صاح الصغار و زغردت النسوة، أخيرا وصلوا..
عشرات الاشخاص يزفونها في أهازيج من الموروث الضارب في الزمن الماضي و المعنى، بعضهم يمتطي بغلة و بعضهم يكز بعصاه حمارا يحمل صناديق خشبية مزركشة بلون أحمر، أما هي فتركب فرسا معية قريب لها. يقترب الموكب من الزقاق الضيق فيقف الجميع على مسافة من الصدفة.. عجوز هنا تصيح غناء و أخرى من أهل العريس ترد بأعقد من ذلك، يقصفن بكلمات تارة تمجد الحياة و تارة يحذرن من لياليها، تارة ينصحن الحضور الرفق بالعروسة و تارة يمجدن سيرتها بين قريناتها. ها هي المسكينة مغمضة القدر، تسدل على وجهها غطاء أحمر يعبق بحكايا الجدات، ربما كان على وجه مئات من قبلها، و على جبهتها وضعوا مرآة لا يرى الناظر إليها إلا نفسه.. هي أحجية لمن تطاول بشكه إليها، ترتدي جلباب رجل.
تنزل من فرسه وتخطو خطواتها إلى باب المستقبل، تلتف حولها نسوة العريس ليتسلمنها من أهلها.. تتجدد موجة جديدة من الأشعار المقطعة للقلب حينا و المقبلة على مباهج الحياة حينا. يتلصص جمهور القرويون على ثنايا جسدها الغارق في بياض الجلباب.
هل تعرج؟ لا ربما محدودبة الظهر.. نحيفة؟
تلك وشوشة على هامش المراسيم،و لا يحلو للعرس أن يمر بدونها.
ها هي ترمي بالمرآة أمام عتبة المنزل، نأدية للعادة التي لا تعرف مغزاها، وترفع رأسها إلى الأعلى ، فيرميها فارسها بقبضة تمر و بقبضة ملح.. انتعشي أيتها الرموز.
ترفع رجلها اليمنى لتدخل إلى البيت الجديد.. فتنهار من شدة اللاشيء وتفقد وعيها..
ها أنت تتزوجين، نعم سيقولون "تزوجت" ، ها أنت تنظرين إلى نفسك و أنت ساحة لانتصاراته الرجولية، وستزداد وثيرة الزغردة حتى المغيب، ها أنت تضعين وسام الشرف. ستنجبين منه و سيحتضنك، هذا الذي رماك بالملح سيكون ممتلكك إلى أن يحدودب ظهرك تعبا. أرأيت.. ألم أقل لك لا تقبلي به على بياض؟ كان يجب أن ترسلي ابن عمك ليستوضح أمره، لكي تعرفي شكله و مزاجه، لا داعي لكل ذلك.. أدخلي مغمضة العين فحظك من الحياة حذق..
ها أنت تستفيقين على وقع نحيب السكان، ما كان لك أن تشقي جنبك عليه، فلله ما أعطى ولله ما أخذ.. و البركة في خلفه، ما كان لك أن تعرفي مكانته في المنزل إذ ينهرك لأتفه الأسباب، إذ يتجاهلك وأنت تعاتبينه على إدمانه التدخين.. ها أنت بعد ربع قرن من الزوجية تشيعينه دمعا و ترشين ماء الورد على قبره، يغادرك كما جئته، مغطى الوجه و السكون يلفه.