سلام الـلـه عليكم
قراءة في قصيدة " متى نصحو " للشاعر وائل ابو حمزة
لقد كان حريا بي , قبل أن أتكلم في هذه القصيدة , أن أقرأ للشاعر وائل ابو حمزة , أكثر من قصيدة لأقف على اسلوبه , وادواته الشعرية , فلا يمكن الحكم على شاعر من خلال قصيدة , ولذلك عندما قيّد لي أن أسمع القصيدة , للمرة الأولى , خلال جلسة أدبية , لشعراء وأدباء الواحة في دولة الكويت , طلبت أن أسمع القصيدة مرة ثانية , وتمنيت أن اسمع له قصائد أخرى , وهكذا جاء تركيزي على القصيدة , وليس على الشاعر , خلال القراءات النقدية المباشرة , التي تفضل بها الأخوة الأدباء الكبار :
الاستاذ الدكتور سلطان الحريري , والاستاذ الدكتور حسان الشناوي , والاستاذ مأمون المغازي , والاستاذ أحمد الرشيدي , وحيث أن القراءات والآراء النقدية , تميّزت بالحرفية والعلمية , وفتحت افاقا في تقنية الابداع الشعري , وكم كنت أتمنى لو أرى هذه القراءات والآراء منشورة , لما قدمت من رؤى وآليات , تخطت القصيدة قيد الدراسة , إلى الشعر عموما , والحركة الشعرية المعاصرة .
وقبل محاولتي القراءة في القصيدة وتقييمها , رأيت أن اقوم باختبار لتاثير القصيدة , على جمهور الحضور , من غير الأدباء , الذين استمعوا للقصيدة , بعيدا عن الخاصة من الشعراء والأدباء الكبار الذين حضروا الجلسة , في دارة الأخ الغالي الشاعر العربي الكبير الاستاذ محمد ابراهيم الحريري , وتوصلت بالمطلق ودون أدنى شك , بأن القصيدة كانت رائعة , وأوصلت الرسالة المرجوة , بشكل أخّاذ , وهذا أمر يحسب للشاعر وللقصيدة .
ولابد من الاعتراف بأنه مهما عملت من جهد , فلن أتخلص من التأثر بالقراءات والآراء النقدية , التي استمعت اليها حيال القصيدة , ولعل الأخوة الأدباء النقاد الكبار , يتفهمون هذه الحالة , فلا ملامة علي من تكرار بعض الآراء , دون قصد الاقتباس .
لقد لفت نظري في القصيدة مذ بدأت بالاستماع إليها , التلاحم العالي , بين الشاعر والقصيدة , ووضوح المصداقية في كل مفردة أو عبارة أو صورة أو فكرة , فالشاعر يخاطب والدته في حالة من الحماس , وشفافية الخطاب , وهي الأم ومركز الثقة والاسرار , مستخدما مفردات واضحة رصينة , على الرغم من استعارة بعض المفردات المعبّرة المتداولة , التي جاءت عفوية غير مفتعلة , وحتى عندما استخدم مفردات غير متداولة , مثل " الطروح " و " اللقوح " فقد جاءت في السياق معبّرة واضحة , وربما قاده الى استخدامها شخصية الشاعر , التي تعف عن ذكر السوقي من المفردات , وقد تميّزت المفردات بنوع من التوافق الصوتي والتناغم , مما جعل القصيدة تبدو وكأنها لحن موسيقي مغنى , وقد برز هذا التميّز في توليفة المفردات , لتشكيل تعبير , مثل " وصار السيف عكاز المسيح " , " لنحضر حفلة الوجه الصبوح " , " بـالـوطـن الـجـريـح "
" يخـطـف كـــل روح " , " الـصـوت الفـحـيـح " ...... , ومثل هذا الاستخدام يشي بالشاعرية العالية والاحاسيس الشعرية التي تعكس مخزونا من التأثر بما مرّ به الشاعر , من تجارب حياتية , وهذا التناغم العالي في استخدام المفردات , ونسجها ضمن عبارات متناغمة , مع الاختيار الموفق للبحر , أعطى القصيدة جرسا ناجحا , سيطرت عليه الابعاد الصوتية لحرف الحاء , بما له من ايحاءات , وما التصق به من مدلولات , من جرح وحزن وحس وحرقة وذبح وغيرها , وكيف يخرج هذا الحرف من الحلق , وما يعكس من صور خلال كثرة ترديده , فقد أعطى القصيدة لحنا حزينا , وأظهر مدى الحرقة , وعمق الجرح , وحرارة التعبير عن المشاعر والاحاسيس , ولعل الاستخام البارع للمفردات , والتناغم العالي , الذي ميّز القصيدة , كان عامل نجاح واضح في رصانة بناء البيت , وجعل التلقائية تجعل منه وحدة متماسكة مترابطة , بل امتد ذلك الى بناء القصيدة ككل , فجاءت متناغمة مترابطة , ذات مستوى عال من الرصانة السهلة , وغير المفرطة .
وإن عدم التركيز على الصور الشاعرية , التي يصرّ عليها النقاد , ويعتبرونها إحدى مفاتيح , نجاح القصيدة وتميّزها , جاء هنا نتيجة لطبيعة موضوع القصيدة ومذهبيتها , فهي نفثات داخلية حرّى , يتلاحم فيها الشاعر مع الهدف من القصيدة , مخاطبا الأم القريبة , المتلاحمة مع ابنها , والصور الشعرية , تتطلب السراح بالخيال , وحماسا وحرارة أقل حدة , والصو الشاعرية التي جاءت في مساقات القصيدة , لم تأت عن صنعة وسراح , بل جاءت عفوية , تعبّر عن الحالة النفسية والوجدانية , وحتى الاستحضارات الخاطفة التي قام بها الشاعر , مثل : " حفلة الوجه الصبوح " , " طوفان نوح , " والاستحضار الأكثر أهمية لصلاح الدين :
|
ونـدعـو يــا صــلاح الـديـن أقـبـلْ |
ويــا ريـــح الـشـهـادة فلتـفـوحـي |
|
|
فعلى الرغم من شيوع هذا الاستحضار , من قبل الكثيرين من الشعراء والأدباء , نتيجة حالة السقوط والضعف , وعظم الماساة التي تعيشها الأمة , فقد لامس الشاعر هذا الاستحضار , نتيجة التوتر النفسي , فلم يغرق ولم يوغل , وبالتالي لم يشكل هذا الاستحضار تكرارا واستهلاكا , وأرى أنه لايخرج عن كونه نبضة أو خلجة نفسية عفوية في غمرة التنفيث عن الحالة الوجدانية , وليس استحضار صنعة وتكلف .
وفي النهاية , فإن قصيدة " متى نصحو " , هي نفحة شعرية وشاعرية , قوية التأثير , تتميّز بالمصداقية و وسمو ونبل الفكرة , وجمال الايقاع , والمقدرة والتمكن , من الامساك بالمفردات ونسجها في متون رصينة سهلة متناغمة .
د. محمد حسن السمان