محمد الطاهري

يرى الملاحظون للواقع اليوم، بان مظاهر القلق والاضطراب تتزايد ساعة بعد ساعة، و لا شك أن العديد من الظواهر النفسية التي كانت غائبة عن مجال علوم النفس بدعوى أنها ذات طبيعة فلسفية هي التي نجدها تتصدر اليوم اهتمام السيكولوجيين.فموضوع القيم مثلا، يحظى اليوم باهتمام أكبر وأكثر مما كان يحظى به في الأمس القريب،وإن كان هذا يبين شيئا، فإنما يبين أهمية دراسة القيم باعتبارها موضوع الساعة.
من مميزات القيم أنها توفر للناس قسطا من الطمأنينة النفسية والروحية تخفف عنهم أعباء الحياة وآلامها، وتكبح فيهم جموح الغرائز وشهواتها كما فعل الإسلام في أوج الحضارة العربية وازدهارها واتساع رقعتها.
عند الشباب كما عند غيرهم نجد موضوع القيم يطرح نفسه بجدارة، فالسؤال المركزي اليوم هو عن ماهية القيم التي تحرك المجتمع، وإنما قلنا القيم التي تحرك المجتمع وليس القيم التي تحرك الشباب إيمانا منا كما يقول الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي بأن:مشكلات الشباب ليست مشكلات متعلقة بهم بمقدار ماهي مشكلات للمجتمع الذي يعيشون فيه.
ليس الغرض من هذا الكلام أن نقول بأن الشباب بريء فيما يحصل له، أو أن الذي يتحمل المسؤولية إنما هو المجتمع، بقدر ما أننا نحرص على أن نؤكد على أن أزمة القيم أزمة أكبر من أن نحصرها على مستوى الشباب.
يحفل القرآن الكريم بالنماذج والأمثلة المبينة للقيم. يقول الله تعالى:ضرب الله مثلا رجلين،رجلا سلما لرجل،ورجلا فيه شركاء متشاكسون هل يستويان مثلا؛في هذه الآية الكريمة؛ تتبين أن القيم تجعل الإنسان السوي لا يقف طويلا أمام موقفين متعارضين يعرضان عليه، إذ النسق القيمي الذي يؤمن به والذي يشكل مدار تفكيره وسلوكه يقيه من شر الشركاء المتشاكسين.
علم الاجتماع، كعلم يهتم بدراسة الفرد من داخل الجماعة ،يؤكد بأن القيم تلعب دورا هاما في تواصل الإنسان مع نفسه ومع محيطه.فالقيم هي التي تحدد طبيعة المبادئ التي نؤمن بها، وهي التي تشكل نوع وصنف وقيمة الأفكار التي نتواصل بها مع غيرنا.
فإذا كانت القيم بهذه الأهمية،فما معنى القيمة؟ ولما محاولة دراستها مقرونة بالشباب ؟
يعرف قاموس علم النفس القيمة على أنها:الاهتمام الذي يوليه الفرد لموضوع ما، أو إنه التقدير الذي لدينا لشخص معين، ويضيف هذا القاموس بأنمفهوم القيمة مفهوم ذاتي
ويعرف كلوكوهن1951 القيمة قائلا:القيمة مفهوم مرغوب قد يكون معبرا عنه أو حقي يميز فردا أو مجموعة من الأفراد، ويؤثر على اختيار الوسائل والغايات انطلاقا من الأساليب الممكنة
أما محيي الدين أحمد حسين في كتابه القيم الخاصة بالمبدعين فيحاول أن يعطي القيمة معنى آخر حيث يقول:القيم عبارة عن مفاهيم تختص بغايات يسعى إليها الفرد كغايات جديرة بالرغبة،سواء كانت هذه الغايات تطلب لذاتها أو لغايات أبعد منها
إذا كانت القيم كما عرضنا لها أعلاه ترتبط بالغاية وبالتقدير الذي نوليه لأشخاص معينين أو هي أشياء مطلوبة لذاتها أو لغيرها. فما معنى الشباب هو الآخر؟
الشباب فترة لها خصائص وفضائل، فهي كمرحلة في حد ذاتها لها قيمة خاصة، ثم إن الشباب في عمق ما يرمز له، إنما يرمز لمعنىالعمروالقوةوالفتوةوا لشجاعةوالأملوالحب...وكل هذه الأشياء تجعل القيم تكبر وتنموا وتتفاعل.
لقد تنبه الأستاذ حسن البنا إلى أهمية التفاعل الذي يحصل بين الشباب والقيام فكان خطابه للشباب يحمل الكم الهائل من القيم: إنما تنجح الفكرة إذا قوي الإيمان بها، وتوفر الإخلاص في سبيلها، وازدادت الحماسة لها، ووجد الاستعداد الذي يحمل على التضحية والعمل لتحقيقها. وتكاد تكون هذه الأركان الأربعة: الإيمان، والإخلاص، والحماسة، والعمل من خصائص الشباب. لان أساس الإيمان القلب الذكي، وأساس الإخلاص الفؤاد النقي، وأساس الحماسة الشعور القوي، وأساس العمل العزم الفتي، وهذه كلها لا تكون إلا للشباب. ومن هنا كان الشباب قديما و حديثا في كل أمة عماد نهضتها، وفي كل نهضة سر قوتها، وفي كل فكرة حامل رايتها إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى بهذه القيم (الإيمان، والإخلاص، والحماسة، والعمل...)يدفع حسن البنا بالشباب إلى الأمام موقنا أن من يتمسك بها سيصنع الشهود والحضور للأمة . آنذاك سنترك الشباب وشأنه مرتاحين بشأنه ومرددين قول الشاعر:
فلا تسمعوه ما أقول فإنه شجاع متى يذكر له الطعن يشتق.
وأيضا:
كل صعب على الشباب يهون هكذا همة الرجال تكون