هل في هذه الآية الكريمة خطأ لغوي؟

يقول الله تعالى متحدثا عن نبي الله يوسف في سورة يوسف: ((إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ (4)))، هذه الآية الكريمة من كتاب الله تعالى قد جاءت بجمع المذكر السالم، وتعريف المذكر السالم هو ما دل على اثنين بزيادة الواو والنون في آخره عند الرفع، وزيادة الباء والنون في حالتي النصب، ومن أمثلة ذلك: نجح المجتهدون، وأثنيت على المجتهدين، وفي الآية الكريمة قال الله تعالى: ((رأيتهم لي ساجدين)) فهذا الجمع جمع للمذكر السالم ولكن الذين تم الحديث عنهم ليسوا عقلاء، فأحد عشر كوكبا والشمس والقمر لا يدخلون لغة ضمن العقلاء حتى يخاطبوا بجمع المذكر السالم، فجمع المذكر السالم لا يكون إلا للعقلاء، لا يكون للجماد، لا يكون للمتحرك غير العاقل كالحيوان والسمك والحشرات..، فكان الواجب لغة أن يخاطبوا بالمفرد أو بجمع المؤنث السالم وليس بجمع المذكر السالم فيقال عن الكواكب والشمس والقمر: "رأيتهم لي ساجدات"، وليس "رأيتهم لي ساجدين"، فكلمة "ساجدين" جمع مذكر سالم يدل على العاقل والمخبر عنه غير عاقل، فشرط الجمع في المذكر السالم لغة يجب أن يدل على العاقل، وجمع المذكر السالم هنا لم يعبر به عن العاقل، لم يأت بالعقلاء حتى يكون الجمع جمعا مذكرا سالما ويكون التعبير صحيحا لغة، فهل هذا خطأ في القرآن؟
والجواب على ذلك أن الآيات الكريمات بدءا من قوله تعالى : ((إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ (4) قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ (5))) وانتهاء بقوله تعالى في نفس السياق: (( وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (6)، هذه الآيات الكريمات تدل على أن يوسف على نبينا وعليه الصلاة السلام قد تلقى الوحي عن رؤياه التي رأى، تلقى تأويلا من الله لرؤياه قبل أن تحدث فعلم بما سيحدث، أنبأه الله تعالى أن المعنيين بالسجود والمعبر عنهم بالكواكب هم إخوته، وأن المعني بالشمس والقمر هما أبواه، وأبواه وإخوته لا يصح جمعهم جمع المؤنث السالم لأنهم عقلاء ولذلك عبر بصيغة جمع المذكر السالم، ولو أنه قال مثلا: "ساجدات" ثم ظهر التأويل فيما بعد حين حكم يوسف مصر ودعا أبواه وإخوته للحضور إلى مصر ثم خروا له سجدا لكان هذا هو الخطأ عينه، فكانت اللغة العربية لغة ليس غيرها يصلح لمثل هذا التعبير، وكان القرآن الكريم هو الذي يصحح الأخطاء اللغوية وقد اعتمده النحويون الفحول كسيبويه وابن جني والكسائي وغيرهم من عظماء اللغة وعلماء العربية.
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــ
محمد محمد البقاش
طنجة في: 03 غشت 2021م