ليلة الدخلة
ليلة الدخلة:
هناك في القرية حيث الحياة العائلية والعرف يحكم ظاهر القرية وباطنها
والخوف من ألسنة الناس يقدم على الحكمة في القول والفعل
فالعرف طوفان يسوق الكبير والصغير إلى قوانينه
جلس الأب الفقير مع الأم يتشاورون في زواج ابنهم البكر
فقد كبر وصار شابا وجميع اقرانه قد تزوجوا وانجبوا
والفقر يرسم سلطته على وجوه الأب والأم
والابن ساخط منهما
فكل جيرانه يرمقونه بنظرات قام الفقر بتحويلها إلى طعنات في قلبه وشخصيته
فبدأ الإنكسار يسيطر عليه وبدأ يهرب من أصحاب طفولته
وبدات الغربة تحاكمه وصارت جدران غرفته سياطا تلهب جسده
فأين يذهب ؟
فطرق القرية قد اشتكت من اقدامه والشمس ملَّت من رؤيته
وفي ظل هذا الصراع وذلك الحصار وإذا بالباب يطرق
فيزداد الغم غما فمن الطارق وهذا حالنا والبيت يخلو من الفرح والكرم
فقام الأب وأقدامه تتخبط فمن هذا الطارق ؟وماذا يريد ؟
فمد يده المرتعشة ليفتح الباب والقلب يكاد ينفجر من ضرباته
وببطء يفتح الباب وصرير صوته يزيده رعبا
ليجد امامه مرابي القرية يحمل كيسا من الفاكهة
فيدخله واللسان قد شلت حركاته
فيسلم عليه وبرودة يده تعلن استسلامه ويشير له إلى مكان جلوسه
فيجلس كأنه صاحب الدار
فينظر يمينا ويسارا
ويتطلع إلى صاحب الدار فيطلب منه الجلوس
فهو يحمل من الزينة والأماني الكثير
فيبدأ بتقديم فاكهته إلى صاحب الدار ويشوقه إلى طعمها
فيضرب له الأمثال
فشباب القرية قد ساهم هو في تزويجهم
فتلك السعادة التي تراها هنا وهناك من نتج اعماله وحكمته في إدارة الأموال
والأمر بسيط فكل ما عليك ان تقترض منه المال الذي تحتاجه فتبني دورا علويا للشاب الذي كبر
والأم تشاور من خلف الباب أن وافق
والمقابل أن تجعل هذا البيت رهنا لذلك
والاوراق جاهزة والاموال جاهزة
وغاص به الشيطان في فرح ابنه وغاص به في رقص الشباب وغاص به في سعادة والدته وغاص به في متعة ابنه وغاص به في لعب اطفاله امام عينيه
فيحمل يده المرتعشة ليبصم ويختم الاوراق وما اكثر الشهود فالطهارة صارت مرضا خبيثا الكل يشارك في زوالها
واخذ الربا
فقام ببناء الدور العلوي والسعادة بدأت تحبو إلى قلب ابنه الشاب الذي يحلم ثم ما لبث ان صارت نارا تغمر جسده وهجا
وتم البناء
وتم تزبين الدار
فقامت امه باختيار العروس المناسبة ووضِعَت الشروط وفق العرف الحاكم وحُدِد يوم الزفاف
وجاء يوم الزفاف
فهنا الزمن هو من يأتي ولسنا من نذهب إليه وشتان بين المعنيين لمن يفهم
فعُلِقَت الزينة ودُقت الطبول بين النساء وتراقص وثمل الرجال
والأطفال تمرح هنا وهناك
وأغلق الباب على العروسين
وفشل العريس في الغاية والهدف
والليل يسرع في ذهابه
والعريس يسدل من ستائر غرفته فالجداران تنظر إليه
والكل ينتظر خبر نجاحه في مهمته وغايته
وتخرج الشمس من مخبأها فتلهب عينيه وقلبه وعقله
والإذن تسمع المزمار قادما يحمل هدايا صباحية يوم عرسه
والقلب يصرخ ابتعدوا لا أريد سماعكم ولا رؤية وجوهكم
فبعد قليل سينكشف المستور
وتعلم ام عروسه بفشله
ويصبح حديث أهلها ثم حديث القرية
فيستغيث بأمه وابيه أن انقذوني
فتذهب الأم مسرعة إلى ساحر القرية
فيخبرهم أن الجن يملأ المكان ويمنع عن الرجل رجولته
فيعطونه ما تبقى من المال
فيعدهم ويمنيهم ويزين لهم
ويطول الزمان
ويدب اليأس بالمكان
فتطلق العروس وتأخذ فرشها
فيفرغ البيت من فرحه
ويصبح الغم هواءا للبيت في شهيقه وزفيره
فيغلقون الشباك والباب
وتمر الايام
وإذ بالباب يطرق
فترتعد المفاصل وتشل الاقدام فتذهب الام لتفتح الباب
وإذ بالمرابي يطالبهم بتسليمه البيت قبل أن يعلن ذلك بين الجيران
فيسترحمونه وهم يقبلون الأقدام فلا يجيب
فيسألونه ان يتريث حتى الليل وظلمته فيخرجون من القرية في ظلمته وظلامه
فيعطيهم ذلك
فيشكرونه على كرم جوده وفضله
ويخرجون
ليقيم المرابي والساحر والعروس عرسهم الجديد ببيت جديد
وهكذا قد اخذ الشيطان البيت والمال والعروس
وهكذا ياخذ البيت الصغير والبيت الكبير بمائه وهواءه وزرعه
ولا عزاء للجهلة و الأغبياء
رد مع اقتباس
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ناديه محمد الجابي
