أحدث المشاركات
النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: آثار الخطاب النّقدي الغربي على الآداب العالمية.

  1. #1
    أديب
    تاريخ التسجيل : Sep 2008
    الدولة : أرض الله..
    المشاركات : 1,952
    المواضيع : 69
    الردود : 1952
    المعدل اليومي : 0.34

    افتراضي آثار الخطاب النّقدي الغربي على الآداب العالمية.

    دعوة إلى تبنّي مصطلح:"النّقد الأدبي الثّقافي"..
    لقد تمركز الغرب حول ذاته..ورسم استراتيجية ترويج "هُويّته العلمانية " الغربية عبر مصطلح"العولمة"..لتنتشر كـ"إيديولوجيا"..أحلّها لنفسه..ثمّ منع الآخرين بادّعاءات وهمية ـ مع اختلاف وتنوّع ثقافاتهم ـ من ممارسة "خصوصيتهم الثّقافية"..لقد غشيتها "العلمانية المُعولمة"..وحرّمت على اهل بيتها تداولها..
    فأيّ تدخّل في الشّؤن الدّاخلية للمجتمعات العالمية أكثر من هذا؟؟..وأي اختراق للقيم بعد هذا؟؟..
    تمهيد:
    خُلِقَ الإنسان مفطورا على التّواصل الاعتباطي مع واقعه،فالنّفس البشرية في علاقة متّصلة ،لا تنفصل عن واقعها.هذا الواقع المنبعث من مصدرين رئيسيين هما:
    ــــ أفاعيل الطّبيعة ،وحركية الكون ،يخضع لها الإنسان لأنّه مسيّر فيها ،لكنّه يتكيّف معها وفق شروط الحياة ،وطبقا لنواميس الطّبيعة ،وقوانين الوجود..
    ــــ سلوكات البشر ،وما تفرزه من تفاعلات ،أحيانا تكون اختيارية بإرادته ،فهو مسؤول عنها ،وأحيانا أخرى يتكيّف معها ،لا إراديا فهو مسيّر فيها ..
    وهذه السّلوكات هي آثار فكر فلسفيٍّ ينهجه البشر في حياتهم..فما يتلقّاه المرء من خارجه ،يتفاعل في ذاته باطنيا مع قيمه ،وفكره ،المشكّل لثقافته ،وينتج فعلاً حركيا ،نعتبره سلوكا..
    وبالتّالي ،فكلّ ما هو خطاب ،نُلخّصه في علاقة متواصلة للنّفس البشريّة مع واقعها.
    وهذا الواقع الرّاهن يرتبط فيه الفرد والجماعة بالمصالح الدّنيوية المتّصلة بالآخرة،واحتياجاتهم في مجالها العلمي،الفكري، السياسي، الاقتصادي ،الاجتماعي..
    ندرك من هنا أنّ الخطاب شمِل كلّ مجالات الحياة..ومن هذا الخطاب الفكري العام ورد تخصّص الخطاب الفكري الأدبي ،و"الخطاب الفكري النّقدي في الأدب العربي المعاصر..
    حدود ومساحة النّقد الغربي في الآداب الحديثة:
    سبق الحديث عن طريقة تواصل العرب بالغرب في تاريخنا الحديث ،هذا الغرب الذي فهم واقعه،وارتقى به،وعرف كيف يتفاعل معه تفاعلا إيجابيا..فقد بدأ ببعثات علمية ،درست لغة الغرب ،وتكوّنت في معاهده ،ثمّ راحت تترجم منتوجه الفكري ،ومنه الأدبي ،والنّقدي.
    لكنّ هذا الأدب المنقول إلى لغتنا العربية يحمل ثقافة كاتبه ،وهذا النّقد الغربي الحديث سُيّجَ بشروط فكرية ،تسطّر رغبته في الهيمنة بنشر قيمه للعالم،لا ينبغي للنّاقد تجاوزها،منها:
    ـــ علمنة النّقد : تأثّر النّقد كباقي الفنون والعلوم بمختلف الاتّجاهات العلمية ،فقد صارت العلمانية موضة غربية ينقاد لها الجميع أو يرمى بالتّخلّف ،والتّزمّت .وحتّى يصير عالميا ،لا بدّ له من موضوعية تدفع الذّاتية .كلّ ما يعيق هذا المنطلق وجب التّغاضي عنه..ومن الشّروط التي تحقّق ذلك:
    ـــ حرّية التّعبير:وهي أيضا من منطلقات "حقوق الإنسان المعاصر"،فلا بدّ من ترك المبدع يقول ما يريد ،ولا داعي لمناقشته في أفكاره ،وتوجّهاته. إنّها التّنشئة الاجتماعية المُنْبعثة من أصول المجتمع الطّامح إلى إنتاج فرد صالح تنتهي أخلاقه إلى المُثُل العليا التي توجّه حرّيته الفكرية وتحدّدها ..وإن اخترق هذه القيم فحرّية التّعبير الإبداعي تحميه ،ولا يسأله النّاقد الذي هو ـــ في أصله ـــ مرشد وموجّه..
    ــــ حرّية المعتقد وعزله عن العلمانية:تستدعي العلمانية الغربية عدم تعرّض النّاقد لمعتقد المُبْدِعِ كما له هو الحرّية في معتقده ،وليس له الحقّ أن يفرضه على الآخرين،وبالتّالي فلا داعي أن يسائله عنه.من هنا حًصِرَ بحثُ النّاقدِ في:كيف كُتِبَ النّصُّ أو قيلَ أو شوهِدَ المشهد؟فهو يركّز على طريقة التّأثير ،والتّأثّر و،والإبهار التي تدفع القارئ إلى متابعة القراءة ،والتّمـتُّع بالمقروء ،ومدى استجابته ،ونسبة تأثّره ،والمواقف المتّخذة من باطن نفسه حين نفاذ الوافد الخراجي المقروء إلى "شعوره الباطن"،ومدى قبول أو رفض المنطوق،أو المقروء أو المرئي ..
    التّنكّر للإيديولوجيا: فكر المرء هو نتاج مَلَكَةُ أفكارٍ تغذّاها وغربلها من مختلف المعارف التي تلقّاها .والإيديولوجيا ترجمتها هي"علم الأفكار" ،بمعنى تلك الأفكار التي يتبنّاها الفرد والجماعة في تسيير شؤون الحياة الخاصّة والعامّة ،من هنا استدعت العلمانية ضرورة اجتنابها ،وعدم التّعرّض لها .رغم أنّ "العلمانية" التي تقود الغرب إيديولوجيا محضة إلاّ أنّه خطّط لترويجها وحدها في العالم باعتبارهاّ "هُويّته الخاصّة" حينما نفّر من كل إيديولوجيا معارضة ..ودعا إلى التّغاضي عنها..
    حقيقة توالي النّظريات الغربية:
    عند التّحرّي عن خصائص المناهج النّقديّة الحديثة ،يظهر أنّ بعض دارسي النّقد يجزمون أنّ تتابع النّظريّات النّقدية الحديثة ،وتراكمها فوق بعضها البعض،وعدم توافق ذوي الاختصاص على مصطلحات ،ورؤى ..مرجعيّته كانت وما تزال الرّغبة في التّجديد،ونشدان استكمال الإحاطة الشّاملة بالنّصّ .فما تظهر نظرية جديدة ،وبمجرّد ما تشرع في إرساء أطنابها في عمق النّصّ الأدبي حتى تزاحمها أخرى مبتكَرة ،تحشر ما أتيح لها من عيوب سابقتها ،وتكشف نقائصها لتثبت شرعية وجودها ،وتحظى بالقبول والتّوافق ،مبشّرة بأدوات إجرائية أدقّ،وأعمق،وأشمل،وهكذا تواترت.. و راحت النّظريّات تترى ،الوافدة تحاول أن تلغي الرّاكدة ،دون جدوى في إقرار نظرية شاملة تحيط بكلّ تفاصيل النّصّ الواحد..
    إنّه العراك العلمي ،والتّنافس الشّريف الذي لا ترضيه إلاّ الاستمرارية ،والتّتابع دون توقف أو كلل ،متساميا دوما نحو الأعالي ،مسترصدا مستجدّات الواقع بأحداثه،المتراكمة ،المتداخلة ،المتوالية ،وتأثيراتها في الإبداع المواكب لها..وبدون هذا ،سيكتنف الحياة الرّكود والتّقليد ،ويصاب الفكر بالجمود ،فالابتكار ،ومواكبة الجديد الحادث سنّة من سنن الحياة..وقيادة النّقد لها أو متابعتها دلالة صحّة وسلامة.
    لكن جنوح النّفس إلى تحقيق المصالح الخاصّة قد يعميها عن تبصّر الحقائق العلمية ،وخضوع العقل لرغباتها يفسد كلّ ما له صلة بعلم وينقل البحث العلمي وما يتّسم به من موضوعية وتجرّد إلى ذاتية أهواء وتمرّد.،ومنها الرّغبة في الهيمنة التي تدفع أطرافا إلى توظيف الأدب والنّقد لخدمة أهداف استراتيجية خاصّة .هواجس حبّ الشّهرة ،والظّهور عند الغرب هو سبب الاضطراب النّقدي،وسبب آخر موضوعي هو آنية الإبداع الحاضرة واستشرافه للمستقبل باعث آخر على محاولة النّقد ترصّد خطواته..في كلّ الأحوال تبقى هذه النّظريات دلالة على ازدهار الحياة الفكرية الغربية ،وثراء للأدب والنّقد والفكر..
    وهي نتاج حضاري راقِ في خدمة الإنسان حينما يستقيم سلوكه باستقامة الفكر المنتج له..
    فإذا كان الفرد متّفق مع الجماعة في المنطلق الفطري المنبعث من صميم هُوِيَّتِهِم المعبّر عنها بـ"مقوّمات الشّخصية" ،وذلك حينما يتطابق موضوع الواقع مع النّفس ،سادت الطّمأنينة ،والاستقرار و،الهدوء،والأمن،وانطلقت الجماعة مرتقية نحو الأعلى ،وانبعثت قدراتهم تبدّد أشكال الضّعف ،وتبني مراكز القوّة نفسيا واجتماعيا..
    يهتدي القارئ لهذا الكلام أنّ هذه الأسس والشّروط الفكرية الضّمنية غير المصرّح بها ـ حاصرت النّاقد ،وحظرت عليه مناقشة الكاتب أو المُخرج في مضامين أفكاره ،وقد صار النّقد تقنيا محضا بحجّة عالميته،يتحدّث النّاقد عن أنساق الخطاب ،والكيفية التي شكّلت خيوطها متناسقة فأنجبت "نَظْما" ،فهو يستعرض "الصّورة الذّهنية" للنّصّ المركّبة من صوره الجزئية دون كشف عيوبها.إلاّ أنّ ثقافتنا العربية الإسلامية تجعل "المُعتقد" هو القائد لكلّ حركة وسكون..وهنا محلّ الخلاف بين الثّقافتين..انظر"صورة المعتقد والثّقافة".. وقد بلغ الغرب هذا المبلغ حينما اتّفقوا على مبادئ فلسفة حياتهم..حتّى أنّهم صاروا اتحاد أوروبي مهما تباينت ظاهر ثقافاتهم ..فمصدرها واحد.."العلمانية"..ومنها تتفرّع الرّؤى للحياة متنوّعة دون تأثير سلبي في إنسان الغرب..
    لكنّ العرب وأراضي المسلمين امتزجت ثقافتهم الأصيلة بثقافة الغرب تابعين منقادين..وهذا ما جعلهم يمسكون بطرفي عصا متناقضين..
    قد نستخلص من هنا أن وجود فلسفتين أو "إيديولوجيتين "متناقضتين في مجتمع ما ،لَهُوَ عين التّهالك التّدريجي،والانحطاط الدّؤوب،والانحدار نحو التّلاشي ،والذّوبان في الآخر ،أوالتّيه المزمن،الذي لا خروج منه إلاّ بتصفيه الفكر الفلسفي من دواخله..
    لن تنطلق أمّة نحو الأعالي دون تثبيت فلسفتها في وجود أبنائها..هذه هي أزمة الفكر العربي الحقيقية..ومفتاحها من هنا..وأي بحث خارج هذا المجال هو ضرب من المُحال..
    أسئلة تحليل الخطاب:
    يقوم تحليل الخطاب ـ عادة ـ على أسئلة متكاملة تفي بغرضه :
    ــــ من؟ وهو الشّخص الفاعل للنّصّ "المبدع" أو الرّاوي الذي حدّثنا "في السّرد" أو الشّخصيات البطلة والثّانوية..
    ـ متى ؟وهو اسم يدلّ على زمان صياغة النّصّ أو الفترة التي تحدّث فيها النّصّ..
    ـ أين؟ وهو اسم المكان الدّال على البيئة التي قيل فيها النّصّ أو الأمكنة التي دارت فيها أحداث السّردية..وللإنسان عموما علاقة بالمكان ،وفي تفاعل مستمرّ..
    ـ لماذا؟ وهو اسم يكشف عن الأسباب والدّوافع والبواعث التي أرسلت المقولة المُبْدَعَةَ ،وهو المناسبة الدّاعية إلى الكتابة أو البوح ..
    ــ ماذا؟ وهذا السّؤال يقودنا إلى معرفة مضمون النّصّ ومقصديته ..وهو السؤال الجوهريُّ الذي تغاضى عنه النّقد الغربي،بفعل شروط العلمانية والعولمة..
    ـ كيف؟وهو دلالة الأسلوب أو المنهج الذي صيغ فيها المقول شفهيا أو مشهديا أو كتابيا..
    من؟متى؟أين؟لماذا؟هي مركبة المناهج السيّاقية،ولها الحظّ الوافر في تفسير دلالاته ..
    ماذا؟منعت الأسس السّابقة المذكورة التي أقرّتها المؤسّسة الثّقافية الرّسمية لأنّ ولوج ساحتها يعني كشف آثار مضامينها على المتلقّي،وفضح أساليب الهيمنة الموجّهة إلى المتلقّي الذي يُرتجى منه التّأثّر بها ،والانسياق لها ،وفي ذلك توجيه للرّأي العام ..خاصّة "المرئي" المُعوّل عليه في واقعنا الرّاهن ،والدّليل هو الإعلام والإعلام المضاد أثناء الحروب الدّائرة ،حيث تسعى كلّ جهة هي طرف في النّزاع إلى إقناع المتلقي المشاهد بوجهة نظرها ،وأحقّيتها في نصرة قضيّتها لتجنّده معها..
    محاولة اختراق المأزق:
    تحدّث الدّارسون المعاصرون عن "المناهج النّسقية الحديثة " واقتنعوا من تجرّدها من كلّ الأسئلة السّابقة في التّحليل سوى سؤال"كيف؟"الذي بقي حاضرا..
    لهذه الأسباب التي كشفت عن قصور هذه المناهج ـ ولو مجتمعة في "التّداولية"المنتقاة من عدّة أدوات إجرائية ـ في بلوغ دراسة شاملة كاملة للنّصّ المبدَع ..ظهر ما يصطلح عليه بـ:"النّقد الثّقافي" الذي يترك الجماليات الفنّية للمناهج الأدبية ،ويطرق مباشرة سؤال"ماذا قيل في النّصّ" ..وقد عُرِّفَ بأنّه:"كشف عيوب الخطاب"..
    والغاية واضحة منه إذْ يهدف إلى تقويم الجانب الثّقافي في النّص،وينبّه المتلقّي إلى ما يسيء أو يشوّش على ذهنه أو يجانب ثقافته ،ويزجّ به في أحضان ثقافة أجنبية..وهنا طرح أحد الدّارسين مفهوم"الخصوصية الثّقافية" ،ودعا الأطراف المهيمنة إلى ضرورة احترامها حتّى لا يذوب مجتمع في آخر ،وحتّى لا تطغى ثقافة على أخرى أصيلة في مجتمعها لأنّ في ذلك فوضى اجتماعية تهدّد استقرار الأمم..
    ولأنّ الفرد مهما ادّعى التّجرّد من الإيديولوجيا فالعلمانية ذاتها إيديولوجيا ،ولن يستطيع مفكّر التّجرد من معتقداته أثناء التّفكير لأنها مصدره ومنبعه الحقيقي..فما يراه المبدع باطلا قد يكون في ثقافة أخرى حق ،والعكس..وما يرضي هذا قد يغضب ذاك لأنّ الثقافات تختلف ،ويستحيل إذابة كلّ مجتمعات العالم في ثقافة واحدة ..فهذه عين الاستدمار..
    تسعى دراسة الخطاب النّقدي الحديث إلى محاولة بحث الإجراءات المنهجية التي تجعل المتلقّي يمتلك الخطاب الموجّه إليه ،ثمّ فرزه،ثمّ إبداء موقف منه بالتّعاطف أو المقت،القبول أو النّفور،ومدى زيادة صداه في النّفس والانشغال به أو العمل على لفظه من الذّاكرة عبر نسيانه،وهذا يجمعه كلّه مصطلح"سلطة القارئ في التّلقّي"،وهذا القارئ لابدّ له من مختصّين في مجال الرّسالة الموجّهة إليه يرشدونه،بطريقة تعريضية ،وذلك حينما يكشف "القارئ النّموذجيُّ"للقارئ البسيط سوء تقديره للأفكار،أو خطئه في تناولها أحيانا فيبصّره بالموقف الذي يصلح في المجتمع الذي يعيش فيه..
    أهمّية الخصوصية الثّقافية:
    لقد اتّفق الغرب على مبادئ فكره ،وأقرّته مؤسّسته الثّقافية الرّسمية،ونسج خيوط مسيرته ،فانطلق من وسط ظلامه إلى نور الدّنيا بالرّيادة والهيمنة.وعبّد طريقه بالتّوافق الكلّي..وذلك بعد أن أخذت الفلسفة قسطها من مخاضها العسير،وحدّدت المساحات،ورسمت الطّريق،منطلقا بلا عودة ..
    وقد أقرّت المؤسّسة العربية الثّقافية الرّسمية ما أقرّته المؤسّسة الغربية بحجّة عالمية النّقد ،وموضوعيته،فوقع النّقّاد العرب في مأزق التّقليد الأكاديمي الذي حجز عنهم كلّ رؤية جديدة.وظلّت قراءاتهم النقديّة توثّق من الدّراسات النّقدية الأكاديمية الغربية ،واللاحق يوثّق من السّابق ،فوقعوا في سجن ما يصطلح عليه بـ"التّوثيق العلمي"الذي مصدره الغرب،رغم أنّ دراساتهم تدرج في نطاق "المركزي".
    وقليل هم الذين يتجرّأون ،ويخترقون هذه التّقاليد الأكاديمية ،فيكتبون قناعاتهم العلمية بعد تفكير علمي مُضْني،يتوخّى مادّته من واقع الأحداث التّاريخية ،وما صاحبها من حالات نفسية ،ومواقف اجتماعية ليدرك الحقائق..
    ورغم واقعيتها ،وجدّيتها ،وخروجها عن المألوف إلى ابتكار الجديد إلاّ أنّ مقولاتهم تظلّ في ميزان"المؤسّسة الثّقافية الرّسمية"تلفظ خارج المؤسَّسة ،وتوسم بـ"الهامشي"،وربما تفسر لنا حالة"مالك بن نبي"هذا الادّعاء..وكأنّ الاستمرارية الغربية المسيطرة في مجال تقنيات الدّراسة في مجال العلوم الإنسانية التي تدفع حتما إلى التّماهي في براثن التّبعية ،وإعلان المغلوبية أمام "الغزو الفكري"الذي عمَّ حتّى صار"عولمة"،ليس لها نهاية..
    لا ننكر أبدا أنّ هذه المناهج الأدبية النّقدية الغربية التي يمارسها النّقّاد العرب على المنتوج العربي قديمه وحديثه صحيحة ودقيقة ،ومفيدة بكلّ ما أوتي النّقد من أسس سليمة،لكنّ إحاطة السيّاسة بها ،ورغبة المفكرين الغرب في جعل النّقد عالميا كباقي العلوم ،حصرتها في مفهوم التّقنية والشّكلية..هم أنفسهم أوقعتهم في أزمة الاستحواذ على الغير ..بنشر هُوِيّتهم "العلمانية"،وتصديرها إلى العالم ..فخالفوا المبدأ العلمي..
    إنّ أدواتها الإجرائية صالحة تقنيا ،لكن الإشكال يبقى في "المضمون" الذي يعبّر عن الثّقافات ،ومدى استقامتها ،ومفعولها في الجيل القارئ..
    ولهذا السّبب ظهر"النقد الثّقافي" الذي يكشف "عيوب الخطاب"..
    لكن حينما نأخذ الحسنات من الطّرفين يتشكّل لنا مصطلح جديد ،مزيج بين النّقدين هو:"النّقد الأدبي الثّقافي"،ندرس في مجاله الأدبي الجماليات الفنّية للنّصّ الأدبي،ونكشف عيوبه ـ إن وجدت ـ في شقّه الثّقافي..
    لقد انطلق الغرب من فلسفته التي اقتنع بها ،ووثق فيها فنجح في اعتقاده ولم تقحم عليه أمّة أخرى شيئا..بل تعالى عن ثقافات الغير..في حين مايزال الغير منبهرين فيه..
    فإذا سلّمنا بأنّ المعتقد هو مصدر كلّ تفكير ،وعلمنا بأنّ معتقد الغرب هو في علمنة الحياة بالعقل والتّواضع على قوانين استخلصها العقل المحض في تسيّر الحياة،فإنّ معتقد المسلم ينطلق من وحدانية الله ،وما ينجرّ عنه من تفكير في الامتثال للأوامر والنّواهي ،وآثاره في السّلوكات التي حتما هي ترجمان تلك التّوجيهات..
    من هنا يظهر التّناقض بين الفلسفتين أو الثّقافتين ،وما يتبعهما من تفكير ينبثق عنه سلوك..
    والصّفة الجامعة بين أبناء كلّ البشرية ،هي"القيم الإنسانية النّبيلة" التي تتميّز بالعدالة في الحوار والمعاملة..
    والمسلم لايقتنع ،ولا يثق إلاّ في فلسفته الإسلامية التي تضع للمسلم فضاء خاصّا به..والإسلام يكاد يكون معطّلا في العلوم الإنسانية بفعل سيطرة النّظريات الغربية عليه،لأنّ مبدأ الغرب العقلاني والمنطق اعتبر الدّين "إيديولوجيا"التي أنزلها من قطار الحياة لتسير راجلة.فالإيديولوجيا ليست من أسس البحث العلمي بل جرثومة في نظر الغرب ـ تفتك به ،هكذا هو التّنفير من الإيديولوجيا..حتّى وإن كانت "العلمانية" وحدها إيديولوجيا" محضة غير مصرّح بها،فلا يجب أن تنافسها إيديولوجيا أخرى حفاظا على وحدة العالم في اعتقادهم..قصد الهيمنة عليه..
    إنّ من يكتب خارج فلسفة أمّته يعزله مجتمعه..وإذا قرئ منتوجه سيقابل عند الكثير بالسّخرية والاستخفاف..
    انتهى عهد التّنويم،وانطلق عصر التّنوير..

  2. #2
    الصورة الرمزية كاملة بدارنه أديبة
    تاريخ التسجيل : Oct 2009
    المشاركات : 9,824
    المواضيع : 195
    الردود : 9824
    المعدل اليومي : 1.85

    افتراضي

    وقد صار النّقد تقنيا محضا بحجّة عالميته،يتحدّث النّاقد عن أنساق الخطاب ،والكيفية التي شكّلت خيوطها متناسقة فأنجبت "نَظْما" ،فهو يستعرض "الصّورة الذّهنية" للنّصّ المركّبة من صوره الجزئية دون كشف عيوبها.إلاّ أنّ ثقافتنا العربية الإسلامية تجعل "المُعتقد" هو القائد لكلّ حركة وسكون.
    ركزّوا على المبنى دون المضمون.. وقد لاقت مدارس الشّكلانيين رواجا بين النّقّاد على حساب المهتمين بالفحوى.
    مقالة مثرية ورائعة
    بوركت الجهود
    تقديري وتحيّتي

  3. #3
    أديب
    تاريخ التسجيل : Sep 2008
    الدولة : أرض الله..
    المشاركات : 1,952
    المواضيع : 69
    الردود : 1952
    المعدل اليومي : 0.34

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة كاملة بدارنه مشاهدة المشاركة
    ركزّوا على المبنى دون المضمون.. وقد لاقت مدارس الشّكلانيين رواجا بين النّقّاد على حساب المهتمين بالفحوى.
    مقالة مثرية ورائعة
    بوركت الجهود
    تقديري وتحيّتي
    شكرا الأخت المحترمة..كاملة بدرانه على المرور الكريم والتعليق الحكيم..
    الاستعمار ..انتشر .. وغشي المعمورة بفكرة"العولمة"..
    لقد تجاسروا على "الخصوصيات الثقافية"..
    ولا مخرج للشعوب إلا بالعودة لـ:"الهُوية الأصلية" لمجتمعاتهم..
    بالغ تقديري..

المواضيع المتشابهه

  1. دوحـــــــــــــــة الآداب..لشاعر الوطن:بشار ابو صلاح
    بواسطة بشار ابو صلاح في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 19-08-2010, 02:13 AM
  2. زهر الآداب وثمار الألباب
    بواسطة د. مصطفى عراقي في المنتدى المَكْتَبَةُ الأَدَبِيَّةُ واللغَوِيَّةُ
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 12-09-2008, 11:09 AM
  3. دوحــة ُ الآداب
    بواسطة محمد فقيه في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 35
    آخر مشاركة: 19-02-2007, 07:37 PM
  4. الآداب الإسلامية للناشئة
    بواسطة د. عمر جلال الدين هزاع في المنتدى أَدَبُ الطِّفْلِ (لأطفالنا نحكي)
    مشاركات: 44
    آخر مشاركة: 26-11-2006, 01:41 AM
  5. دراسة جديرة بالاهتمام : التفكير النقدي والمدرس، أية ممارسة ؟
    بواسطة عطية العمري في المنتدى الإِعْلامُ والتَّعلِيمُ
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 20-10-2005, 08:59 AM