موقع الثقافة
كيف يمكن الجمع بين الحزن والفرح في ذات الآن ؟ سؤال يبدو من البساطة بمكان إلى حد الاستغراب ، لكن الذي حاول الجمع بين الأمرين ، يدرك مبلغ الصعوبة الكامنة في النفس التي تحاول أن تقسم وتشطر ذاتها بين متضادين ، تماما ، كمحاولة جمع المستحيل مع الممكن ، حتى يبدو التآلف بينهما كتآلف الروح مع الجسد .
خبر قرأته في مجلة " حيفا لنا " أفرحني بنفس الكم الذي أحزنني ، وبت موزعا بين استهجان ذاتي ، ومعرفتها ، لكن الحزن تآلف مع الفرح ، وبقي الأمر كله على أتون ملتهب في انتظار خبر مشابه ، يستطيع فرحه أن يمحو حزنه .
الخبر " أعلن الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب الاثنين الماضي رفضه لانضمام العراق إلى الاتحاد. وجاء ذلك بعد رفض اتحاد الأدباء العراقيين شرطي العضوية في الاتحاد العام للأدباء وهما إدانة الاحتلال وإجراء انتخابات حرة وديمقراطية لاختيار الأعضاء."
وقال الأمين العام للاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب محمد السلماوي على هامش اجتماعات المكتب الدائم للاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب بمناسبة دمشق عاصمة الثقافة العربية إن "اتحاد الأدباء العراقيين رفض شرطي العضوية في الاتحاد العام للأدباء وهذين الشرطين هما إدانة الاحتلال وإجراء انتخابات حرة وديمقراطية لاختيار الأعضاء".
وأشار إلى أن "الاتحاد لا يقبل عضوية أي دولة تضرب بهذين الشرطين عرض الحائط"، مشدداً على أن "عضوية العراق مرهونة بإدانة الاحتلال " .
واعتبر أن "الثقافة العربية ليست استثناء عن الوضع العربي العام، ونحن لا نعيش أبهى عصور العالم العربي ولكن السؤال: أين موقع الثقافة وليس ما هو حال الثقافة؟ حال الثقافة يحتاج الكثير من الجهود ولكن موقع الثقافة مازال في المقدمة " .
المبكي ، أن يتحول كتاب العراق العريق ، العراق الذي استطاع أن يرسم للأمم والحضارات ، معنى الحروف ، معنى الزراعة والصناعة ، معنى الثقافة والترجمة ، معنى مدرسة الكوفة التي وقفت تنافس مدرسة دمشق باللغة العربية ، العراق الذي كان منذ أزمان بعيدة بؤرة المعرفة التي تجدل ضياء الشمس ضفائر من علوم العزة والكرامة ، أن يتحول هذا العراق ، باتحاد كتابه ، من مرحلة العزة ، إلى مرحلة ، تؤسس لتضع العقل العربي ، على انقلاب تام ، بين ما عرف عنه سابقا ، وما سيكون .
نحن لا نحاسب الساسة ، ولا نكتب عنهم ، لأنهم وبكل بساطة ، أعلنوا ، وبفخر الذل والهوان ، أنهم عبيد ، لا يملكون من أمرهم إلا قتل الشعوب والتنكيل بمقدساتهم ومحرماتهم ، وان العبودية التي يمارسون ، هي طبع وتطبع ، تمكنت منهم ، حتى أصبحت الجزء الوحيد بمكوناتهم ، كمن أدمن انحراف النظر والبصيرة ، إدمان الروح للخلود .
لكننا نصاب بداء الدهشة ، والاستهجان ، حين يصل الأمر إلى إجماع من المثقفين العراقيين ، أو من يدعون أنهم كذلك ، للتسليم بالخيانة المركبة ، الخيانة التي تبرىء القاتل من القتيل ، بصك ولاء من دماء القتيل ذاته .
قبل فترة طويلة ، كتبت مقالة عن العراق ، قلت فيها ، على المثقف العراقي الذي يحترم كينونته وثقافته ونفسه ، أن يجيب عن التساؤل الذي طرحته الأحداث التي أطاحت بالرئيس العراقي صدام حسين ، تساءلت : " كيف يمكننا الآن فهم ادعاء العراقيين الذين حملوا مظلوميتهم إلى أقاصي الأرض ، بعد أن اندفع جزء كبير من الشعب يصافح فوهات الاستعمار ودباباته " .
وحين تساءلت ، كنت موقنا ، بان المثقف العراقي ، سيكون أكثر عجزا عن الإجابة ، إلا إذا اتبع أسلوب إبليس حين يتنصل من الإنسان بإعلانه إغواء الإنسان ، ورادا الكفر على الضلال الذي قبله الإنسان باختياره .
أنا حقا اشعر بالأسى الشديد ، بل اشعر بالنقمة والغضب ، على من يصفون أنفسهم بالثقافة والمعرفة ، حين يريدون تلبيس الحق بباطل ، رفض إبليس ذاته ، بكل ما يملك من صلف وتعنت وغرور أن يكون عاصيا وفاجرا إلى هذا المستوى .
المفرح ، أن يقف اتحاد الكتاب العرب ، بكل ما يمثل وما يملك ، ليقول ، وبفم يفوح بعطر الثقافة والمعرفة ، للكتاب العراقيين ، وبصورة واضحة جلية ، لا تقبل الشك او التأويل ، من لم يرفض الاحتلال ، لا مكان له ، بين الثقافة والمعرفة ، ولا مكان له ، بين العزة والكرامة ، ومن لا يملك قدرة الرفض للباطل ، فنحن ، نملك قدرة رفض وباء عفنه وداء هلاكه .
هنيئا ، لاتحاد الكتاب العرب ، وشكر موصول ، لما مثل من رفض ، نحمله أمانة على أعناقنا ، طالما بقي الاتحاد يملك هذا النفس الثوري النابض بتاريخ الأجداد ، الذين غسلوا التاريخ بدمائهم الزكية الطاهرة ، من اجل أن يبقى نفس فينا حتى اليوم ، يستطيع وببساطة الحرية أن يقول لمثل اؤلئك الذين خرجوا من رحم الهزيمة ، لا ، وألف لا .
مأمون احمد مصطفى
فلسطين – مخيم طول كرم
النرويج – 18 – 11 - 2008