ذكرى وفاة الشاعر عمر البرناوي

* في الذكرى السنوية الأولى لوفاة الشاعر عمر البرناوي *

* الأخضر رحموني


في 24 فيفري من السنة الماضية غادرنا و إلى الأبد الأستاذ الشاعر عمر البرناوي ،و برحيله فقدت الساحة الثقافية الجزائرية قامة سامقة في مجالات الإعلام و الثقافة و المسؤولية و الإبداع ..إنه البلبل الغريد الذي طالما رددت حناجر الجزائريين كبارا و صغارا قصائده الجميلة المفعمة بحب الوطن و التغني بجمال الجزائر و الإعتزاز بأمجادها مع تخليد مآثرها البطولية كرائعته الشعرية (من أجلك عشنا يا وطني) التي يقف المرء خاشعا أمام قوة و صدق كلماتها .
و تقديرا لمكانته الأدبية المتميزة تم تكريمه بعد وفاته مباشرة بإطلاق اسمه على مركز البحث العلمي و التقني للمناطق الجافة بجامعة محمد خيذر ببسكرة و الذي دشنه رسميا رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة يوم 28فيفري 2009..كما قامت لجنة الحفلات لمدينة بسكرة و بالتعاون مع الديوان الوطني للثقافة و الإعلام و تحت رعاية السيد والي الولاية بوقفة وفاء و عرفان للراحل و عطاءاته المتنوعة يوم 04 ماي 2009 بقاعة المحاضرات لنفس المركز ،و أجمعت الشهادات المقدمة على أن الأستاذ عمر البرناوي نموذج للمثقف الوطني الأصيل و الأديب الواعي بقضايا أمته ،و قد حضر هذه الوقفة عائلة الفقيد و نخبة من أصدقائه و شخصيات بارزة في دنيا الكلمة مع السلطات المحلية و الولائية .
و في 03 مارس 2009 نظم منتدى الإبداع للإذاعة الوطنية ندوة حول الفقيد شارك فيها رجال الإعلام و الشعراء مثل :أبو القاسم خمار ،عبد القادر السائحي ،الطاهر بن عيشة ،خليفة بن قارة ،فاطمة ولد خصال و كشفوا عن الجوانب المضيئة في حياة البرناوي و مسيرته الحافلة بالإبداع والتألق .
و في 28 أفريل 2009 نظمت الجمعية الثقافية محمد الأمين العمودي بالمركز الثقافي عيسى مسعودي بحسين داي ندوة شاملة قدمت خلالها شهادات حية حول الفقيد من طرف وزير الصحة الدكتور السعيد بركات و الأساتذة مرزاق بقطاش و العيد بن عروس ورابح خيدوسي .
في 04 نوفمبر 2009 و على هامش المعرض الدولي للكتاب نظمت وزارة الثقافة ندوة أدبية تكريمية نشطها شكري شرف الدين و بوعلام دلباني و للأسف –و حسب وسائل الإعلام –فقد انحرفت الندوة عن مسارها الأساس بمحاولة تشويه مواقف الفقيد و التقليل من شاعريته الثرية بنعته بشاعر المناسبات و ممارس الإعلام السياسي .
و لم تتأخر الجمعية الثقافية الجاحظية عن الإشادة بالفقيد فاستضافت يوم 22 ديسمبر 2009 بمقرها الشاعر محمد الأخضر عبد القادر السائحي للحديث عن ذكرياته مع البرناوي و خصاله النبيلة و تحليل أعماله الأدبية المطبوعة .

حياته

الفقيد عمر البرناوي من مواليد18 أفريل 1935بحي سطر الملوك بمدينة بسكرة ،بعد ثلاثة أشهر من مولده انتقل مع عائلته إلى مدينة بريكة التي حفظ بها القرآن الكريم على يد الشيخ سي عبد القادر ،كما درس بها تعليمه الإبتدائي .
في سنة 1952 إنتقل إلى مدينة قسنطينة لمزاولة دراسته بمعهد الشيخ عبدالحميد بن باديس و من أساتذته بالمعهد الشيوخ :نعيم النعيمي ،محمد الميلي ،عبد الرحمان شيبان ،عبد المجيد حيرش .
بعد حصوله على شهادة التعليم المتوسط سافر في أكتوبر 1954 إلى تونس للإلتحاق بجامع الزيتونة المعمور حيث نال شهادة التحصيل المعادلة لشهادة البكالوريا.
و من أساتذته بتونس :الشاذلي قليبي (رئيس جامعة الدول العربية سابقا ) وحسن زمرلي و عبد العزيز العقربي و خلال هذه الفترة كان عضوا في الخلايا النضالية لجبهة التحرير الوطني مكلفا بالدعاية و التحسيس و الإتصال .
في سنة 1959 إنتسب الى جامعة بغداد بالعراق و تحصل على شهادة الليسانس في الآداب سنة 1963 ،ومن أساتذته بها الأستاذ عبد العزيز الدوري والد محمد الدوري ممثل العراق في الأمم المتحدة سابقا .
علاوة على مزاولته للدراسة النظامية كان الفقيد يواظب على دراسات أخرى من أهمها :
- دراسته للتمثيل و الإخراج بمدرسة التمثيل العربي بتونس .
- دراسته للموسيقى بمعهد الراشيدية بتونس .
- دراسته للصحافة بكلية الآداب ببغداد .
خلال تواجده بتونس عمل في الإذاعة التونسية كممثل لعدة أيام و مذيع لمدة سنتين إبتداء من سنة 1957.
في سنة 1963 عمل بالإذاعة و التلفزيون الجزائري .
في سنة 1965 عين أستاذا بالتعليم الثانوي في عدة ثانويات بالعاصمة و أستاذ بحث في المعهد الوطني التربوي .
رئيس تحرير مجلة (ألوان )من سنة 1974 الى سنة 1982
أنتدب الى وزارة الثقافة لمدة عشرين سنة و تقلد عدة مناصب منها :
-مدير الثقافة بولاية المسيلة من سنة 1982 الى سنة 1983 .
مدير الثقافة بولاية بسكرة من سنة 1984 الى سنة 1987 .
- ملحق بديوان السيد وزير الثقافة لمدة سنتين .
- مدير دار الثقافة أحمد رضا حوحو ببسكرة من سنة 1991الى سنة 1994.
- عين في 18 ماي 1994 عضوا بالمجلس الوطني الإنتقالي ممثلا لإتحاد الكتاب الجزائريين الذي يعد من بين مؤسسيهالأوائل إلى غاية تقاعده سنة 2001.

أعماله الأدبية و الفنية :
للشاعر عمر البرناوي مجموعة كبيرة من الأعمال الفنية منها :
1/ الأوبيرات الغنائية:
تنقسم بين الفصحى و الدارجة من أهمها
- المسيرة الكبرى : تلحين الفنان المغربي عبد الوهاب الدكالي .
- يمين الرجال : تلحين عبد الوهاب سليم .
- أنا الجزائر : تلحين تيسير عقلة .
- ماذا تريد أمنا العظيمة : تلحين الشريف قرطبي .
- عودة الذاكرة : تلحين المعطي بشير .
- المواطن : تلحين المعطي بشير .
- رحلة حب : مسرحية غنائية من تلحين محمد بو ليفة .
- ملحمة الجزائر : بالاشتراك مع ثلاثة شعراء : أبو القاسم خمار ،سليمان جوادي و عز الدين ميهوبي .

2/ المسلسلات :
من أبرزها :
- مسلسل العرس : إخراج محمد حويذق (06 حلقات ).
- مسلسل المحاجيات : إخراج علي بن سرية (15 حلقة ).
- مسلسل حاب يولي مير : ضاع في وزارة الإتصال و الثقافة لأسباب مجهولة .
- مجالس الأنس : في 15 حلقة .
- سي محمد موش وحدو :حلقتان
- مسلسل الشركة العالمية للزواج و الطلاق .
- مسلسل ساعد النايلي : إخراج مصطفى بديع ( 07 حلقات ).
- مسلسل بابا ماما نوفمبر .

3/ أعماله المطبوعة :
- بين الوزارة و السجن : رواية صدرت عن منشورات إتحاد الكتاب الجزائريين .
- من أجلك يا وطني :ديوان شعر صدر عن منشورات وزارة المجاهدين .
- حوارات في الثقافة و السياسة مع جحش : كتاب يؤرخ لمرحلة الصراع في الجزائر خلال التسعينيات بأسلوب فكاهي ساخر .
- الولادة الثانية :رواية بأسلوب الترجمة الذاتية للكاتب .
بالإضافة الى مجموعة من المسرحيات و القصائد بالشعر الملحون.

وفاته :
توفي الشاعر عمر البرناوي مساء يوم الثلاثاء 24 فيفري 2009بمستشفى عين النعجة العسكري بالعاصمة بعد التدهور المفاجىء لحالته الصحية ،و كان من المزمع أن ينقل إلى فرنسا للعلاج ،لكن لا مرد لقضاء الله و قدره ،و شيعت جنازته مساء يوم الأربعاء 25 فيفري بمدينة بسكرة ،و حضر مراسم الدفن بمقبرة البخاري جمع غفير من أصدقائه من عالم الثقافة و الفن و الإعلام و المسؤوليين يتقدمهم الدكتور السعيد بركات وزير الصحة و السكان و إصلاح المستشفيات ممثلا عن السيد رئيس الجمهورية و الذي اعتبر في كلمته المرتجلة أن الفقيد سيبقى شاخا لاو رمزا للوطني الفذ الذي لا يقبل المساس بقيم الثورة و مبادىء الشهداء الأبرار ،أما الشاعر رابح حمدي الذي ألقى الكلمة الـتأبينية فإن رحيل البرناوي خسارة كبرى للثقافة الوطنية و إن أناشيده التي تملأ سماءنا و قلوبنا بنور النحبة و الوفاء و الحلم بصباحات تعد بالكثير لن تموت و لن تمحى من الذاكرة الجماعية للأمة .

* الأخضر رحموني


نموذج من شعرالأستاذ عمر البرناوي


ياإخوة في الدين إنا معشر
عشنا التفرق ..و التمزق ..و النكالا
و المسلمون تنابزوا و تهاتروا
و جرت بهم عمياء ،قادتهم نعالا
و بدارنا شعب يفيض محبة
شغلته فتنة بعضنا منا .. وبالا
و بحكمة قدنا سفينة أحمد
عمت و دكت حمقنا فينا فزالا
و تشابكت فينا وشائج حبنا
و الصلح كان وئامنا .. ولنا ظلالا
رحماك يارب الخلائق لم نزل
جرحى .. و نشعل بيننا حربا سجالا
رحماك لا نرضى التطاحن بيننا
رحماك لا نرضى لأمتنا انفصالا
ضمد جراح قلوبنا و عقولنا
بالحب .. أنت ملاذنا الغالي تعالى.

رحمه الله و جعل الجنة مثواه .

شكرا لك أستاذ شكيب أرسلان على هذه الوقفة الوفية في زمن شح فيه الأوفياء .

رحمه الله وأسكنه فسيه الجنان
دمت سيدي الفاضل وفياً مخلصاً
احترامي وتقديري