أحدث المشاركات
صفحة 1 من 3 123 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 10 من 23

الموضوع: الارهاصات والبشائر والمعوقات

  1. #1
    الصورة الرمزية حاتم ناصر الشرباتي قلم مشارك
    تاريخ التسجيل : Aug 2010
    العمر : 82
    المشاركات : 229
    المواضيع : 13
    الردود : 229
    المعدل اليومي : 0.05

    الارهاصات والبشائر والمعوقات

    الارهاصات والبشائر والمعوقات


    بسم الله الرحمن الرحيم

    ( هذا بيانٌ لِلناس وَهُدىً وَرَحْمَةً وَمَوْعِظَةٌ للمُتقين * ولا تهِنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعْلَوْنَ إن كنتم مُؤمنين * إن يَمْسَسْكم قَرْحٌ فقد مَسَّ القومَ قَرْحٌ مِِثلُهُ وتلكَ الأيام نُُداوِلُها بينَ الناس ولِيَعْلَمَ الله الذينَ آمنوا وَيَتخِذً مِنْكُم شُهَداءَ وَالله لا يُحبُّ الظالمين*وليمحص الله الذين آمنوا وليمحَقَ الكافرين * أم حَسِبْتُم أن تدخلوا الجنة ولمّا يَعْلمِ الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين )
    *****
    ( مِنَ المؤمنونَ رِجالٌ صَدَقوا ما عاهدوا ألله عَلًيْه فمِنهُمْ مِنْ قضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلوا تَبْديلا * ليجزيَ الله الصادِقينَ بِصِدْقِهِمْ ويُعَذِّبِ المُنافقينَ إن شاءَ أو يَتوبُ عًلَيْهِم إن الله كان غفوراً رحيما * وَرَدَّ الذينَ كفروا بغيظَهَمْ لم ينالوا خيراً وكفى الله المؤمنون القتال وكان الله قوياً عزيزاً )
    *****
    ( وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنَنَّ لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يُشركون بي شيئا ومن كفر بعد ذلك فاؤلئك هم الفاسقون )
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  2. #2
    الصورة الرمزية حاتم ناصر الشرباتي قلم مشارك
    تاريخ التسجيل : Aug 2010
    العمر : 82
    المشاركات : 229
    المواضيع : 13
    الردود : 229
    المعدل اليومي : 0.05
    بسم الله الرحمن الرحيم


    مقدمة وتمهيد


    نحن في هذا الوقت العصيب في حاجة ماسة للأمل بنصر الله أولا، والتمسك بحبل الله والتقيد بما تمليه علينا عقيدتنا من انتهاج طريقة توقيفية لا يجوز العمل بخلافها أو اجتهاد غيرها، وإلا نكون قد تهنا في متاهات السُبُل المُبعدة عن سبيل الله، ومن مستلزمات الطريقة أنها أوكلتنا الإبداع في اجتهاد الوسائل والأساليب المناسبة لكل أمر وحادث وعمل يطرأ على أن تكون من جنسها، لذا اقتضى أن يتمتع حامل الدعوة الساعي للتغيير بعقلية سياسية واعية ومستنيرة، وأن لا يتوانى طرفة عين عن تحليل سياسي واعٍ لكل ما يستجد من وقائع وأحداث، رابطا إياها بمعلوماته الدقيقة عن واقع الخارطة السياسية والمواقف الدولية والتغيرات التي قد تطرأ عليه من تعديلات لسبب أو آخر ووجهة نظره المتبناة.
    وبناء عليه فإن من لوازم الاعتقاد وصحة التحليل السياسي وسلامة القرار: إقران الأمَل بقاعدة ربط الأسباب بمسبباتها، والأمل إذا زاد عن حده أو كان في غير موضعه انقلب إلى ضده، فلزم أن نعود إلى دراسة وإعادة نظر في واقع الإرهاصات والبشائر، وعليه أرى من الضرورة التفريق بين الإرهاصات والبشائر، من منطلق تعريفيهما وواقع كل منهما، إذ أن الإرهاصات تعني الدعائم، والبشائر هي الأدلة وما يستأنس به. ومفهوم ذلك أن الأولى تؤثر تأثيراً مباشراً على العمل ودعمه ونجاحه، والثانية نفسية لا تؤثر تأثيراً مباشراً على العمل.
    وهذا يعني أن على حملة الدّعوة العمل الجاد لإيجاد الإرهاصات التي لا يتحقق حُسن العمل إلا بالعمل على إيجادها، ولا يتحقق الهدف إلا بالعمل الجاد لإيجادها. في حين أن البشائر يُستأنس بها فقط وقد تتحقق، وممكن أن لا تتحقق، وغالبها ـ أي البشائر ـ أتى في ظلال أحاديث تتناول الإخبار عن علم الغيب، وأحاديث علم الغيب لم يحدد منطوقها لها زمناً محدداً. أو أتت من خلال استنتاجات سياسية قد تتغير معطياتها أو نتائجها.
    علاوة على أن الاستنتاجات السياسية قد تؤدي إلى نتائج خاطئة إن استندت إلى قواعد أو معطيات خاطئة أو تحليل سياسي غير دقيق. مثال ذلك أن البعض يرى في مشاكل الاقتصاد الأمريكي من البشائر، في حين يرى آخر أن مشاكل الاقتصاد الأمريكي نذير سوء، إذ هو أحد عوامل تطلعهم إلى حرب المسلمين لتحسين اقتصادهم باستيلائهم على موارد البلاد وتحكمهم المباشر بها.
    .قد يقال أن البحث جدلي أي بحث عقيم لا يؤدي إلى نتائج، ولكني أرى فيه خِلافَ ذلك، فأرى فيه نقاشاً هادفاً لا بد منه لضمان حُسن العمل، وللحيلولة دون تأخر النصر والانتكاس، خاصة وأن المؤشرات تنبئ بمصائب وكوارث قد تلحق بالأمة نتيجة الحروب الصليبية القادمة التي يستعد لها الكفار يُساندهم جميع حكامنا في العالم الإسلامي لضرب الإسلام والمسلمين والعمل الإسلامي بدءً بأرض العراق وأفغانستان، نسأل الله تعالى أن يجنبنا الشرور والمكارة والأهوال، وأنبه في هذا المقام أن من الانتحار السياسي أن نكونَ كالنعامة تدفن رأسها بالرمال مظنة ألا يراها الصياد، فلا نعطي هذا الموضوع حقه من النقاش الهادف البعيد كل البعد عن الجدل العقيم الذي نسأل الله تعالى أن يجنبنا انتهاجه، وأن نكون من الباحثين عن الحقيقة، الممتثلين بما يمليه علينا واجب الامتثال للشرع، الذين يصفهم شوقي في قصيدة " الخلافة الإسلامية ":
    وَمِنَ ألرِجالِ إذا انبريت لَهَدْمِهِم هَرَمٌ غليظَ مَنـــاكِبِ الصفاحِ
    فإذا قذفتَ الحَقَ في أجــلادِهِ ترَكَ الصًِراع مُضَعْضَعَ ألألواحِ
    وبالرغم من كل البشائر ـ سواء البشائر النقلية أو البشائر الحسابية ـ فإن لم تستوف الشروط المطلوبة في العاملين وعملهم وإعدادهم فلن يتحقق الهدف بالرغم من كل البشائر، والبشارات.ودليل ذلك مفهوم آية: ( وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يُشركون بي شيئا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون ) ومفهوم المخالفة للآية أن الوعد ليس لغير الذين أمنوا وعملوا الصالحات حقيقة، فأتى وصف الجماعة الموعودة شرطاً لازماً لتحقق الوعد، فلا يكون الاستخلاف والتمكين وتبديل الخوف بالأمن إلا لمن يستحقه، والاستحقاق مشروط صراحة في سياق الآية.
    .لذا يجب أن تقرن دراسة الإرهاصات والبشائر بدراسة " العقبات والموانع " ونتبحر في دراستها، ونواصل إعادة النظر في عملنا وفي تركيبية تكتلنا، وفي أفكارنا المطروحة وتنقيتهم من الشوائب لاتصالهم المباشر لا بل تحكمهم في الإرهاصات والبشائر، ونحول بين المعوقات والموانع وبين تأثيرهم السلبي على العمل، وأن يُقرن البحث بالمعوقات والموانع بالبحث في الإرهاصات والبشائر، والعمل على الحيلولة بين الأولى وبين أن تؤثر على عملنا، بنفس القدر الذي نبحثه في إيجاد الإرهاصات والإستأناس بالبشائر.
    أرى في مسألة " إعادة النظر " الحرص المطلوب للمحافظة على التكتل ونقاء أفكاره وقيمه الذاتية، علاوة على أنها حكم شرعي نبه الله تعالى رسوله الأمين لإعمالها في مناسبات عدة في القرآن الكريم، منها: ( عَبَسَ وَتوَلّى أن جاءهُ الأعمْى، وما يُدريك لعله يزكى، أو يَذكرُ فتنفعه الذكرى، أمّا من استغنى، فأنت له تصدى.) وقوله تعالى: ( ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا.) وقوله تعالى ( ولا تقولن لشئ إني فاعلٌ ذلك غدا إلا أن يشاء الله واذكر ربك إذا نسيت وقل عسى أن يهدين ربي لأقرب من هذا رشدا. ) وقوله تعالى( عفا الله عنك لِمَ أذنت لهم حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين.)
    كما أنها قد جاءت في إجماع الصحابة في مواقف عدة: منها طلب أبي بكر من عمر إعادة النظر في موقفه من نفيه لموت الرسول صلى الله عليه وسلم مخاطبا عمر والمسلمين: ( من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت.) وحين خاطب عمر أيضا في واقعة الردة بعد ذلك :( أجبارٌ في الجاهلية، خوارٌ في الإسلام يا عمر؟ والله لو منعوني عقال بعير كانوا يٌؤدونهُ لرسول الله لجاهدتهم فيه. ) وما ذلك إلا طلب إعادة النظر في مواقف وآراء.
    في أحد معارك المسلمين وعندما لم يتمكنوا من فتح أحد الحصون، طلب قائد الجيش البحث عن سنة مغيبة ربما غفلوا عنها، وبسببها ربما تأخر النصر، وعندما ظنوا أنه ربما يكون ترك السواك، وعندما بدأوا بالتسوك آذن الله بالنصر ودك الحصن.... ليس مرادي في ذلك الدعوة إلى التسوك أو إطلاق اللحى ولبس الدشداشة وتغطية الرأس بالعمامة، بل إعطاء كل ما يمكن أن يكون معوقاً حقه من الدراسة والتمحيص وتحاشي ما نراه معوقاً، والعمل على إيجاد ما نراه داعماً وبذلك نكون قد أخذنا بقاعدة " ربط ألأسباب بمسبباتها "، وأخذنا الحيطة لأي أمر مهما صغر كان المفروض أن نأخذ به، أو أي أمر يقتضي اجتنابه وتحاشيه، وكل عقبة في طريقنا تعطل العمل أو تأخر الوصول إلى الهدف يجب تحطيمها، وذلك من دعاوى الكياسة والفطنة والوعي السياسي المستنير الذي ألزمنا بها الحكم الشرعي، والذي أوجبه علينا كوننا حملة دعوة ساعون للتغيير.جاء في الحديث الشريف: ( المؤمن كَيّسٌ فطِن.) وجاء أيضا: ( أنت على ثغرة من ثغر اٌلإسلام فلا يُأتين بها من قبلك.)، فعدم توفر الوعي السياسي والكياسة والفطنة في حملة الدعوة يُؤدي إلى سلبية العمل، وربما فشله وتأخر وإعاقة الوصول للهدف.
    منقول عن كتاب : الارهاصات والبشائر والمعوقات
    حاتم ناصر الشرباتي – أبو ناصر

  3. #3
    الصورة الرمزية عبدالصمد حسن زيبار مستشار المدير العام
    مفكر وأديب

    تاريخ التسجيل : Aug 2006
    المشاركات : 1,887
    المواضيع : 99
    الردود : 1887
    المعدل اليومي : 0.29

    افتراضي

    سيدي الكريم حاتم ناصر الشرباتي
    مرحبا بك شيخا و معلما نستنير من نوره و نبتهج بإشراقه.
    الموضوع للتثبيت إحتفاء و إبتهاجا
    تحياتي
    تظل جماعات من الأفئدة ترقب صباح الانعتاق,لترسم بسمة الحياة على وجوه استهلكها لون الشحوب و شكلها رسم القطوب ,يعانقها الشوق و يواسيها الأمل.

  4. #4
    الصورة الرمزية حاتم ناصر الشرباتي قلم مشارك
    تاريخ التسجيل : Aug 2010
    العمر : 82
    المشاركات : 229
    المواضيع : 13
    الردود : 229
    المعدل اليومي : 0.05
    بسم الله الرحمن الرحيم

    الأخ الفاضل " عبدالصمد حسن زيبار "السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    أتقدم منكم بالشكر والامتنان بحُسن الاستقبال مثمنا لحضرتك المبادرة الطيبة

    وبارك الله فيك


    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  5. #5
    شاعر
    تاريخ التسجيل : Jan 2010
    المشاركات : 852
    المواضيع : 19
    الردود : 852
    المعدل اليومي : 0.16

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة حاتم ناصر الشرباتي مشاهدة المشاركة



    وجاء أيضا: ( أنت على ثغرة من ثغر اٌلإسلام فلا يُأتين بها من قبلك.)
    فعلا هذا الحديث عليه نور النبوة !!
    - وفي ظني من يؤمن به يقينا لا يعود بحاجة إلى إرهاصات ولا بشائر .. نعم المؤمنون يختلفون في إيمانهم قوة وضعفا لهذا صار من الحكمة الحديث عن الارهاصات والبشائر بعض الأحيان شريطة ألا يكون الحديث عنها من الشروط اللازمة ..
    - سرني ما قرأته هنا أستاذنا الكريم .. وبانتظار المزيد من الفائدة ..وأهلا وسهلا بك بيننا أستاذي الكريم ..

  6. #6
    الصورة الرمزية حاتم ناصر الشرباتي قلم مشارك
    تاريخ التسجيل : Aug 2010
    العمر : 82
    المشاركات : 229
    المواضيع : 13
    الردود : 229
    المعدل اليومي : 0.05
    أستاذنا الفاضل ألأخ حسن العطية، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، وبعد:

    كوننا قبلنا حمل دعوة الاسلام مشعل نور يبدد دياجير الظلام فينير للناس الدروب فنحن بالتأكيد على المحجة البيضاء ليلها كنهارها،فيكون موقعنا دائما على ثغور الاسلام الجغرافية وعلى ثغور الاسلام الحدودية نذود عنه كيد الآعداء وشرهم ونذود به شرّ أنفسنا بالتقيد التام بأمر الله فنحمل دعوته آمرين بالمعروف ناهين عن المنكر، كيف لا ونحن خير أمّة أخرجت للناس، لقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون‏}‏ 1 ] وقال تعالى‏:‏ ‏{‏كنتم خير أمةٍ أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر‏}‏ ‏[2 ] وقال تعالى‏:‏ ‏{‏خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين‏}‏ ‏‏‏[3 ]‏وقال تعالى‏:‏ ‏{‏والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر‏}‏ [ 4]
    نعم أيها الأخ الفاضل بارك الله فيك:

    إنَّ قصة الفتية الذين فروا بدينهم من بطش وجبروت الطغاة، هي قصة تتكرر كل يوم وفي كل مكان، وفي كل الأمم والشعوب والأقوام. (إنَ أصحاب المبادئ والمعتقدات الصحيحة في كرب وشدّة وبلاء دائم، منذ أن خلقَ اللهُ الخلقَ إلى يومنا هذا، وذلك أنّه ما من أمة أو شعب أو قوم إلآ ولهم عقائد يعتنقونها، وأفكار يحملونها، وأحكام ينظمون بها أمورهم، إرتضوا لأنفسهم هذه العقائد والأفكار والأحكام وألفوها على مرور الزمن، واستعدوا للدفاع عنها، وذلك أنها غدت جزءاً من حياتهم، وهذه سنة الله في خلقه لم تتخلف في الأمم والشعوب والأقوام، لــــذا فإنّه ما من نبي أو رسول جاء لقومه بعقائد وأفكار وأحكام جديدة مغايرة لما هم عليه إلا ورفضوه وما يدعوهم إليه، وكذبوه وآذوه، فنال كل نبي أو رسول من صنوف الأذى وألوان العذاب ما نجده في كتاب الله تعالى: (وَلقدْ كذِبَتْ رُسُلٌ مِنْ قبْلِكَ فصَبَروا عَلى ما كذِبوا وأوذوا حَتى أتاهُمْ نصْرُنا وَلا مُبَدِّلَ لِكلِماتِ اللهِ وَلقدْ جاءَكَ مِنْ نبَإى المُرْسَلينَ)[5 ] وحيث أنَّ أتباع الأنبياء والرُّسُل يحملون الدعوات من بعدهم، فهم كذلك يتعرضون للأذى والتعذيب)[ 6] قال تعالى: (وَالسَمآءِ ذاتِ البُروجِ  وَاليَوْمِ المَوْعودِ  وَشاهِدٍ وَمَشْهودٍ  قتِلَ أصْحابُ الأُخدودِ  النّارِ ذاتِ الوُقودِ  إذ هُمْ عَليْها قعودٌ  وَهُمْ عَلى ما يَفْعَلونَ بالمؤمنينَ شُهودٌ  وَما نقموا مِنْهُمْ إلآ أنْ يُؤمِنوا بِاللهِ العَزيزِ الحَميدِ  الذي لَهُ مُلكُ السَمَواتِ والأرْضِ واللهُ على كُلِ شَئٍ شَهيدٌ  إنَّ الذينَ فتنوا المؤمِنينَ والمُؤمِناتِ ثمَّ لمْ يَتوبوا فلهُمْ عَذابُ جَهَنَّمَ وَلهُمْ عَذابَ الحَريقَ )[7 ] (ولما جاء في الحديث الشريف عن خباب بن الأرت : (... قال: كان الرجل قبلكم يُحفر له في الأرض، ويجعل فيه فيُجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيشق بإثنتين، وما يصدّه ذلك عن دينه، ويمشّط بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عظم أو عصب، وما يصده ذلك عن دينه... )[8 ] فحامل المبدأ الصحيح مشعل هداية للناس من رسل وأنبياء أو من أتباعهم ومن إهتدى بهديهم وسار على نهجهم، فإنه لا يهادن ولا ينافق، ولا يخضع لضغوط الإمتحان والفتنة.)[9 ]

    (وقد نال رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونال أصحابه من أذى قريش وقبائل العرب ماهو معروف ومشهور، لكنّ الأنبياء والرُّسُل وكذلك أتباعهم من بعدهم ما كانوا ليتركوا حمل الدّعوة وتليغ الشَّرائع والأحكام خضوعاَ للعذاب والأذى، بل كانوا يصبرون ويصبرون على ما يلاقونه حتى يحكم الله بينهم وبين أقوامهم، وما عُرفَ أنّ نبياً أو رسولاً أو أتباع نبي أو رسول تركوا حمل الدّعوة وتخلوا عن حمل الأمانة خضوعاً للإمتحان والتعذيب، فالصبر على العذاب والأذى سنة لا تتخلف في كل من يحمل الدّعوة الحق من أنبياء ورسل واتباعٌ على مر العصور والدّهور).[10 ]

    (إنَّ حمل الدّعوة يعني بالتأكيد ضرب العقائد والأفكار والأحكام المألوفة لدى الناس، واستبدال عقائد وأفكار وأحكام أخرى بها، كما يعني التعرض للأذى والعقاب والإمتحان والفتنة، وما يجب حياله من التحلي بالصبر وتحمل المكاره، وانتظار الفرج من رب العالمين. فالبلاء والعذاب أمران لا بد من حصولهما أثناء حمل الدّعوة، كما أنّ الصبر والتحمل أمران لا بد من وجودهما لدى حامل الدّعوة، وعندما تعرض الرسول صلى الله عليه وسلم للتعذيب من أهل الطائف توجه إلى ربه داعياً مبتهلاً، كما روى محمد بن كعب القرظي):[11 ]

    (اللهم إليك أشكوا ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس، يا أرحم الراحمين: أنت رب المستضعفين وأنت ربي، إلى من تكلني؟ إلى قريب يتهجمني، أم إلى عدو ملكته أمري؟ إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي، ولكن عافيتك أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن تنزل علي غضبك..)[ 12]
    وفي منتهى هذا الحال العصيب وفي خضم الظلام والصد عن الدعوة مما لقي فيه من الكرب ما لقي من الفتنة والامتحان، حتى أتته البشرى بأنّ الله لا بُدّ ناصره، فكانت بشارة الاسراء التي أذهبت عن نفسه الاستيئاس وقوت عزيمته فنشط في الاتصال مع رؤساء القبائل يُسند عمله بارهاصات تسهل الوصول للغايات بطلبه النصرة من القبائل.
    (إنّ الفتنة والإمتحان التي يتعرض لها حملة الدّعوة كانت وتكررت وستكون وتتكرر، فما دام تعاقب الليل والنهار فسيكون هناك جلادون ومن يجلدون، وحامل الدّعوة يتحدى ولا بد الجلادين العُتاه، يتحدى المجتمع "وقادته والناس كافة" بعقائده وأفكاره ومفاهيمه وأحكامه وأعرافه وتقاليده، كما يتحدى الحكام والجلادين، ثابتاً على المبدأ، مسفهاً العقائد والأفكار والأحكام والمفاهيم والعادات والأعراف، صابراً على الأذى والعذاب والبلاء الذي سيتعرض له نتيجة ثباته على المبدأ. لذا فقد صنفه الرسول صلى الله عليه وسلم في صف واحد مع سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب، مصداقاً لقوله تعالى: (كُلُ نَفسٍ ذائِقةُ المَوْتِ وَإنّما توَفونَ أُجورَكُمْ يَوْمَ القِيامَةِ فمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النّارِ وَاُدْخِلَ الجَنَّةَ فقدْ فازَ وَما الحَياةُ الدنيا إلآ مَتاعُ الغُرورِ)[ 13]

    وحتى يتم أمر الله تعالى فإنّ الأعداء يفتحون السجون والمعتقلات، ويشهرون العصي والسياط، ويحاربون حملة الدعوة بقطع الأرزاق وحتى بقطع الأعناق، يعلنون الحرب على حملة الدعوة في كل المجالات، ليحولوا بينهم وبين حمل الدعوة والثبات عليه والإستمرار فيه ، فَمَنْ فتِنَ ومن ترك حمل الدعوة استجابة للضغوط فقد سقط، وحقق المفتون والساقط لأعداء الدعوة وأعداء الله ما يصبون إليه ويطمحون فيه.)[14 ]

    (وكما ثبت رسول الله صلى الله عليه وسلم على الدعوة وعلى حملها، فقد ثبت صحابته رضوان الله عليهم ثباتاً لا نظير له، والأمثلة على ذلك كثيرةً ومعروفة ومشهورة، وما قصة تعذيب بلال في بطحاء مكة وثباته على الحق، وما قصة آل ياسر وتعذيبهم برمضاء مكة وصبرهم بخافية على أحد، وكتب السيرة تقص علينا قصص ثباتهم على حمل الدعوة، كما تقص علينا أساليب التعذيب التي استعملها طغاة مكة مع الرسول صلى الله عليه وسلم ومع صحابته من بعده.)[ 15]

    وكما ثبت الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته على المبدأ فلم يهنوا ولم يضعفوا، فكان منهم بلال وآل ياسر وسمية وخبيب وغيرهم صابرين محتسبين، فقد ثبت قبلهم فتية الأخدود كما أعلمنا الله في سورة البروج، الذين صبروا على العذاب وثبتوا على المبدأ حتى فاضت أرواحهم الطاهرة إلى بارئها مستبشرة بلقائه، وقد أعطانا الرسول صلى الله عليه وسلم نماذج صادقة من الثبات على الحق، وهم أصحاب عيسى بن مريم عليه وعليهم السلام الذين نشروا بالمناشير وحملوا على الخشب، فلم يهنوا ولم يُفتنوا، بل صبروا وثبتوا.

    كما أن ممن ثبت على المبدأ أخوة لنا عذبوا حتى الموت فلو يهنوا ولم يضعفوا، لا بل صبروا وصمدوا محتسبين حتى فاضت أرواحهم الطاهرة الزكية إلى بارئها مستبشرة بلقائه، كما حصل مع العلامة "سيد قطب" ومن سبقه من قتلى الثبات على المبدأ الحق ومن لحقهم بعد ذلك من إخوانهم الذين استشهدوا على يد عبد الناصر وخلفائه من حكام مصر. وكما حصل مع قتيل الثبات على المبدأ الحق "عبد الغني الملاح" الذي استشهد عام 1963 في بغداد تحت تعذيب حكام البعث له. وكذلك "ناصر سريس وبديع حسن بدر" ورفاقهم من شهداء الثبات على المبدأ الذين قتلهم وسحلهم في الشوارع طاغية ليبيا معمر القذافي. والمهندس "ماهر الشهبندر" ورفاقه من الشهداء الذين قتلهم طاغية العراق صدام حسين.. كل هؤلاء وغيرهم كثير ممن سبقهم ومن أتى بعدهم، لقوا ربهم وهم على عهدهم لم يتزعزع لهم إيمان، ولم تلن لهم قناة، ولم يحنوا هاماتهم للطغاة، لم يُفتنوا بل اختاروا الثبات على المبدأ والتحدي به. اليست كل نفس ذائقة الموت؟ أليس لكل أجل كتاب؟

    كما أنّ اخواناً لنا كانوا ولا يزالوا متعرضين للفتنة والإمتحان، يلاقون كل أصناف الفتن والعذاب في سجون الطغاة في اوزباكستان، وفي سجون رعاة البقر الأمريكان في معتقلات غوانتنامو في كوبا، وفي كل مكان، فمنهم من قضى نحبه شهيداً صابراً محتسباً، ومنهم من ينتظر ثابتاً على المبدأ متحدياً الطغاة. وأخيراً إخواننا الملتجئون للكهوف والمغر في أفغانستان الصابرة، والحرب الصليبية الغاشمة التي تصب عليهم حمم الموت والعذاب والإبادة، صابرين محتسبين غير مفتونين متحدون أصحاب الفيل وحلفائهم من شرار الناس، لم يخضعوا ولم تلن لهم قناة. قال تعالى: (مِنَ المُؤمنونَ رِجالٌ صَدَقوا ما عاهَدوا الله عَليْه فمِنْهُمْ مَن قضى نحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتظِرُ وَما بَدّلوا تبْديلاً)[ 16]

    لقد إلتجأ نفر من الصحابة حملة المبدأ رضوان الله عليهم إلى الحبشة فراراً بدينهم وعقيدتهم، وهرباً من ظلم الطغاة وفتنتهم، وحديثا هرب فتية آمنوا بربهم من المسلمين إلى الكهوف في أفغانستان هرباً من ظلم وجبروت الطغاة الصليبيين الكفرة وأحلافهم الشيطانية. وقصة الفتية الذين التجئوا للكهف هي قصة المؤمن صاحب العقيدة الذي فر بدينه وعقيدته من الطغاة ثابتاً على المبدأ، فاراً من الفتنة والظلم والطغيان، قال تعالى: (نَحْنُ نقصُّ عَليْكَ نبَأهُمْ بالحَق إنَّهُمْ فِتيَة آمَنوا برَبهِمْ وَزِدْناهُمْ هُدىً  وَرَبَطنا عَلى قلوبِهِمْ إذ قاموا فقالوا رَبُنا رَبُّ السَمَواتِ وَالأرْضِ لنْ نَدْعوا مِنْ دونِهِ إلهاً لقدْ قلنا إذاً شططاً  هَؤلآءِ قوْمُنا إتَخذوا مِنْ دونِهِ آلِهَةً لّوْلا يَأتونَ عَليْهِمْ بسُلطانٍ بَيَِنٍ فمَنْ أظلَمُ مِمَنْ إفترى عَلى اللهِ كَذِباً  وإذ اعْتزَلتُموهُمْ وَما يَعْبُدونَ إلآ اللهَ فأوا إلى الكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَئ لكُمْ مِنْ أمْركُمْ مِرْفقا )[17 ]


    [1]آل عمران 104
    [2 ]آل عمران 110
    [3]3. الأعراف 119
    [4]التوبه 71
    [5] الأنعام: ( 34 ).
    [6] عويضه – محمود عبد اللطيف، حمل الدعوة – واجبات وصفات -، الصفحات (100-101)، بتصرف.
    [7] البروج: ( 1 – 10 ).
    [8] رواه البخاري وأحمد و النسائي و أبو داوود.
    [9] المصدر السابق، بتصرف.
    [10] المصدر السابق، الصفحات ( 102 – 106 )، بتصرف.
    [11] عويضه – محمود عبد اللطيف، حمل الدعوة – واجبات وصفات -، الصفحات (102-106)، بتصرف.
    [12] رواه أبن هشام في السيرة، ورواه البغوي في التفسير، ورواه الطبراني في المعجم الكبير عن طريق عبد الله بن جعفر.
    [13] آل عمران: ( 185 ).
    [14] المصدر السابق، صفحه ( 109 )، بتصرف.
    [15] المصدر السابق، صفحه ( 113 )، بتصرف.
    [16] الأحزاب: ( 23 )
    [17] الكهف: ( 13 – 16 ).
    .

  7. #7
    الصورة الرمزية عبدالله المحمدي أديب
    تاريخ التسجيل : Oct 2005
    المشاركات : 2,167
    المواضيع : 52
    الردود : 2167
    المعدل اليومي : 0.32

    افتراضي

    نتابعك شيخنا الجليل ....وان كنت ارغب في تعريف صحيح ومبسط لكلمة ارهاصات

    جزاك الله خيرا ....

  8. #8
    الصورة الرمزية حاتم ناصر الشرباتي قلم مشارك
    تاريخ التسجيل : Aug 2010
    العمر : 82
    المشاركات : 229
    المواضيع : 13
    الردود : 229
    المعدل اليومي : 0.05
    الأخ الفاضل : عبدالله المحمدي
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبارك الله فيك.

    الفعل أرهص له عدة معان :أرهص على الذنب : أصر عليه
    أرهص : بنى مراهص والمراهص جمع مرهصة وهي الدرجة والداعمه
    أرهص البناء : أقام له مراهص ترفده لئلا يميل أي ثبته ودعمه، وأرهص الحائط : دعمه
    :أرهص الشيء :أثبته وأسسه .أرهص الله فلانا للخير : جعله معدنا له ومأتى،..( .أرهص)على الذنب:أصر عليه.وفى الحديث:(إن ذنبه لم يكن عن إرهاص)..............انتهى
    لذا فالارهاصات تعني الدعائم.

    ونتابع سوية ان شاء الله

  9. #9
    الصورة الرمزية حاتم ناصر الشرباتي قلم مشارك
    تاريخ التسجيل : Aug 2010
    العمر : 82
    المشاركات : 229
    المواضيع : 13
    الردود : 229
    المعدل اليومي : 0.05
    1
    .في التكتلات وحملة الدّعوة والمعوقات



    قال تعالى من سورة الفتح:( مُحَمَّدٌ رَسولُ اللهِ وَالذينَ مَعَهُ أشِدّاءُ عَلى الكُفارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تراهُمْ رُكعاً سُجَّداً يَبْتغونَ فضلاً مِنَ اللهِ وَرِضْواناً سيماهُمْ في وُجوهِهِم مِنْ أثرِ السُّجود.) وقال تعالى من سورة لقمان: (وإذ قال لقمان لابنهِ وهو يعظه يا بني لا تشرك بالله إنّ الشرك لظلم عظيم *) . ( يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور* ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحاً إنّ الله لا يحب كل مختال فخور* واقصد في مشيك واغضض من صوتك إنّ أنكر الأصوات لصوت الحمير*)
    من مفهوم الآيات الكريمات والتي فصلت وبينت وحددت شكل وهيئة التكتل الهادف وفصلت وحددت بصورة حصرية شكل ونوعية القائمين عليه المشمولين بصلاحيتهم لعملية التغيير المستحقين نصر الله دون سواهم من البشر، بل حتى دون سواهم من جماعة المسلمين:
    01. أوصاف حملة الدعوة كما ورد في خطبة أبي حمزة الشاري: (يا أهل مكة، تعيروني بأصحابي تزعمون أنهم شباب، وهل كان أصحاب رسول ألله صلى الله عليه وسلم إلا شباباً ؟ نعم الشباب عمية عن الشر أعينهم، بطيئة عن الباطل أرجلهم، قد نظر الله إليهم في آناء الليل منثنية أصلابهم بمثاني القرآن، إذا مرّ أحدهم بآية فيها ذكر الجنة بكى شوقاً إليها، وإذا مرّ بآية فيها ذكر النار شهق شهقة كأن زفير جهنم في أذنيه.). وفي خطبة أخرى له يقول: (ألا وان لله بقايا من عباده لم يتحروا في ظلمها، ولم يشايعوا أهلها على شبهها، مصابيح النور في أفواههم تزهو، وألسنتهم بحجج الكتاب تنطق، ركبوا منهج السبيل، وقاموا على العلَم الأعظم هم خصماء الشيطان الرجيم، بهم يصلح الله البلاد، ويدفع عن العباد، طوبى لهم وللمستصبحين بنورهم، وأسأل الله أن يجعلنا منهم.)
    02. وردت أحاديث عدة في الصحاح يذم الرسول صلى الله علية وسلم المتنطعين والمتفيقهين والمختالين والمنافقين....... ويبشرهم بالهلاك وسوء الحال، وكذا فقد ذمّ الله تعالى من يُخالف سلوكه ما يحمل ويدعو له من فكر في قوله تعالى: ( يا أيها الذين آمنوا لِمَ تقولون ما لا تفعلون، كَبُرَ مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون) لذا فإن وجود أمثال تلك النوعيات بين حملة الدعوة يكون من المعوقات والموانع، ووجب أن يُحال بين تلك النوعيات وبين الانتظام في التكتل، لأنهم سَيَكونونَ عالة عَليه ما داموا على فسادِهِمْ وانحِرافِهم، معوقين للنصر والوصول إلى الهدف، ووجب أن ينقى التكتل منهم كما ينقي الكير الحديد.
    03. من المعلوم من الدين بالضرورة أن العقوبات جوابر وزواجر في الحياة العملية، أما في التكتل فبها ينقى التكتل مما علق به من الأدران والشوائب، ومن البديهي أن التقاعس في ذلك يكون من معوقات الوصول للهدف، لذا وجب أن يُحاسِب حامل الدعوة نفسه بعرض سلوكه على ألأحكام الشرعية وتصحيح المُعوَج منها، وإلا فعلى التكتل أن يعالج ذلك بالتنبيه أولاَ، وإلا فيعاقبه بما يستحق من أنواع المحاسبة، بما في ذلك الحرمان من الثواب بالطرد من التكتل، وبهذا يتم المحافظة على دوام أن يكون شبابه الصفوة المختارة والشامة التي لا تغيب عن البصر.
    04. من البديهي أن أي تكتل سيكون وبالاً على الأمة إذا وصل إلى قيادتها وبينه وخاصة في قياداته من يشك في إخلاصه وتقواه وورعه، لذا فأرى الحذر الشديد في اختيار الأفراد والمسؤلين على السواء، ومراجعة وضع كل من ينبه لمخالفاته وسلوكياته، وقد عزل الرسول والخلفاء من بعده الولاة لمجرد الشكوى منهم. وهو ما يسمى بالخطر الطبقي الذي يتسرب إلى رجال الأحزاب، لا الأمة.
    05. يجب التفريق بين الشخصية الإسلامية وبين حامل الدعوة، إذ الثاني حامل لواء تغيير، فلا يسري عليه ما يسري على الأول، بمعنى أن الثغرات في السلوك غير مستهجن وجودها في الأول لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم: " كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون " ولقوله تعالى: " قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله، إن الله يغفر الذنوب جميعاً " أما في الثاني فيُستهجَنُ وُجودها لمفهوم آية لقمان الواردة، ولأن فاقد الشئ لا يُعطيه، فلا يكون بين حملة الدعوة كاذب ولا منافق ولا خائن أمانة ولا من لا يراعي تقوى الله في سلوكه الشخصي، ولا مرتكب أي نوع من أنواع المخالفات الشرعية مهما كان نوعه، والناس لا يستهجنون المخالفات الشرعية أو السلوك المنحرف في أي شريحة من شرائح المسلمين: لا يستهجنوها في المشايخ ولا في أفراد التكتلات الجمعية حتى في تلك المنتسبة اسماً للإسلام، بل يستهجنون ذلك في أفراد الأحزاب السياسية .
    06.في قول لأحد الفقهاء " إذا رأيتموني أنازع جاراً أو قريباً فاشهدوا لي بالجنون واكووا رأسي بالنار " وهذا القول يعني مدى فهم ذلك الفقيه لمعنى الجوار في الإسلام، ولمعنى صلة الرحم في الإسلام، ويعكس لنا مدى تقدير ذلك الفقيه لمركزه كفقيه ينظر إليه الناس بتلك ألصفه ألمميزه، فكيف يأخذ الناس علمهم من فقيه دَعِيٌ منحرف أو صاحب مشاكل؟. وبناء عليه فلا مكان في التكتل لدائم الخلاف مع أهله وجيرانه وزبائنه، ولا مكان في التكتل لصاحب المشاكل مع المتعاملين معه، ثبتت عليه المخالفة أم لم تثبت، لأن كثرة مشاكله تعني انحرافه بتواتر المعنى، وتعني بالتالي أن أمثال هذا يشكل مسبة في جبين التكتل.
    07. ليس المقصود بالحالات التي سقتها شخصاً بعينه أو أشخاص مشخصين، بل حالات وجدت أو أمكن وجودها بين البشر، بعد دراسة مستفيضة لنفسيات البشر، وباستعراض بعض الحالات التي مرت في تاريخ التكتلات،
    08. أنه من البديهي أن عمل حامل الدعوة الأول والأهم هو أعمال الدعوة، لذا وجب أن يبرز الشباب في المجتمع بصفتهم الحزبية، من الامتثال والتقيد التام بالأحكام الشرعية وكل ما يفرضه بالضرورة انضمامه لهذا التكتل، فيكون حكمه على الوقائع الجارية في مجتمعة منسجماً مع ما يحمل من فكر، ومن البديهي أن أعماله جميعاً ستكون منطبقة ومتوافقة مع فكره، ويجب أن يبرز ذلك فيه، وأن يبرز الشاب في مجتمعة بصفته حامل دعوة وليس بأي صفة أخرى. ومما هو معلوم بالضرورة حتمية أخذ كل شاب الدور القيادي الرائد في تبني مصالح الوسط الموجود به من عائلته إلى الحي القاطن به وصولاً للبلد والولاية التي هو بها، وأن يُراعى في ذلك أن يكون هذا الدور منسجما مع فكره، وأن يعطى الانطباع لدى الناس أن تحرك هذا الشاب هو بصفته الحزبية وليس بصفته الشخصية، وينطبق ذلك على أعمال " رجال الإصلاح " من الأفراد الحزبيين الذين يتبنون حل المشاكل العشائرية بين الناس، فهم أولى الناس في تحري الحق والحق وَحدَه في حلّ المشاكل، وعدم مخالفة طريقة الإسلام بتاتاً في ذلك مهما كانت الظروف، ولا ينسوا بتاتاً من أنهم كحزبيين يجب عليهم العمل على تغيير الواقع بما يحملون من أفكار لا أن يكونوا من جنسِ الواقع، فيقومون بتغيير قوانين وأعراف وعادات المجتمع الفاسدة بفكرهم لا العكس، وأن يَبرُزَ بين الناس أن توجههم هذا هو بصفتهم الحزبية وليس الشخصية. ومن البديهي أن حامل الدعوة متحدٍ سافر يتحدى أفكار المجتمع المغلوطة، وعاداته الفاسدة، وشرائعه وعقائده الكافرة، لا يُداجي في ذلك ولا يُهادن، وليس من طريقته التدرج في تطبيق الأحكام أو التكيف مع المجتمع وواقعه المخالف لفكره، وخلاف ذلك يكون غير أهل للانتظام في تكتل حزبي انقلابي، وحبذا لو جلس في بيته فأراح واستراح.والمراد من ذلك كثرة الإنتقادات التي توجه لبعض رجال الاصلاح من انتهاج أساليب خاطئة وممجوجة في أثناء قيامهم بحل مشاكل الناس، من ضغط على الضعيف لصالح القوي، مع القناعة بأن الضعيف هو صاحب الحق، وأحيانا سكوت عن منكر وكذب ونفاق بحجة إسكات فتنة. سالكين طريق " نبل الغاية يبرر نوع الوسيلة " مخالفين قاعدة " الوسيلة إلى الحرام حرام ".

    يتبع بعون الله

  10. #10
    الصورة الرمزية حاتم ناصر الشرباتي قلم مشارك
    تاريخ التسجيل : Aug 2010
    العمر : 82
    المشاركات : 229
    المواضيع : 13
    الردود : 229
    المعدل اليومي : 0.05

    افتراضي

    إنّ الفتنة والإمتحان التي يتعرض لها حملة الدّعوة كانت وتكررت وستكون وتتكرر، فما دام تعاقب الليل والنهار فسيكون هناك جلادون ومن يجلدون، وحامل الدّعوة يتحدى ولا بد الجلادين العُتاه، يتحدى المجتمع "وقادته والناس كافة" بعقائده وأفكاره ومفاهيمه وأحكامه وأعرافه وتقاليده، كما يتحدى الحكام والجلادين، ثابتاً على المبدأ، مسفهاً العقائد والأفكار والأحكام والمفاهيم والعادات والأعراف، صابراً على الأذى والعذاب والبلاء الذي سيتعرض له نتيجة ثباته على المبدأ. لذا فقد صنفه الرسول صلى الله عليه وسلم في صف واحد مع سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب، مصداقاً لقوله تعالى: (كُلُ نَفسٍ ذائِقةُ المَوْتِ وَإنّما توَفونَ أُجورَكُمْ يَوْمَ القِيامَةِ فمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النّارِ وَاُدْخِلَ الجَنَّةَ فقدْ فازَ وَما الحَياةُ الدنيا إلآ مَتاعُ الغُرورِ)[ 13]

    وحتى يتم أمر الله تعالى فإنّ الأعداء يفتحون السجون والمعتقلات، ويشهرون العصي والسياط، ويحاربون حملة الدعوة بقطع الأرزاق وحتى بقطع الأعناق، يعلنون الحرب على حملة الدعوة في كل المجالات، ليحولوا بينهم وبين حمل الدعوة والثبات عليه والإستمرار فيه ، فَمَنْ فتِنَ ومن ترك حمل الدعوة استجابة للضغوط فقد سقط، وحقق المفتون والساقط لأعداء الدعوة وأعداء الله ما يصبون إليه ويطمحون فيه.)[14 ]

    (وكما ثبت رسول الله صلى الله عليه وسلم على الدعوة وعلى حملها، فقد ثبت صحابته رضوان الله عليهم ثباتاً لا نظير له، والأمثلة على ذلك كثيرةً ومعروفة ومشهورة، وما قصة تعذيب بلال في بطحاء مكة وثباته على الحق، وما قصة آل ياسر وتعذيبهم برمضاء مكة وصبرهم بخافية على أحد، وكتب السيرة تقص علينا قصص ثباتهم على حمل الدعوة، كما تقص علينا أساليب التعذيب التي استعملها طغاة مكة مع الرسول صلى الله عليه وسلم ومع صحابته من بعده.)[ 15]

    وكما ثبت الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته على المبدأ فلم يهنوا ولم يضعفوا، فكان منهم بلال وآل ياسر وسمية وخبيب وغيرهم صابرين محتسبين، فقد ثبت قبلهم فتية الأخدود كما أعلمنا الله في سورة البروج، الذين صبروا على العذاب وثبتوا على المبدأ حتى فاضت أرواحهم الطاهرة إلى بارئها مستبشرة بلقائه، وقد أعطانا الرسول صلى الله عليه وسلم نماذج صادقة من الثبات على الحق، وهم أصحاب عيسى بن مريم عليه وعليهم السلام الذين نشروا بالمناشير وحملوا على الخشب، فلم يهنوا ولم يُفتنوا، بل صبروا وثبتوا.

صفحة 1 من 3 123 الأخيرةالأخيرة