وَهمُ الزَّعيم
أَركضُ وأَركضُ لم أَبتعدْ كثيرًا، أَتعثرُ أَنهضُ أَسرعُ وَمَا أَزَالُ أَسمعُ صَيحَاتِهم، يُحيطونَ بي، يُغرقونني كَالقشّةِ تَأخذُني أَمواجُهم، تتلكَأُ قُوّتي فِي الحفاظِ عَلَى السّرعة، أَتساقطُ كُلّما نهضتُ، أَزحفُ وَلَا أَستسلمُ، تَزعقُ بِي أَفكارُهم، لَا تبتعدُ أَيُّهَا الشَّاذُّ توقفْ، امسكُوه لَا تَدعوه يَفلتْ من قَبضتِكم.
لَا يقبلونَ أَيَّةَ فكرةٍ سوى قولِهم، يَهتزُّ كَبيرُهم وَيحمَّرُ وَجهُه، تُلوحُ يمينُه مع تَقافزِ الكلماتِ، مهلًا أَيُّهَا العزيزُ لَا أَبغي سوى سَارة، وَهَذَا أَدنى حقّ لي. كُلّ النّساءِ نقبلُ بِهَا إِلَّا هَذِهِ، أَتعرفُ من جدها؟ هَيَّا اقبضوا عَلَيه لِنُذيقَه طعم الحفيرةِ، ستعرفُ معنى الاعتراضِ، وليحترقَ هؤلاءِ، لَا فرقَ عندنا بينَ الأَطفالِ وَآبائهم.
لَيسَ معي سوى عامر عَمّر اللهُ عُمره، نسرقُ بعضًا من الليلِ، ويخرج لي قليلًا من الخبزِ والتَّمرِ، أَحملُه إِلى الأَيتَامِ، إِذْ قَتلَ آباؤنا رجالهم، حينَ اشتدّتْ بهم النعرةُ القبليّة.
أَيُّهَا العزيزُ مَا ذنبُ الأَطفالِ تركَ فيهم الجوعُ آياتٍ بيناتٍ، يَصفعني بِصوتِه الأَجشِّ لَا تكرر مَا تدعو إِليه، لِيموتوا، هَذَا مَا جَنَوه.
أَحسَّتْ أُمِّي بِمَا أَفعلُ، أَخبرتْهم، نصبوا شباكهم، ومكائدِهم، عَلِمَ عامرٌ بِالنبأِ، جاءني مُسرعًا سيقتلونَك اللَّيلة، أَعدّوا كُلّ شيءٍ، وَأَنتَ تعرفُ أَبَانَا منذُ ثلاثينَ عامًا لَا يقبلُ أَيَّ خُروجٍ عن قراراتِه، إِنّه تفرعن، أَرجوك لَا تفجعني بِغيابك، اللَّيلة لَا تذهب، سَأَبعثُ طفلةً تُخبرُ سَارةَ بِالخبرِ.
- مَا ذَنبُ الجياعِ؟
- لَا ذنبَ لَهم، لو قُتِلتَ اللَّيلةَ، من يساعدهم فِي قادمِ الأَيَّامِ؟ أَرجوك لَا تخرجْ اللَّيلة من البيتِ.
سَمعتُ أَبَانَا يهمسُ لأُمِّنا بِأَنَّه سَيتخلى عنك اللَّيلةِ فِي المجلسِ. يا عامر مَا يعني بقولِه هَذَا؟ عجيبٌ أَن يتخلى الأَبُ عن أَولادِه لِمُخالفته. سامحني عَلَى مَا أَخبرتُك، وَمَا أَرجوه منك إِن كَانَت لديَّ مكانةٌ عندك أَن لَا تفجعني اللَّيلة.
أَينعَ الموعدُ، وضعتُ خنجرًا بِجانبي الأَيسر، وَمسكتُ عصًا أَتوكَأُ عَلَيهَا، خرجْتُ خلسةً، لم يعرف عامرُ بي، معي قليلٌ من الخبزِ والتمر، مَا إِنْ قَربْتُ من ديارِها، زعقَ بي "أَيُّهَا الشَّاذُّ توقفْ، امسكُوه لَا تَدعوه يَفلتْ"، تَكالبوا عَلَيَّ، أَسرعتُ هربًا، يستحيلُ أَن أُواجهَ عشراتٍ، أَركضُ وَأُسرعُ وَمَا أَزالُ قَريبًا منهم. صرختُ بِهم وَأَنا أَركضُ أَنتم ظالمونَ، وراءكم عذابٌ مُستقر.
نَجوتُ بِأُعجوبةٍ من كيدِهم، ساعدَتني سَارة وعامر والمتاع الذي أَعددتُ لِلأَيتامِ، بقيتُ فِي جحرٍ يومينِ، وَبعدَهَا رجعتُ إِلى المُضيف والقوم مجتمعونَ، وَقَدْ حكت لي سَارةُ قلبي بِمَا يُشَاعُ، بِأَنّني لم أَكن ابنًا شرعيًا لزعيمِ القريةِ، وَجدني أَحدُ رجالاتِه قُربَ ساقيةٍ فِي بستانِ نخيلٍ، وَأَخذَني الزعيمُ لِأَنَّ زوجتَه لم تلدْ.
دخلتُ المضيفَ، طلبتُ من الزّعيمِ أَن يَأذنَ لي بِخمسِ دقائقَ أَتكلمُ فِيهَا، رفضَ لكنني قلتُ "الأَطفالُ أَيتامٌ، ونبيُّنا كَانَ يتيمًا، رفقًا بِهم عسى يرفق بِذراريكم النَّاسُ من بعدِكم، هَذَا الإِعلامُ الكاذبُ والكرمُ الزائفُ لَيسَ فِي محلِّه، عليكم بِاليتمِ والجيرانِ، وَقَدْ قَتلتُم من كَانَ يَكفُلُ هَذِهِ النّساء والأَولاد. وَلَا تَسفكوا الدماءَ". تتوالى عليَّ الضرباتُ لِيبكي عامرٌ وَسارة.
منتظر السوادي
8/9/2013