أحداث الذاكرة المجنونة
لحظات من تاريخ مضت ، ذكريات فى بحر من العشق المترامي
أشياء تحدث ولا تحدث..
بحار من الدماء على أسفلت الطريق.
بعض البقع الضوئية المتناثرة على أسطح البيوت
حلم لم يبدأ ولم ينته ِ
أشياء من تلك وهذه ..
على البعد المتثاقل بخطوات المارة كان يجلس .. وحيدا لم يكن .. بصحبة لم يكن ..
بعض الأفكار فقط هي التي كانت تلازمه بالاضافة إلى مجلد كبير يحوي حكايات ألف ليلة وليلة ..
فى زمن التجلي كان من البسيط أن يفكر ..الآن لم يعد لديه وقت سوى للحظات من التمرد الداخلي المحفورة بداخل نفس تواقة للحياة..
فتح أبواب عقله بابا ثم بابا.. وجدهم يسكنون الطرقات الخلفية من ذاكرة مسروقة..
حلم أن يصبح ذا كيان يطارده.. دوما شعوره أنه شيء خارج العادة وخارج المألوف .. بل ربما هو ليس بشخص .. قد يكون فكرة فى عقل كاتب أو سطر شعر ما زال لم يسطره شاعر ..
الألم الذي يضرب جنبات صدره يشعره بالتمزق .. بعض الذكريات الفارة يقبض عليها بيد من حديد .. هنا وعلى هذا الجسر الممتد بطول الطريق كانت بداياته .
يومها هجم على العاصمة وهو يحتضن وجوه الناس ، يرسم ضحكة ساذجة طفولية على ملامحه شديدة السمار .. بعينين سوداوين واسعتين وبؤبؤ عيني كلت الوجوه المتذمرة كان يراقب .. كان يقيس المسافات بعينيه ، يحاول أن يرسم خطة لحياته فى هذه المنطقة الهادئة .. لقد دار شوارع العاصمة كلها.. شارعا بشارع لم يجد أهدأ من هنا.. تحت ظل شجرة استقر..
فرد بطانية قديمة وقرر أن يكون هذا بيته.
بيته عبارة عن بطانية قديمة ، وفرع شجرة ، يفرد البطانية ويربطها فى الحر بدوبارة إلى فرع الشجرة فتحميه من قيظ الظهيرة .. فى الليل يفترش الرصيف وفوقه البطانية وقد نام فى وضع الجنين ، مترقبا الصباح يمكن .. ذكرياته لم يعرف لها بداية .. ولم يطرق أي منها بعنف يكفيه أنه يحمل ذكريات.. هذا بالنسبة له نوع من التفوق الذاتي ..
أشياء تحدث ولا تحدث..
يراقبهما منذ سبع سنوات ، يراقب دخولهما وخروجهما ، يراقب ذراعه التي تتأبط ذراعها وهما يخرجان فى سهرة الخميس من كل أسبوع .
بوتاجاز غاز صغير وعدة أكواب شاي ، وجردل صغير،وفوطة مبلولة هم كل عدته .
يعد أكواب الشاي لعمال الشركة القومية لشيء ما.. المهم أنهم عمال شركة قومية.. شيئا فشيئا كان يقترب بفرشته كل يوم من الشركة .
ومع مرور السنوات أصبح بينه وبين بوابة الشركة مجرد خطوات قليلة، حلم بسيط يراوده أن يدخل من البوابة ويستقر بعدته جوار الغرفة الصغيرة المجاورة للباب.
ولكن هاجس كان يطرد هذا الحلم وهو التطلع إليهما.. فقد اعتاد عينيها الزرقاوين ، واعتاد عيني زوجها .
لحظات شروده دوما، كانت لحظات ترقب فهو هناك.
حيث طبق المساء وأحاديث الحب، حيث الممازجة بين الخيال والوهم والحقيقة.
حيث لا شيء ممكن، ولا حد للمعقول.
يكفيه دقائق من السعادة بقربهما ، يشعر أنه يحب الزوج ، وربما يغار . وهل لمثله أن يغار!.
أحداث الذاكرة المجنونة..
بحور من الأفكار والرؤى ليست له ، وليس لها .
شيء ما يعكر ذكريات حياته، منذ أيام أصبح لا يفهم لم هو !..
ولم لا !.. أليس بشر!.
أمن حقه الحياة ؟!
أمن حقه الموت؟!
أنه لا يدرى حقا هل من حقه الحياة أم لا..
وجد أنه بعد مدة من الزمن وبعد أن أصبح باب الشركة القومية على بعد ياردات بسيطة.. وجد أنه يبعد مرة أخرى يبعد عن الشركة ويقترب من منزلهما.. يبعد ليعود كما بدأ منذ سنوات، بفرع شجرة وبطانية.
أحد الأشخاص طمع فى مكانه بجوار الشركة فلم يهتم .
العشق أصبح هو حياته .
يسمع من بعض السكان أنه تزوجها بعقد عرفي..
لم يفهم ما الفرق بين العرفي والرسمي ..
حتى قال له شخص ما :إنه أقرب للزنا .
حجم المفاجأة علي عقله أصبحت مستحيلة !
أمثلها يكون لهذا !. مستحيل !
الذكريات تحفر طريقها إلى سطح عقله .
بعضها يتملص بشدة .
وبعضها لا يتمنى أن يتذكره.
ولكنها الذكريات !
اللعنة !. لماذا نملك الذاكرة !
تمنى لو أن كل ما سمعه مجرد وهم.. مجرد ثرثرة أغبياء.. ولكنه تأكد عندما سمع فى إحدى الليالي تهديدها أن لم يتزوجها رسمي ، فسوف تبلغ أهل زوجته ، وهو حر وقتها .
بعدها بفترة زاد اقترابه هو من باب عمارتها .. وبعدت الشركة القومية عنه .. قل عدد زبائنه واستغربوه !
ومع اقترابه تفتحت أمامه أشياء كثيرة وحوارات أكثر، عرف لماذا هجومه الضاغط عليها..أنها حامل !
وهو لا يريد الطفل !
كيف هذا لسنوات وهو يرى ويسمع أحيانا عبارات الحب المتبادلة وهما فى طريقها للخروج ..
اليوم لا يريد الطفل ؟!
وهل هناك من لا يريد طفلا له ؟!
زاد هذا التفكير من استغراقه فى أوهامه حولهما .
أشياء كهذا تحدث .
ربما لو وجد هو من تبادله بعض عبارات الحب لم فر من بلاده وراء رزق لا يعلمه إلا الله.
ألعاب صغار.. ولكنه الخناقات تضاعفت ثم هدأت الأمور .
فقال لنفسه : ربما أخيرا اقتنع بأهمية الطفل فى الحياة
ولكن اليوم انقلب حياته هو، لا يرى ولا يسمع، ولا يتكلم.
شيء من الذكريات الممطوطة يطاول عقله ويعذبه .
هناك على أسفلت الطريق.. كانت جثتها ملقاة .. والدماء متناثرة.
وهو لا يستطيع الاقتراب منها أو حتى لمسها.
وهمهمات عمال الشركة تصل إليه كأنها تأتى من خلف غيوم الذكريات.
البعض يقول انتحرت .. والبعض يقول قتلت.
وهو على أسفلت الطريق يجلس فى وضعية الجنين ويخبط الأرض بيديه ،وكأنه يقيس وجودها ..
وأحداث الذاكرة المجنونة تطعنه ، وتطعنه ... ولا يرى .