النص الاصلى
د. ثروت عكاشة السنوسي
عرافة نهر البردة

الطريق إلى نهر البردة طويل، ودوامات الريح القادمة من الشمال تدور برأسي، وزوجتي لا تزال تنظر إليّ بطرف عينها في ريبة وشكـ وتفترض علاقتي بأخرى.. الليل يسدل ستائره الداكنة، ولم يبق سوى شمعة أخيرة تتآكل رويداً، تمكث هناكـ على حافة "الكوميدينو" المقابل للسرير، كل صباح تطلب زوجتي تكرار ذهابي إلى نهر البردة هناكـ في أخر القرية، الطريق شاق، وحمل الماء ثقيل، وكلما اقتربتُ من النهر يبتعد، يبتعد أكثر..!

العرافة العجوز الماكرة التي تقطن على حافة النهر الأخرى، تعلق بردتها الخضراء على شواشي الشجر وجذوع النخل المكسور، تجوب قريتنا كل يوم وتمر أمام دارنا، تفرش بردتها المبتلة بماء النهر وتضرب الوع لكل النساء، قالت لزوجتي.. أني سأتزوج بأخرى وإن لم ترسلنـي كل صباح لإحضار الماء الرائق من النهر سبع مرات، ستعيش بدوني حتى آخر العمر.. ولابد أن يكون ذلكـ لمدة ثلاثة أسابيع كاملة.

الأخريات المعجبات بهيئتي الساكنة صفحة نهر البردة.. يسبحن في ماء النهر كل صباح، لكن زوجتي لا تدركـ إلا ما قالته العرافة.. كن يسبقننـي إلى الشاطئ يتخلصن من جلابيبهن الملونة، ثم يلقين بأجسادهن العارية الممشوقة إلى الماء، أتأملهن بطرف عينـي وأنا أملأ الإناء الكبير ، ثم أحمله على كتفي وأهم بالرجوع إلى زوجتي غير عابئ بما ينسكب منه على الأرض، ولا بما تفعله الأخريات في النهر.. هن يرقصن في صخب على وجه النهار كالشياطين، ويسبحن على صفحة النهر كالملائكة..!

العذراء منهن تحمل وشما أخضر مدقوق على ذقنها والمتزوجة تحمل وشما أزرق محفور على جبهتها، وتشبه زوجتي في رقصة الصبح البهيّ، نداء يعلو من هنا ونداء هامس من هناكـ ، أهيم مع تلكـ النداءات على حافة الشاطئ جيئة وذهاباً.. أملأ الأواني التي أحملها وأعود إلى البيت، كأني لا أرى الجميلات ولا أسمع النداءات القادمة من صفو القلوب، الصاخب منها والهامس على حد سواء..

أدخل البيت آخر النهار مرهقاً، وماء النهر يبللنـي.. يتهلل وجه زوجتي وتمسح حلكة الليل حين تشعل جدر الشمعة الأخيرة وابتسامة ترتسم على شفتيها فقد كان هذا اليوم هو الأخير ، الفراشات التي تدور حول النار تخطئ الطريق وتحترق واحدة تلو الأخرى..!

الجميلات يملأن زوايا الغرفة، ولا يغادرن وآخر الفراشات الدائرة حول نار شمعتنا تحترق في بطء، وكل الفراشات التي تشبهها تطفئ ما تبقى من جدر الشموع في كل البيوت المجاورة.. وأنين النساء يزداد شيئا فشيئاً، وتأوهات تبدل وجه الليل شبقاً يحمل شوقا برائحة الخمر المعتقً، حينها تتشابكـ الأصابع وتمرح على الظهور الملتهبة شوقاً، والأحضان تتوحد في لجة العشق.. وهنااااكـ عند نهر البردة تعلو موسيقى هادئة تنبعث من ثغرات الليل إلى ماء النهر في هدأة المساء تصاحب رقص العرافة منفردة، وعند ابتسام البدر واكتمال استدارته تجتمع الجميلات بأزياء المساء، والعذارى يتمايلن في خيلاء وفرح يكونون دائرة تتوسطها العرافة.. يرقصن منذ انتصاف الليل وحتى بذوغ الفجر، لتعبث الذكرى بالوجد الحائر كالفراشات المحترقة هنا وهناااااكـ..

تبحث زوجتي عن شموع فلا تجد إلا بقايا غير صالحة للاشتعال، لكنها تروح وحيدةً تبحث بطول الطريق إلى النهر.. تبحث طويلاً طويلاً بلا فائدة.. حتى العرافة لا تجدها؛ فتعود إلى سريرها، وبرودة تكاد تقتلها.. تتفحصنـي وهي تعبث بتقاطيع وجهي.. تمرر أصابعها بين شعري، ثم تتحسس ظهري البارد، وتتعلق في رقبتي عند اشتعال الجسد وتماوج الروح مع زفرة النهر الأسير برقصة العذارى ورجفة الغواني من نساء قريتنا على حدٍ سواء..

في هدوء تفرد العرافة بردتها الخضراء على صفحة الماء وتنام، وعازف الناي الحزين يطلق أنغامه ليبدد هدأة الليل، أتمدد في شهقة الظلمة بين أحضان تشبة أحضان زوجتي، وموسيقى حالمة تنبعث من شبق قديم، ورقصة النهر على أنغام الناي لم تزل تداعب عيوني وحسناوات ليلة اكتمال القمر في دوائر تلهب اشتعال القلب على حافة النهر..

تضم رأسي إلى صدرها، وتطلق تنهيدةً عالية تحمل سخونة المساء إلى قلبي، لم تزل زوجتي تشهق وتشهق، ثم تزفر في إذني بقوة، ألتفت بعيدا، ثم أستدير ؛ لكنها تلتصق بي.. تلتصق طويلاً، تحتضننـي وتضمنـي بقوة، تلتف الساق على الساق، وتذوب الأجساد مع عازف الناي في رغبة بغفوة تشبه الموت، لنرقص حين التقينا على ذات البردة هناكـ عند حافة النهر .. وحيدين بعيدا عن كل العيون.

تراءت أحلام المساء بين عيوني وارتفعت أكف العرافة تدعو وتدعو حتى تباشير الفجر .. راح العازف يسقط في ماء نهر البردة وحيدا، ومع صرخة الناي القادمة من قلب الماء.. تلقي زوجتي شعرها الكستنائي على وجهي، وهي تمنـي نفسها بأن يطول الليل فيطول رويدا رويدا..

يغرق العازف ويضيع الناي، وعند الشاطئ البعيد تعلو أهازيج المساءات مع تأوهات البنات الفاجرات والنساء الغواني يربحن طبقات من علو السماء تستند على أرجلهن، وظهور الرجال العارية، النشوة تملأ المكان، وبقايا الفراشات المحترقة تبعثرت حولنا، وأنوار شمعتنا تموت وتموت.

في الصباح الأخير كان الباب موارباً، وزوجتي تنام في سكون على صدري، ومركب الصيد الصغير الذي رسمته بالأمس على الورق المقوى، وألقيتها في النهر تركتها تتراقص على صفحتة مع هدأة الموج بلا ربان، والعرافة تقطب جبينها وقلبها يمتلئ غلاً وحسدا..

فجأة.. تستيقظ زوجتي مذعورة يراودها خيال العرافة العارية بلا بردة.. تبدو مبعثرة الشعر، سوداء الوجه، مشقوقة البطن، واقفة على صدر النهر، توشوش الماء، فيثور ويثور، وفرقعات من باطن النهر تطلقها بطون الفتيات العذارى في انتظار اكتمال قرص القمر من جديد..

العرافة العجوز يأكلها الألم، لكنها تضحكـ كلما فار الماء في وجهها، ضربته بالعصا، فتزداد ثورة النهر، أسارع باحتضان زوجتي، تعانقنـي، تجذبنا العرافة معا لنسقط إلى الماء، تلقي بردتها الخضراء فوقنا؛ فلا نستطيع الخروج، وتحيطنا ظلمة تشبه ظلمة القبر، تتوحد أجسادنا الغارقة.. ألثم ثغر زوجتي بقبلةٍ أخيرة طويلة طويلة.. تأخذنا إلى قاع النهر مع الموتى والعازف القتيل، وما زلنا في انتظار اكتمال قرص القمر ؛ ربما نستيقظ مع استدارته، ونرقص على صفحة النهر مع العذارى، ونعاود العبور إلى نهر البردة..!

***

















القص الشعبى عند الدكتور ثروت عكاشة

عرافة نهر البردة نموذجا
دراسة نقدية /صادق ابراهيم صادق
عضو اتحاد كتاب مصر




ب الشعبي هو أحد جوانب التراث الأساسية، الذي يصور بدقة واقع حياة عامة الشعب من عادات، وأعراف، وعقائد وفنون، نتعرّف من خلاله على نفسية أفراد المجتمع وفكرهم، وأخلاقهم، ومعاناتهم، فالتراث الشعبي يمثل المأثورات والخصائص التي تشكل الشخصية القومية والهوية الوطنية للإنسان العربي في حقبة ما من تاريخ الأمة، فالموروثات الشعبية تصوّر جوانب حياة الناس اليومية الثقافية، والسلوكية، من حكايات، وأمثال، وحكم، وتقاليد الأفراح والأحزان، والأعياد، وأغاني وأهازيج وعدّويات، ودبكات، والزي الشعبي، والمسكن، وأشكال المعيشة وغيرها، ممَّا ورثته الأجيال بعضها عن بعض على مر التاريخ، حتَّى وصلتنا كما نعرفها في صورتها الحالية.‏

والموروثات الشعبية ذات أصول قديمة موغلة في التاريخ، تعرضت للتغيير والتبديل، والحذف والإضافات لتتناسب مع التطورات الاجتماعية، والثقافية، والبيئية، فحافظ الناس على ما يناسبهم وتركوا ما لا يلائمهم، وأضافوا من ثقافتهم المعاصرة ما يريدون.‏

في الوقت الحاضر نرى أن معظم الصور التراثية بدأت تتلاشى وتندثر مع تقدّم الزمن، فتوقف العمل بها منذ أكثر من ربع قرن بعد التطور الاجتماعي، والثقافي، والتقني الهائل، وظهور وسائل الإعلام الحديثة من تلفاز وإذاعة وصحف وكتب واتصالات، التي عملت بقوة على إزاحة الموروثات الشعبية التراثية عن مكانتها فأهملها الناس ولم يعودوا يشعرون بالحاجة لممارستها. الأولاد لم يعودوا يتحلّقون حول الجدّة، لتروي لهم حكاياتها الجميلة الساحرة، بعد أن حلّت (الشاشة الصغيرة) محل الجدّة، كجدّة حديثة متطورة بالإضافة إلى كتب ومجلات الأطفال الأدبية، التي أصبحت أكثر ملائمة لعقلية الطفل وثقافته ونفسيته وطموحه.‏

كما أن عادات وتقاليد الأعراس والمناسبات، لم يعد بالإمكان ممارستها، والعمل بها بعد التطورات الاجتماعية والاقتصادية، من زحمة العمل وضيق الوقت، والمسكن والساحات، وانصراف اهتمام الناس إلى أشياء أخرى، كل هذا أدّى إلى إلغاء مظاهر الأعراس الشعبية، والاحتفالات العامة للناس، وأطفال "الحارة" فلم يعد بإمكانهم ممارسة ألعابهم الشعبية القديمة، التي تحتاج إلى ساحة واسعة وبيئة طبيعية مناسبة فحلّت محلّها الألعاب الرياضية والملاعب والأندية. لذلك نرى أن عصر التراث الشعبي قد احتضر وانتهى ولم يعد يهتم به أحد من الناس سوى الدارسين والباحثين الذين يعملون على جمعه من ذاكرة الجيل القديم أو ما بقي عالق منه في أذهانهم...‏

ومع توقف العمل بالموروثات التراثية، توقف أيضاً عصر ابتداع الفلكلور الشعبي لأنَّ الإبداع مرتبط بالخيال الشعبي، الذي يستمد مادته من الأساطير والأفكار والتصورات، والشخصيات الخرافية، وواقع العجز عن الفهم، والقصور عن تحقيق الطموح والغايات الحياتية الصعبة وتطويرها، فالخيال الشعبي كبّلته الإنجازات العلمية، والحقائق الكونية والاكتشافات الطبيعية والأدوات التقنية المتطورة. فلم يعد الإنسان الحالي بحاجة للتحليق والحلم ببساط الريح، والفانوس السحري، وطاقية الإخفاء وغيرها، أمام الطائرة والسيارة، والتلفزيون والمراكب الفضائية، والطب الحديث الذي كشف معظم الحقائق المستورة وحقّق إنجازات كبيرة وبين عجز القوى الخرافية أمام الأسلحة المتطورة والقنابل الذرية، وفضح كذبة حورية البحر وجمال ست الحسن، وشاعرية القمر، فسحب من تحت الخيال الشعبي، بساط التحليق والانفعالات والعواطف وسلاح الرومانسية، والإثارة والرغبة والحب.‏

كتب ماسبيرو في كتابه (أغاني شعبية مصرية) يقول: (إنَّ مصر تطورت بسرعة وأن كثيراً ممَّا رآه في زيارته الأولى وما سمعه قد اختفى وانقرض أو في طريقه إلى الانقراض...).‏
تراث الأمة وموروثاتها، انعكست فيها أصداء واقع الشعب وحياته، ومعاناته وقيمه وطموحاته، بكل ما فيها من أساطير وخرافات وأوهام. تعبّر عن مدى اتساع مدارك الخيال الشعبي وإبداعاته ومخاوفه وأحلامه، فالإنسان منذ القديم عانى كثيراً من الشقاء والقهر، في سبيل الحصول على لقمة العيش والحياة الكريمة.‏

فالإنسان منذ بداية وجوده في الحياة حاول أن يعطي تفسيرات لكل ما صادفه في حياته من ظواهر غريبة أو خارقة أو أحداث وكوارث وأخطار طبيعية. فصاغ لها في خياله الخصب المبررات والتفسيرات التي تتناسب مع عقائده ومعارفه المتوفرة، لعب فيها خياله دوراً أساسياً في تشكيلها بالأساطير والخرافات والأوهام، فالخيال البشري عمل على ملئ المساحات الفارغة من معارفه بالخيال وصنع الخرافات في التفسير والتبرير، نتيجة عدم توفر المعطيات والحقائق العلمية لديه، فلجأ إلى التعويض عن هذا النقص بالأساطير والخرافات، فأصبح الخيال البشري انعكاساً للواقع مع إضافات وتزويقات كثيرة، تعطي الأحداث مزيداً من الإثارة والتألّق والسحر والجمال، تصوّر صراعه مع قوى الطبيعة القاهرة (البرق ـ الرعد ـ العواصف ـ الرياح ـ الطوفان...) والحيوانات والوحوش المفترسة، ولم يكتف الإنسان من معاناته اليومية مع تلك القوى القاهرة الجبّارة، التي جعلت حياته قلقاً وخوفاً مستمراً، بل صاغ خياله أيضاً قوى شريرة أخرى أسطورية تساوي تماماً مخاوفه، وتطلعه إلى المستقبل المجهول فكانت (الغيلان ـ والعفاريت ـ والوحوش المختلفة).‏

امتزج قلق الإنسان ومعاناته من واقعه، بخوفه الدائم من المستقبل المجهول، وتحوّل هذا الخوف إلى طموح وأحلام مشروعة في العيش المريح والسعادة والعدل والسلام، فصاغ الإنسان منذ القديم معاناته وأحلامه على شكل قالب قصصي جميل، أضفى عليها الخيال كثيراً من السحر والجاذبية والتشويق. فكانت الحكاية الشعبية خلاصة الفكر الاجتماعي والنفسي والحضاري للأمة صبغتها بطابعها الخاص الذي ميَّزها عن غيرها من الأمم، رغم التشابه في كثير من المضامين والأشكال التراثية مع المجتمعات الإنسانية الأخرى...‏

من المؤكد أن الحكاية الشعبية قد ابتدعها الخيال الشعبي البسيط للإنسان القديم، معبّراً من خلالها عن واقعه وتطلعاته وفكره ومعاناته ومخاوفه... فالإنسان قديماً كان همَّه الكبير هو تأمين لقمة العيش له ولأسرته ليستمر في الحياة من خلال جهده المتواصل في الصيد، الرعي، الزراعة. جميع هذه الأعمال، صعبة وشاقة، فيها من المخاطر ما فيها. فقد كان الإنسان يعيش بشكل مستمر، حالة صراع مع كثير من القوى، أولها قوى الطبيعة القاهرة التي لا حول ولا قوة له أمامها، وثانيها مواجهته المستمرّة، للحيوانات المتوحشة والمفترسة التي كان له معها صولات وجولات ملحمية. وثالثها قوى مجهولة الهوية غامضة، ابتدعها خياله المضطرب المتعب وعجزه الذي جعله يتصور، قوى تتربّص له دائماً، في ظلمة الليل، وجوف الكهوف وسفوح الجبال، كما تخيّل شخصيّات خرافيّة تعادل هواجسه، قادرة على صنع المآسي والتدمير، مثلها مثل الرعد والعواصف والبرق التي تسبب الموت والرعب، فكانت شخصيات خرافية مثل: (الغول، العفريت، الجان، الساحر، أبو فريوة، السعلاة، أبو قرن وقرنين، سحّال ديلو، أبو همامو...الخ).‏

كان الإنسان قديماً يعاني في حياته قلقاً دائماً، من حاضر صعب وخوف مستمرّ على مستقبل غامض مجهول. فامتلأت أحلامه طموحات مشروعة، تهدف إلى تحقيق أهدافه، في السعادة والراحة والمتعة والعدل والغنى والرفاه والسلام والأمان.‏

وقد استطاع الدكتور ثروت عكاشة فى قصتة العرا فةو نهر البردى ان يدخل بنا فى عالم السير والقصص الشعبية من اول العنوان وهو العرافةالعرافة هي ممارسة للتنبؤ بالمستقبل، وعادةً ما تمارس بشكل فردي باستخدام وسائل خفية أو خارقة للطبيعة، والغرض من وراء ذلك هو الكسب التجاري في الغالب، وكثيراً ما يتم الخلط بينها وبين الممارسة الدينية التي تعرف بالكهانة وهو الذي يدعي معرفة الشيء المسروق و الضالة ونحوها.عتبر الشخص مذنباً بممارسة العرافة، سواء أكان ذلك لقاء أجر أو تعويض يلتمسه أو يأخذه بشكل مباشر أو غير مباشر، حين يزعم أو يتظاهر بأنه يخبر بالبخت، أو ينصب نفسه على أنه قادر، عن طريق ما يزعمه أو يتظاهر به باستخدام قوى خفية، للإجابة على أسئلة أو إسداء نصح حول المسائل الشخصية، أو لطرد الأرواح الشريرة أو اللعنات أو التأثير فيها؛ ويستثنى من ذلك الشخص الذي ينخرط في الأمور التي سبق وصفها كجزء من استعراض أو معرض الغرض منه الترفيه والتسلية فحسب. إلا أنه ينبغي على من يزور العرافين أن يستخدم ذكاءه وحكمته أثناء زيارته لهم.

يبدا القاص الدكتور ثروت عكاشة بمدخل تفصيلى رائع ساحر ياخذك الى عالم خيالى تمتزج بة الطبيعة اقرءوا معى
الطريق إلى نهر البردة طويل، ودوامات الريح القادمة من الشمال تدور برأسي، وزوجتي لا تزال تنظر إليّ بطرف عينها في ريبة وشكـ وتفترض علاقتي بأخرى.. الليل يسدل ستائره الداكنة، ولم يبق سوى شمعة أخيرة تتآكل رويداً، تمكث هناكـ على حافة "الكوميدينو" المقابل للسرير، كل صباح تطلب زوجتي تكرار ذهابي إلى نهر البردة هناكـ في أخر القرية، الطريق شاق، وحمل الماء ثقيل، وكلما اقتربتُ من النهر يبتعد، يبتعد أكثر..!
حالة من الوصف والربط بين الزوجة والنهر وعلاقة الزوج بهذا النهرثم ياخذك الى الطرف الاخروهو العرافة

العرافة العجوز الماكرة التي تقطن على حافة النهر الأخرى، تعلق بردتها الخضراء على شواشي الشجر وجذوع النخل المكسور، تجوب قريتنا كل يوم وتمر أمام دارنا، تفرش بردتها المبتلة بماء النهر وتضرب الوع لكل النساء، قالت لزوجتي.. أني سأتزوج بأخرى وإن لم ترسلنـي كل صباح لإحضار الماء الرائق من النهر سبع مرات، ستعيش بدوني حتى آخر العمر.. ولابد أن يكون ذلكـ لمدة ثلاثة أسابيع كاملة.
اذن نحن امام صراع بين العرافة والزوج والعائلة وهذة هى بداية اى عمل درامى الاوهو الصراع الدرامى وقد نجح القاص الدكتور ثروت عكاشة فى بلورة هذا الصراع الدرامى
العرافة العجوز الماكرة التي تقطن على حافة النهر الأخرى، تعلق بردتها الخضراء على شواشي الشجر وجذوع النخل المكسور، تجوب قريتنا كل يوم وتمر أمام دارنا، تفرش بردتها المبتلة بماء النهر وتضرب الوع لكل النساء، قالت لزوجتي.. أني سأتزوج بأخرى وإن لم ترسلنـي كل صباح لإحضار الماء الرائق من النهر سبع مرات، ستعيش بدوني حتى آخر العمر.. ولابد أن يكون ذلكـ لمدة ثلاثة أسابيع كاملة.
هما ياتى دور العرافة والذى نعرفةجميعا وهو التنجيم وقراءة الطالع وهنا محاولة منها لااقناع الزوجة بان الزوج سيتزوج وتعطى لها الحل

العذراء منهن تحمل وشما أخضر مدقوق على ذقنها والمتزوجة تحمل وشما أزرق محفور على جبهتها، وتشبه زوجتي في رقصة الصبح البهيّ، نداء يعلو من هنا ونداء هامس من هناكـ ، أهيم مع تلكـ النداءات على حافة الشاطئ جيئة وذهاباً.. أملأ الأواني التي أحملها وأعود إلى البيت، كأني لا أرى الجميلات ولا أسمع النداءات القادمة من صفو القلوب، الصاخب منها والهامس على حد سواء..
ياتى هنا بلفظ العذراء وهى الطاهرة الذى لم يلمسه بشروالوشم الازرق المحفور لتكتمل اللوحةفى القص الشعبى

فالإنسان منذ بداية وجوده في الحياة حاول أن يعطي تفسيرات لكل ما صادفه في حياته من ظواهر غريبة أو خارقة أو أحداث وكوارث وأخطار طبيعية. فصاغ لها في خياله الخصب المبررات والتفسيرات التي تتناسب مع عقائده ومعارفه المتوفرة، لعب فيها خياله دوراً أساسياً في تشكيلها بالأساطير والخرافات والأوهام، فالخيال البشري عمل على ملئ المساحات الفارغة من معارفه بالخيال وصنع الخرافات في التفسير والتبرير، نتيجة عدم توفر المعطيات والحقائق العلمية لديه، فلجأ إلى التعويض عن هذا النقص بالأساطير والخرافات، فأصبح الخيال البشري انعكاساً للواقع مع إضافات وتزويقات كثيرة، تعطي الأحداث مزيداً من الإثارة والتألّق والسحر والجمال، تصوّر صراعه مع قوى الطبيعة القاهرة (البرق ـ الرعد ـ العواصف ـ الرياح ـ الطوفان...) والحيوانات والوحوش المفترسة، ولم يكتف الإنسان من معاناته اليومية مع تلك القوى القاهرة الجبّارة، التي جعلت حياته قلقاً وخوفاً مستمراً، بل صاغ خياله أيضاً قوى شريرة أخرى أسطورية تساوي تماماً مخاوفه، وتطلعه إلى المستقبل المجهول فكانت (الغيلان ـ والعفاريت ـ والوحوش المختلفة).‏
وهذا مافعلة القاص ليضعناامام قصة من القصص الشعبية الممتعة اقروا متعنوا معى




الجميلات يملأن زوايا الغرفة، ولا يغادرن وآخر الفراشات الدائرة حول نار شمعتنا تحترق في بطء، وكل الفراشات التي تشبهها تطفئ ما تبقى من جدر الشموع في كل البيوت المجاورة.. وأنين النساء يزداد شيئا فشيئاً، وتأوهات تبدل وجه الليل شبقاً يحمل شوقا برائحة الخمر المعتقً، حينها تتشابكـ الأصابع وتمرح على الظهور الملتهبة شوقاً، والأحضان تتوحد في لجة العشق.. وهنااااكـ عند نهر البردة تعلو موسيقى هادئة تنبعث من ثغرات الليل إلى ماء النهر في هدأة المساء تصاحب رقص العرافة منفردة، وعند ابتسام البدر واكتمال استدارته تجتمع الجميلات بأزياء المساء، والعذارى يتمايلن في خيلاء وفرح يكونون دائرة تتوسطها العرافة.. يرقصن منذ انتصاف الليل وحتى بذوغ الفجر، لتعبث الذكرى بالوجد الحائر كالفراشات المحترقة هنا وهناااااكـ..
اسلوب رائع متميز يقودنا الى الاحلامويضعنا بين الحلم واليقظة
وينهى قصتة بهذا الاسلوب الرائع ليصعنا امام التطهير النفسى


العرافة العجوز يأكلها الألم، لكنها تضحكـ كلما فار الماء في وجهها، ضربته بالعصا، فتزداد ثورة النهر، أسارع باحتضان زوجتي، تعانقنـي، تجذبنا العرافة معا لنسقط إلى الماء، تلقي بردتها الخضراء فوقنا؛ فلا نستطيع الخروج، وتحيطنا ظلمة تشبه ظلمة القبر، تتوحد أجسادنا الغارقة.. ألثم ثغر زوجتي بقبلةٍ أخيرة طويلة طويلة.. تأخذنا إلى قاع النهر مع الموتى والعازف القتيل، وما زلنا في انتظار اكتمال قرص القمر ؛ ربما نستيقظ مع استدارته، ونرقص على صفحة النهر مع العذارى، ونعاود العبور إلى نهر البردة..!

الأحداث في الحكاية تصوير للصراع الدائم بين القوى الخيّرة الصالحة، وبين القوى الشريرة السيئة. ويلعب الخيال البشري دوراً رائداً في إدارة الصراع وتصاعده وبناء شخصيّاته في عملية إثارة وتشويق كبيرين بهدف جذب انتباه المستمع لمعرفة نتيجة الأحداث ونهاية الصراع، الذي غالباً ما يكون لمصلحة الخير. فالخاتمة أو النهاية تأتي مطابقة ومعبّرة عن تطلعات الإنسان، ورغبته الشديدة في انتصار الخير على الشر، وتحقيق العدالة

فالحكاية الشعبية تحمل مضموناً إنسانياً عادلاً لا يفرّق بين غني وفقير ولا حاكم ومحكوم فالأميرة تحب فقيراً وتتزوجه والأمير يحب فقيرة ويتزوجها.

كما تحمل مضموناً فكرياً يمجد القوة الصالحة ويشيد بانتصارها السامق على القوة الشريرة الخرافية أو انتصار الإنسان على قوى الطبيعة القاهرة ولو بمعجزة من السماء أو بنضال قاسٍ ومرير لتحقيق الحلم الإنساني في السيطرة والتغلب على عجزه وفقره وقهره.

أما البعد القومي للحكاية فيتجلى في الثوب العربي الذي ترتديه الحكاية وروحها العربية الأصيلة في الأسماء والأحداث والبيئة والعقلية والأعراف.
وهذا مافعلة الدكتور ثروت عكاشة فى قصتة الرائعة المتميزة واننى احية علىهذة القصة المتميزة والتى من وجهة نظرى انها مشروع ثقافى يهتم بتراثنا الحكائى شكرللقاص الدكتور ثروت عكاشة
مع تحياتى /صادق ابراهيم صادق عضو اتحاد كتاب مصر