مأساة الشعر والشعراء

لايمكن أن تكون اللغة الشعرية مبتذلة أو رخيصة ، الشعرُ ليس تكهنا أو استعباطاً أو شفقة للكلام ، الشعر أسمى وأرفع ، الشعر كلامٌ نفيس ، الشعر محصول وفير من المشاعر والتألم والتأمل ، يؤتي حصاده بلغة شفيفة مؤثرة تحرك الساكن ، تحرك الصخر ، تجعلك تعيش اللحظة ، تجعلك تستشعر وتعيش ما مرَّ بها صاحب الموقف وكأنك تزامن الحدث ، الشعرُ وما أدراك ما الشعر ؟
لعلي لا أود تحويل هذه السطور إلى ما لا طائل منه ، فالشعر وبالمختصر المفيد ما يستفاد منه أما ما نقرؤه ونحاول دون نقد عليه أن نقحمه في دائرة الأدب والشعر ، فهذا ما لا يجب أن نسلم به ، علينا أن ندرك أن الشعر ليس ما يشاع أنه تراث قديم وجاهلي لا يجب علينا أن نتمسك به أو نستمر على منواله ، نحن بحاجة إلى إعادة النظر .. فلا أدري أيعقل أن نسمي الكثير والكثير من الدواوين بالشعر وهي في الأصل تخلو من المشاعر الجياشة ، وكأنك تمر على أرض يباب ، أرض خالية على عروشها ، لا ماء فيها ولا هواء أي عديمة الحياة وبعد ذلك كله نجد من النقاد من يشعل لها الشموع لبهائها ولأنها أبهى ما يكتب وأزهى ما ينشر ، أقول دون مجاملة أو مواربة إنه سحق وتدمير للغة العربية ، إنه مسخ لهذه اللغة التي ما انفكت تعاني من الصراعات المستمرة عليها وهي تدافع وتجابه بشراسة كل من يحاول تغيير معالمها ليحولها إلى مستنقعات تعيش عليها الطحالب التي لا تسمن ولا تغني من جوع ، إنها مأساة ومؤامرة بلا شك لهدم أساساتها التي وإن حاول المرجفون في اللاشعر أن يقوضوها فلن يستطيعوا وإن بدت بعض المحاولات لتلك الهجمة الشرسة ، وما أتعس المثقف عندما يعتبر هذا تطويراً للشعر وتطويعه فهذا بلا مراء قمة في السخافة لأن الشعر ما هو إلا رسالة سامية لتوصيل وتصوير للواقع وترسيخ وتثبيت له في أذهان الأجيال المتلاحقة ، إن لم يكن كذلك فما فائدة تلك الدواوين التي حتى لا تصح أن تكون مواويل ، فهي عقيمة الفكر والوزن والإيقاع ، ولا أشك في إنها مجرد خزعبلات يتشدق بها من لا يعرف عن الشعر أي شيء وكأنه مقتنع أن الشعر رص للكلمات أو أنه عمارة يبنى عليه طابقاً تلو طابق ، فما أكثر من يفسر أن الشعر هكذا متناسيا وناسيا وغافلاً ومتغافلاً أنه ليس كذلك ، إذا ما زال الشعر هو الشعر الذي يغذي الروح والنفس ويعيد إليها الأمل والتفاؤل والسعادة ويبعث بالانشراح والطمأنينة والارتياح ، يرسم لها معلماً جميلاً ومسلكاً ذات قيمة تسير وفقه وهي تدرك أنها تسير في الطريق السوي ، وهنا يتبادر إلى ذهني سؤال في غاية الأهمية ، أليس الشعر له خصوصياته وأسلوبه ولغته التي تؤدي رسالة عظيمة ، إذاً ما قيمة القصة أو المقالة أو الرواية ونحن لا نفهم منها أي شيء أعتقد أن الأمر يحتاج إلى تمعن في إيجاد إجابة شافية كافية وأن الأمر ليس بالهين والاستخفاف أن نعتبر أن شخصاً ما بدأ يمزج ويخلط بين الشرق والغرب ، بين الماء والنار ، بين الذكاء والغباء ، بين الحمير والشخير ، بين التذمر والتخمر ، بين وبين وبين .... ، وفي الأخير وليس بأخير نسميه بالشاعر الكبير العملاق ... فليت الشعر أن يدافع عن نفسه ، في زمن لم يجد له نصيراً ولا مؤازرا ، سوى أصوات تحجبها الأمسيات المقننة في دهاليز الشعر الساذج من شعراء سذج حمقى همهم سوى الشهرة والبذخ في غير مفهوم أو مدرك تماماً ، فمتى سيكف هؤلاء عن هذه العربدة بالشعر وبالمشاعر والشعراء .

بقلم / عبداللطيف محمد الشبامي

سلمتَ على هذا الطرح الراقي الذي لابد أن يعيه كل كاتب وقارئ
تطرقت إلى أمرٍ مهم , وعرَّفت الشعر بأجمل أنواع التعاريف
تقديري لقلمك