أحدث المشاركات
النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: بعلم الأمم .. لمحمد محمود شعبان

  1. #1
    الصورة الرمزية محمد محمود محمد شعبان أديب
    تاريخ التسجيل : Jan 2012
    المشاركات : 2,176
    المواضيع : 158
    الردود : 2176
    المعدل اليومي : 0.49

    افتراضي بعلم الأمم .. لمحمد محمود شعبان

    ( بِعِلْمِ الْأُمَمِ )
    قصة لـ / محمد محمود شعبان
    إنها الرواية السابعة لي وستُطرح في الأسواق قريبا بدون شك، كان الدكتور ( زايد ) نهار اليوم حين أحضرت له الرواية الجديدة جالسا بمطعم فندق شيراتون القاهرة سعيدا والفرحة تتلألأ في تجاعيد وجهه وتخفف من حدة الهالات السوداء أسفل عينيه، ليس احتفاء بالرواية، إنما لإتمامه قبيل وصولي مباشرة صفقة رابحة مع شركة صينية لتوريد سجاجيد الصلاة والمسابح وساعات الأذان، وعندما جلست إلى المائدة الكبيرة قال لي :ـ وجهك حلو علينا يا ( رغد ) الصفقة هذا العام ستربح الملايين، عجبا لهؤلاء الصينيين لا أدري ماذا يعبدون؟!، لكن عقولهم ذرية أليس كذلك يا رغد؟. سألني ثم توجه للمترجم بسؤال عن ملتهم فرد قائلا:ـ بوذيون..
    أراد أن يشركني في الحوار لكنني كنت على عجلة من أمري، فأنا ألتقي الدكتور زايد كل عام تقريبا في هذا المكان ودائما في موعد الغداء، ودائما لا أتناول شيئا، رميت له كلمات لعل البعيد يفهم أن بناتي في انتظاري ولابد أن الجوع أكل أمعاءهن، ويجب على الانصرف. قلت ذلك حينها وليس أحب إلى نفسي من جمع كل صنوف الطعام أمامهم وأضعه في حقيبتي الصغيرة وليتها تكفي، فوجئت أنه استذوق هذه المرة فأمر النادل بتغلف طعامي. قلت في نفسي :ـ يا لك من ملياردير بخيل، تتاجر في كل شيء وتشارك في كل شيء، ودار النشر خاصتك بكل فروعها أشهر دار نشر في الشرق الأوسط، وتحضر للقاهرة لتنفق الألوف على سهراتك ورحلاتك ومزاجك، وبعد كل هذا تتمطى وتأمر النادل بتغليف قطعة لحم استيك ورغيف خبز والقليل من المكرونة، لا بأس سأقلي بعض البطاطس بجانب هذا النذر اليسير من الطعام لتأكل البنات ويمر اليوم ...
    كنت أحسبه يهزر عندما همس إلى وحدثني عن رغبة الصيني الذي يجلس عن يمينه في التعرف إلي، لكن إلحاحه جعلني أحتقره أيما احتقار، وعندما أحس امتعاضي وتململي، قال :ـ ولو أردته زواجا على سنة الله ورسوله... منعت ضحكي ولم أستطع الرد، فأردف قائلا:ـ المهم أن الرجل معجب بك ويريد أن يجلس معك بعض الوقت، لا تردي الآن هو أمامه أسبوع هنا في القاهرة وسأنتظر منك اتصالا.
    وجب أن أنصرف، وأبحث عن تاكسي بسرعة، فموعد ( مدام همت ) كان بعد ساعتين ولا يجب أن أتأخر عن هذه المتعجرفة الحمقاء، تصنع من الحبة قبة، وتتكبر برتبة زوجها المتقاعد، لفت نظري سائق التاكسي ووجه الأبيض المُحْمَرّ بفعل درجة الحرارة المرتفعة، وازدحام السيارات في الإشارة، ارتفع ضغط دمه فجعل ينفث وهو يقبض على المقود بعصبية ويقول :ـ يارب عدي النهار ده على خير. قالها وهو يشير لضابط مرور يستقل دراجته النارية، ويرتدي نظارة شمسية سوداء فخمة، ثم حيَّاهُ قائلا:ـ مساء الفل يا هشام باشا ربنا يخليك لينا ولا يحرمناش منك. لم يلتفت له هشام باشا ولم يرد عليه التحية حتى. ذكّرني هذا السائق البائس بـزوجي الحبيب ( بسام ) المسكين، وهو يرفع وجهه إلى السماء قائلا في صياح لا يزال صداه يتردد في أذني :ـ هوِّن ها النهار ع عبادك يا كريم. حيث كنا نهرول تارة ونمشي تارة ونختبئ تارة.
    لا أتصور أن هذا اليوم الأسود مر عليه سبع سنوات، لا أنسى أبدا ( بسام ) وهو يحتضن مجموعته القصصية القصيرة التي أعدها للطبع والنشر طوال الطريق التي قيل عنها إنها ممر آمن، والأمم المتحدة كانت على علم به. ولولا ( بسام) لكُنت أنا وبناتنا الثلاث الآن في خبر كان ومدفونين هناك على مشارف ( القنيطرة ) بجوار أشجار التين المجتثة بعضها من أصولها والمحترقة بعضها الآخر وهي قائمة على جذوعها، ما زلت أذكر ذلك الشعور وكأن العناية الإلهية قد تجسدت في صدرك الحنون وأنت تحتضننا كدرع واق منيع، وليتك لم تفعل ـ يا حبيبي ـ، ليتك لم تفدنا بنفسك، ليتك تركت تلك القذيفة تحصدنا جميعا معك،. عزائي الوحيد أني ما زلت على وعدي معك وأنت بين ذراعي في نزعك الأخير، ستنشر مجموعتك القصصية الخاصة التي لم يذهب عن أوراقها دمك الطاهر بعد، نعم ستنشر باسمك أنت لا باسم أحد غيرك، تخليدا لذكراك. ولا يضيرني أبدا أن كان ثمن ذلك وضع اسم الملياردير البخيل على رواياتي السبع بدل اسمي، أو البقاء مع المتعجرفة الحمقاء في بيتها أخدمها هي وزوجها العجوز المتحرش خدمة العبد للسيد.
    تمت 18/4/2014
    أسعدني بإضافة facebook
    mohammad shaban

  2. #2
    مشرفة عامة
    أديبة

    تاريخ التسجيل : Aug 2012
    المشاركات : 21,113
    المواضيع : 317
    الردود : 21113
    المعدل اليومي : 4.95

    افتراضي

    مؤلمة قصتك ـ واقعية مؤثرة، جاءت أحداثها بسرد جاذب رائع متماسك
    وحبكة تقوم على فكرة قوية ـ ونهاية مباغتة تقول الكثير.
    محمول موجع من واقع مأسوف عليه.
    دام لك القلم طيعا والخيال خصبا.
    تحياتي وودي.
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  3. #3