كنت كلما سمعت الكلمة أجزئها الى جزأين "إن- عاش".
وحينما أفقت من غيبوبتى الأخيرة -احدى غيبوبات السكر اللعين المتكررة- وجدتنى محاصرا بأياد كهربية رفيعة تلتصق أكفها بخلايا جسدى المدد على بساط ابيض ،تحتضننى غرفة ضيقة لالغو فيها عدا اهات نبضاتى من أعماق قلبى القابع خلف شاشة " المونيتور" وعاود الظهور مرة اخرى ذلك الطائر الخرافى يحلق فى فضاء الغرفة الضيقة ، يقترب منى راقصا ، تصاحبه موسيقى جنائزية كلاسيكية كانت اخر مالتقطته اذناى قبل ان اغوص فى دوامات اللاوعى. يعاودنى الشعور بان انفاسه لهب حارق يعتصر طبقات جلدى فيخرج منها ينابيعا من ملح بارد واستشعر -كلما دنا منى-انتزاع انفاسى وارتخاءات أطرافى وزحف ليلى على طاقتى النور فى رأسى ، رويدا رويدا تتضح بشاعة الطائر ،أغلق طاقتى النور فى رأسى فى محاولة للافلات من بشاعة اقترابه فاجدنى هائما عاريا أمام بيتى الريفى على أطراف قريتى البعيدة المنسية ، أهرول إلى حيث كنت اجلس تحت شجرة التوت الكبيرة ،أتفقد أشيائى التى تركتها على منضدتى الصغيرة ...فنجان قهوتى النصف ممتلئ ،قصيدتى التى لم تنتهى ،جريدة المساء التى لم أقرأها وعلبة سجائرى الرخيصة . أقترب من أشيائى ، أحاول ان ألملمها ..تأتينى من بعيد تلك الموسيقى الجنائزية الكلاسيكية ، احتضن أشيائى بقوة ،انطلق كالممسوس إلى داخل البيت ،ارتمى وأشيائى فى احضان زوجتى وطفلتى الصغيرة ،تحاصرنى الموسيقى الجنائزية واجد الطائر الخرافى يقبض على رأسى بمخالبه الحادة ،يجتذبنى وهو فى طريقه للصعود ، تتشبث بى زوجتى وطفلتى ،نتغرس مخالبه فى عنقى كلما حاول الصعود ،تنبت من أشيائى أياد طويلة تلتف حولى ، تجتذبنى إلى الأسفل ..أكاد أتمزق بين مخالب الطائر وأيادى زوجتى وطفلتى وأشيائى فتنفلت من حنجرتى اهة مدوية ينفتح بعدها باب الحجرة الضيقة ،يلطمنى جناحا ملائكيا عدة لطمات أفتح عينى أجدها ممرضة شابة بثوب أزرق باهت طبعت على صدره بخط واضح "انعاش" ،أراها فى ذاكرتى مجزأة "ان-عاش".
تعيد الممرضة بعض الأسلاك المتصلة بجسدى إلى موضعها ، تقبض على معصمى بجناحها الملائكى وتركز نظرها على "المونيتور" للحظات . بعدها تنظر إلى وهى تبتسم قائلة
-الحمد لله ربنا كتب لك عمر جديد .
أتامل الغرفة ،أبحث عن ذلك الطائر الخرافى لاأجده أستلذ بدقات قلبى المنتظمة فتسرى فى عروقى نشوة البقاء فأبادلها الابتسامة.