* نزار قبانى فى قصيدة خاتم مصر
* نزار قبانى فى قصيدة خاتم مصر
قراءة / العربى عبدالوهاب
روح واحدة في مواجهة عدو واحد .
خروجا من حالة الضياع / ميوعة الملامح ، دخولا لحالة اكتشاف الذات ، تجئ قصيدة خاتم مصر ؛ لتشكل أيضا مشهدا شعريا دالا مجموعا من خريطة الوطن الذى كاد عبر الهزيمة أن يهتز ، فتتجسد خلاله مصر فى عروس تستعيد كيانها .
تتعرف مصر على وجهها فى مرايا سيناء
تقرأ اسمها فى كتاب الشهادة ومزامير العبور
تقرأه فى فرح المغامرة ، وأبجدية الاقتحام
بتكرار فعل القراءة / الاكتشاف ، تتمكن العروس من الوصول إلى اسمها مدونا ومنقوشا على معاطف الجنود المسافرين إلى ساحة الكبرياء . تلك الساحة التى تتشكل عبر دال هو الضفة الثانية (للكبرياء) ؛ لتستحيل أيام وانكسار الهزيمة ـ بعبور الجنود إلى ساحة للكبرياء المسطور بأبجدية الاقتحام ـ ومتجسد في جراهم المتلألئة تحت الشمس كأحجار الياقوت .
تعتمد القصيدة على صور شعرية متلاحقة ، صور بصرية تكثف الواقع بحرارته أثناء العبور لضفة الكبرياء ..
(تقرأه في معاطف الجنود المسافرين إلى الضفة الثانية للكبرياء)
نلحظ انحراف الصورة البصرية المستقاة من الجنود المسافرين وحركتهم بالسفر نحو فعل العبور إلى الإيغال في المعنوي والرمزي (كالكبرياء) .
أيضاً تعرج القصيدة على التاريخ وتشكل معه تناصاً يثري النص الشعري ويؤطر تلك الصور / الواقع في لحظات تحوله جاذبة إياها من حيز القول إلى حيز الفعل عبر صيغة الاكتشاف .
وتكتشف مصر صوتها
في رصاص مقاتليها لا في حناجر مغنيها
إذن القصيدة تقوم بجمع هذا التبعثر (الاسم ثم الصوت ثم الملامح) لتشكل بهم كلاماً صحيحاً قادراً على تجلي هذه الشخصية في ثوب عروس مستعيدة عافيتها وقادرة على الإغراء / الزواج ..
يمنحها التاريخ خاتمه الناصع وأشجار القطن تغسل طرحة عرسها ، ومآذن الأزهر تتجه نحو ساحة المعركة لتعقد لها عقد الزواج .
تعتمد القصيدة في بنائها على الانتقالات السريعة لتتماثل مع حركة وسرعة الفعل فيتماهى الشاعر في الموضوع ويتحدان ، كما تتحد مصر بذاتها ، وبالجنود المقاتلين ، تتحد أيضاً بالمآذن في الأزهر وينتقل الجميع إلى أرض العمليات العسكرية ، وبين الجنود الأبطال كرمز دال للجندي الفارس ، نراه خارجاً مع أجداده الفراعنة من غرف نومهم من سطوتهم التاريخية وحالتهم السكونية إلى ساحة الحركة والفعل . من وضع المشاهدة إلى حالة المشاركة ..
يخرج الفراعنة رجالاً ونساءً وأطفالاً من غرف نومهم
في الأقصر وأسوان ووادي الملوك يرشون مصر بماء الورد
يحدث الشاعر مزجاً دلالياً عبر تلك الصور الجزئية الفلاشية بمرونة وتميز يشي بالبساطة ولا يتخلى عن العمق بتتبع الصور التاريخية ، بأخرى حديثة حاضرة ..
يبيع التلاميذ كتبهم الجامعية ويدفعون مهر العرس
ينزل عمرو ابن العاص عن حصانه
ويلف مصر بعباءته
ثمة انتقالات سريعة بين الماضي والحاضر ، ما هو تاريخي وما هو واقعي في صيغة تزاوج وتوحد .
يربط حدث الانتصار بالتاريخ المضيئ ويقوم بتأكيده
وإيقاع القصيدة السريع يهشم الحدود القائمة بين الشاعر والجمهور وبين النص . وتلك سمة مميزة من سمات هذا الشاعر إلى جانب سمات أخرى كالصورة البصرية واعتماد القصيدة على المفارقة عبر الزمن بمزج أزمنة متعددة .. واعتماده أيضاً على البنية السردية بتشكيل حكاية العروس الوطن كشخصية متخيلة حاملة لواء الحركة في القصيدة مما يحيل التصور الفني لانتصار أكتوبر إلى حفل لعروس يشاركها التاريخ والتلاميذ والأماكن استعدادها للزواج وإذا كانت حكاية العروس مجرد تكأة بنائية لزحزحة القصيدة من حيز المباشرة الإنشادية إلى حيز التجديد ، فإن تلك اللعبة الشعرية على قدر بساطتها تمكنت أن تخلق ظلاً للخطاب ووضعت النص على أعتاب القصيدة ذات الحس الدرامي استلهم الشاعر التاريخ بتجلياته المضيئة وغزله مع الواقع بحيث انصهر في بعضهما كما انصهرت مصر في شخصية العروس والجنود في رمز البطل / الفارس / الزوج .
الإيقاع الشعري في القصيدة جاء مصحوباً بموسيقى رنانة تعكس حالة البهجة المواكبة لحركة العروس نحو ساحة الكبرياء .
أيضاً ثمة توظيف متميز للأفعال ساعد على تنامي الحدث وديناميته منذ بدء القصيدة وحتى نهايتها (تتعرف ، تقرأ ، تكتشف ، تضع ، يخرج ، ينزل ، يهدي ، يقرأ لها سورة الفتح) هذه الفعال المضارعة تعكس آنية الحدث ، وتبدأ من نقطة التعرف على الوجه وتنتهي بعمرو بن العاص وهو يقرأ على مصر آيات الانتصار ، مع فتح البطل عمرو بن العاص لمصر وهذا هو الفتح لإسلامي المقدس _ الآن _ يرمز إلى الصهيونية وعدم شرف احتلالها للأرض ، وبطلان مزاعم العدو .
القصيدة معبرة عبر تواتر صورها الجزئية عن صورة كلية لحالة مبهجة تعكس مشهداً شعرياً دالاً يقدمه شاعر عربي ؛ بم يطرح دالة أوسع عن تعاون العرب كأمة واحدة تهزها مشاعر واحدة وتجتمع على
رد مع اقتباس
.gif)
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة نبيل مصيلحى
