المطب
تحذير لابد منه:
كل تشابه في الأحداث أو تطابق في الأسماء والشخصيات مقصود والكاتب غير مسؤول عنه.
إهداء:
جنان وزهرة..
ومن خلالهما كل من فعل "لا" في وجه الاستبداد.
إن الملوك إذا دخلوا رواية أفسدوها...
أما قبل..
فلتعلموا جميعا أنه لاعلم لي بأساليب وطرق الكتابة، ولكني وجدتني داخلها بمحض الصدفة، والصدفة تحمل حكاية، والحكاية بسيطة.
أعمل في هذه المقهى منذ حوالي ستة أشهر. وكل يوم سبت من آخر شهر ونصف من كتابة هذه السطور، بدأت تحضر شابة في أواسط عقدها الثاني، تركت اهتمامها بملابسها وبزينتها في مكان ما. جلست إلى الطاولة نفسها ست مرات. وفي كل مرة، كانت لا ترفع عينيها وقلمها عن أوراقها. كانت تزجي حوالي أربع ساعات، تشرب أثناءها أربعة كؤوس من الشاي الأسود بالليمون. وخلال ساعاتها الأربع والعشرين التي قضتها في هذه المقهى حيث أعمل كنادل لم تكلمني إلا مرة واحدة عند تمريرها أول طلب، بعدها اكتفت بدعوتي بيدها، وهي اليد نفسها التي استعملتها في الإشارة إلى تكرار الطلب من الثاني إلى الرابع والعشرين.
في آخر مرة رأيتها فيها، خرجت مسرعة كأنها لسعت في مؤخرتها. لم تقل كلمة ولم تلتفت خلفها إلى أوراقها التي تركتها على الطاولة حيث كانت تجلس. احتفظت لها بالأوراق في ركن داخل مشرب المقهى في انتظار عودتها. فالزبون ملك، والملك له مسؤوليات كثيرة، قد ينشغل أحيانا عن أمور تبدو تافهة له لكنها ذات قيمة لغيره. ولما طال غيابها. أخذت الأوراق إلى البيت. وفي البيت أكلني الفضول لمعرفة ما حوت تلك الأوراق. أجهزت عليها في ليلة واحدة، مع أني لم أقرأ رواية أبداً في حياتي كلها.
لم يكن انكفائي على قراءة الرواية بدافع المتعة، وهي على كل حال ليست ممتعة، ولكن لأعرف فقط ما كتب عني. نعم فأنا جزء من الرواية. أنا أحد أبطالها. تعرفت علي من خلال ملامحي، وعملي. فوجدت أن هذه الكاتبة كذابة. فالمقهى ليست صغيرة كما أرادتها أن تكون. وهي ليست بشارع خلفي ضيق زد على ذلك أن لها زبائن كثر، وهي مكونة من طابقين، العلوي حيث أزواج العشاق، والبغايا الوحيدات أو مع بعضهن البعض، أو رفقة الضحايا، والأرضي عادة ما يحتل طاولاته المتقاعدون والعاطلون والعاملون على السواء. ولم تكن صادقة إلا في صورة عاهلنا الذي يخزر في آلة التصوير وفي كل المواطنين.
أما عن شخصياتها الأخرى، فقد اختلقت جلها. ولم أفهم سبب غضبها على بلادنا، أجمل بلاد في الدنيا كما يقولون، أو باقي البلدان العربية الشقيقة، وشكرت كل آلهة البشر أني لم أواصل تعليمي لأدخل الجامعة وأنال شهادتها، وبالتالي الشقاء طول عمري. ما لي أنا ووجع الرأس! فليذهب العالم كله إلى الجحيم! أعلم أن بعضهم ينظرون لي كشبه أمي لم يتجاوز المرحلة الثانوية في تعليمه، كما سمعت أكثر من صوت يهمس خلسة لأذن بذلك، إلا أن الأمر لا يضايقني البتة. لي عمل، صحيح أنه مرهق بعض الشيء ويجبرني على الانحناء دائماً، وأبدو كالحمار نهاراً وأقصد بيتي كالكلب ليلاً، مع اعتذاري الشديد لهذين الحيوانين اللطيفين، لكني على خير حال.
حاولت الوصول إلى الكاتبة بيد أني أخفقت في ذلك، فالرواية لم تكن موقعة، ووجه الكاتبة غير معروف ككل كتابنا، على الأقل بالنسبة لجاهل مثلي لايهتم بقبيلتهم المنبوذة. ولما لم تظهر، فكرت أن أقوم بنشرها باسمي مع الإشارة إلى أني لست كاتبها. لأجل ذلك أرفقت الرواية بتحذير لابد منه هو كل ما أضفت إليها مع هذا التوضيح، وهي أني أخلي مسؤوليتي عن كل ما جاء فيها.
وأعتذر أني أقحمت صوتي هنا، لكني كنت أمينا مع نفسي ومع القارئ المحتمل ومع الكاتبة بأن أعلنت ظروف كتابة الرواية ونشرها، وما أضفت فيها.
نعم، فشلت في الوصول إليها، وأتمنى أن يصل صوتها كما أرادت، وأن تظهر بظهور عملها هذا. ولاأخفيكم سراً أني تساءلت عن سبب اختفائها الذي تزامن مع انتهائها من كتابة روايتها التي عنونتها بالمطب، ووجدتني فعلاً في مطب حقيقي. خمنت أن "أصحاب الحال" ربما فازوا بها قبل أن تنشر كتابها، لأنها، وأنا أعترف هنا، تطاولت كثيراً على المقدسات.
ما أكثر المقدسات في بلادنا!
وما أشد ما تلد مقدسات بلادي!
فالله مقدس، والوطن مقدس، والملك مقدس، والشعب مدنس.