلتقط أنفاسه بصعوبة ، و سمع الشاب يقول :
- لا تغضب منى يا سيادة العميد .. انما أنا أقوم بعملى ، و انفذ الأوامر فقط ..
- ( بصعوبة ) : أوامر من أيها الخائن القذر..؟؟..
- أوامر قائدنا بالطبع يا سيادة العميد .. هل ظننت أحدا آخر أمرنى بالتخلص منك ..؟؟..
- ( بصوت مختنق ) : مستحيل ..
- ( بهدوء ) : و لماذا أكذب عليك ..؟؟.. أنت بنفسك يا سيدى قلت منذ قليل أن الامور لم تعد كالسابق ، و أن مفاهيم العدو و الصديق اختلفت عمّا كانت عليه .. ( اسرائيل ) لم تعد عدوا لنا ، و العالم كله صار يعرف تلك الحقيقة التى لم تنفك أنت تنفها و تعارضها و تعمل ضدها .. و مادمت عدوا لـ ( اسرائيل ) فأنت بالتأكيد عدو لنا .. مثلك فى ذلك مثل ( حماس ) و ( حزب الله ) ، و أى كيان فى العالم يعادى ( اسرائيل ) .. و فى الظروف الراهنة لا مجال لأن نرفض أمرا ( أو فالنسمه طلبا ) لأصدقائنا الّذين لم ينسوا بعد هزائمهم الّتى تلقوها على يديك ..
- ( أنفاس متثاقلة ) : ................
- صدقنى يا سيادة العميد .. لا أحمل فى أعماقى نحوك الا الاعجاب و التقدير .. و لكن طبيعة المرحلة الراهنة لا تحتمل تواجدك على الساحة .. لدينا الآن أعداء من نوع آخر لن ترق لك مجابهتهم .. المعارضة الداخلية الآن تشتد و تقوى شوكتها ، و حركات مثل ( كفاية ) و ( الاخوان ) تكتسب أرضا جديدة كل يوم ، و لابد من ردعهم .. لذا فقد ارتأت القيادة العليا أن التخلص منك ( استجابة لمطالب أصدقائنا ) سيجنبنا متاعب نحن لسنا فى حاجة اليها .. هل تفهمنى ..؟؟..
لم يجب ( أ . ص ) ، و ان ظل يرمقه ببغض ، بينما الدماء تغرق صدر قميصه و ظهره المستند الى الحائط ، و سمع صرير باب المخزن ، و رأى ( ا . ش ) يدلف اليه داسا كفيه فى جيبىّ معطفه الفاخر ، مسددا اليه نظرة ظافرة ، و سمعه يخاطب ( ح . م ) بارتياح :
- أحسنت صنيعا يا صديقى ..
- ( مبتسما ) : فى خدمتك أدون ( ش ) ..
- ( ملتفتا الى أ . ص بابتسامة جذلة ) : اذن فهى النهاية عزيزى ( أ . ص ) ..
- ( بمقت ) : اذهب الى الجحيم ..
- ( ضاحكا ) : مازلت وقحا حتى فى لحظاتك الأخيرة .. ( ثم بجديّة ) .. هل أدركت الحقيقة الآن ..؟؟.. أننا انتصرنا فى حربنا ضد أعداء السامية .. و أننا كسبنا حربنا مع العرب ، و صرنا بالفعل كيانا واحدا معهم .. هل استوعبت هذا الآن بالفعل ..؟؟..
- ( يضحك بصعوبة ، فيسعل و تتناثر الدماء من فمه ) : أنت أحمق يا ( ش ) .. دعنى أقل لك أن خيانة بعض الكلاب أمثال هذا الوغد ( يشير بصعوبة الى الشاب ) لا تعنى أنكم نجحتم فى اختراقنا .. ربما كح كح .. تمكنتم من استمالة بعض العملاء و الخونة على اختلاف أماكنهم ،و لكـ .. كح كح كح .. و لكن جماهير الأمة تكرهكم بجنون ، و ترفضكم تماما .. و عمّا قريب سيهبون ان شاء الله لتطهير بلادنا منكم و من ذيولكم الخونة ..
- ( ساخرا ) : هذه الجماهير الّتى تتكلم عنها تنبش الأرض بحثا عما تسد به رمقها ، فلا تعول عليها كثيرا ..
- قريبا ان شاء الله ستتخلص الجماهير ممن تسبب فى هزيمتها و هوانها ، و عندها ستلتفت اليكم و تمزقكم اربا ..
- ( بكراهية ) : سأبذل قصارى جهدى لكيلا يأتى هذا اليوم يا سيد ( أ ) .. أعدك بأنه لن يفعل أبدا ..
و شد قامته قائلا بصرامة :
- هل من شئ تريد قوله قبل أن تموت ..؟؟..
- ( بصعوبة ) : نعم ..
و استجمع قوّته ليبصق فى وجه ( ا . ش ) الّذى تناثرت الدماء على وجهه ، فصمت للحظة مشدوها قبل أن يمسحها بمنديل ورقى ويقول مبتسما :
- سأعتبرها تحية وداع من صديق عزيز يا سيد ( أ ) ..
و تناول المسدس من ( ح . م ) و سدده نحو رأس ( أ . ص ) قائلا :
- الى اللقاء فى الجحيم ..
أغمض ( أ . ص ) عينيه و هو يتمتم بالشهادتين ، و ..
و برووم .. انطلقت الرصاصة لتخترق رأسه و تفجر الدماء منها ..
للحظات ساد الصمت فى المكان ، قبل أن يلتفت ( ا . ش ) الى ( ح . م ) مبتسما :
- عملية ناجحة يا صديقى .. أهنئك ..
- فى خدمتك أدون ( ش ) ..
- هل نرحل الآن ..؟؟..
- تفضل ..
و غادرا المكان تاركين خلفهما جثة الرجل الّذى أذل رجال ( الموساد ) و هزم العديد من أجهزة المخابرات الّتى كانت معادية و حطم انوف جبابرة التجسس و الاجرام ..
جثة ( أ . ص ) ..
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _
- تمت بحمد الله -