انتصفَ عمرالليل وانقضى شطره, مازالتْ عبيرٌفى سريرها بجوارطفلتها النائمة, ألقى الشتاءُفى نفسها أثقاله, وحلَّ نطاقه, وألبستها وحدتها ملاءةً من الثلج, تفكرُفى أمرالذى يسمونه زوجها, مازال قابعاً ممدداًفى أريكته, ملتحفاً بدثاره آناءَ الليل وأطرافَ النهار, تُخفى نظارته عينيه, يشاهدالتلفازحتى وهونائم, لقد حول تشرينَها تموزَ, كأن سماءه مأتمٌ, هجرُهُ لها يذيبُ قلبَ الصخر, صهرَبدنها من لامبالاته, كأن رجولته ولتْ مدبرة, حَرُّهُ لا يطيبُ معه عيشٌ, ظلُّهُ يحموم, وماؤه محموم, شاهدُ اليأس ِمنه ينطقُّ, وحبلُ الرجاءِمعه منقطعٌ.
تسألُ نفسها: لماذا تزوجها وليس له فى النساءمأربٌ؟ العامُ السابعُ يوشكُّ أن ينقضى معه, لا تشعرُأنها تزوجتْ, ربما لحظات فى أيامها الأولى ذرّاً للرمادِ فى عيونها, عانقتها الهمومُ, عيناها كأنهما خُلقتا للسهروالحزن, ضربَ النومُ بينه وبين مآقيها ستاراً, أهٍ من لوعةِ الأنثى واحتياجها لرجلٍ بجانبها ولا يشعربها, يحعلها تكتحلُ الأرقَّ وتتوسدُالقتادَ, خوفها من لقبِ مطلقةٍ يجعلها سجينته, أو ربما هى إحدى سبايا ماله, فقد خرجتْ من غرفةِ أبيها المكتظة باللحم, لتوسعَ لإخوانها موضعها, تخشى العودةَبطفلةٍ ولقبٍ جديدٍ, ولربما لا تجد لطفلتها موضعاً يأويها بين جدران متهدلةٍ.
خلع عليها شتاءُ الرغبةِ فروته, وألبسها ظلام برده, واتخذ سواده من لباس الثكالى شعاراً, قامتْ متثاقلةَالأعطافِ لتنالَ حماماً ساخناًعله يطفئ ما استعربعروقها, رمتْ بجسدها تحتَ دافئ ماءٍ, نظرتْ لجسدها فى مرآة حمامها, كيف يُعرضُ هذا عنى؟ أنا بعضُ حبائل الشيطان فى عيون الغير, تأوهتْ....أغمضتْ العيونَ, قطراتُ الماءالدافقة على عودها تصيبُ فضية القوام, تختلطُ بمسكِ رضابٍ, شعرتْ كأن أيدى خفيةً تعبثُ بأردافها برفق, انتبهتْ...مستوثقةٌهى من إغلاق بابها, كتمتْ الأنفاسَ لبرهةٍ, لا شئ ...لكن...سمعت كأن صوتاً يهمس فى آذانها, تحت ثيابك يهتزغصنُ البان, وبدون ثيابك أنتِ حسناءُ فرتْ من الجنان, قد أنبت صدرك ثمراً ما أينعه, ويكادالحسنُ فى محياكِ يتكلمُ, أنتِ جنةٌ سقطتْ فى بعض حللها فى أرض بور, راقها الهمسُ ودفء الماء, ثوب الليل ببعض كلماتٍ يرقُّ, انتقب ظلامُها بصبح الهمس, جففتْ جسدها كمن يداعب, ارتدتْ قميصها المفضل وعطرته كمن تنتظرُفارسها, لكن هيهات...مازال فى رقدته لايحركُ ساكناً, توشك ألسنةُ الكهولة واللارجولة أن تفنيه أمام تلفازه اللعين, يديرُقنواته كمن يفتحُ على الناس نوافذ مساوئه.
تمددت عبير بجوارطفلتها, تعيدصدى الهمسات الفائتة, وتميلُّ الجفونُ مع النعاس ميلاًهادئاً, مسَّ النومُ المقلَّ وثقلت الأجفانُ, فجأة شعرت بدفء يلامسُ أرجاءظهرها, هناك من يعبثُ بها, ظنتْ أنها صغيرتها, أرادتْ أن تزيحها قليلاً, انتبهتْ نصف انتباهةٍ, شخيرُذاك يأتيها من مرقدة هناك, وبنتها بعيدةٌ عنها, تعجبت! مدتْ يدها ببطء...ياإلهى... من هذا الذى يرقد ممدداً إلى جوارى, دفئه لا نظير له, أرادتْ أن تصرخَ فلم تقدررغبة فى المزيدِ, ورهبةً من هذا الذى يحتويها ولا تعرفه, ارتفع النومُ عن حاجبها, كأنها تحلق فى سحابة, وكأن غمامةَ الحبِّ لها غمامةٌ, تبوحُ للسماءبكلِّ آلامها وآمالها, ما هذا؟ من أين جاء؟ أجلتْ كل الاستفهامات لحين الانتهاء, غزلتْ من الحبِّ أعذبه, ومن النشوةِ فوق ما تحلم به, كأن الأيامَ تصالحها وتصافحها دفعةواحدة, لتعوضها مرارة الذى فات, انتقلتْ مع هذا المجهول من جنةٍ إلى جنة لا تنتهى, كأن البدريُخْفِّيها ويُخِيفُها, يا إلهى أبين ثراها وثرياها لحظة؟ عاشتْ ساعاتٍ من حسناتِ الدهر, ليلةهى لمعة العمر, ليلة رقدعنها الدهرُ طويلاً طويلاً, ليلةفوق ما يشاءُ المحبُّ ويرجو.
وحين تسلل شعاع الضوءمن نافذتها ليفضَّ بكارة الليل, ويعلنَ ميلادَ صبح جديدٍ,غادرها الذى معها, وراحتْ تسألُ وتستفهمُ ويُحاروُ فكرها, أكانتْ فى حلمٍ جميلٍ اشتهته؟ أم كان هذا واقعاً؟ لكن السعادةَ التى تغمرها والراحةالتى تعمُّ أوصالها تنبأُ أنه لم يكن حلماً, نظرتْ إلى قميصها غزته شقوق لم تكن به, تحسستْ مواطنَ عِفتها ناظرة....يا إلهى! إنَّ بها زُرْقَةًوحُمْرَةًغريبةً, أطبقتْ الجفونَ تتمنى عودة الذى مضى, وآمنتْ أن الذى تسمعُ شخيره الأن ربما قابع فى أحضان أُنثى ....
أحمدالحارون