أسمحو لي أن أقدم لكم هذه القصة للأديب راضي الضميري
والتي كانت مختبأة بين طيات موضوع آخر في الواحة

* فكرة من العالم الثالث *
فكرت كثيرًا ماذا سأكتب ليلة البارحة ، لكنّني كلما شرعت في الكتابة كانت أفكاري تتجمد بعد أول سطر ، الفكرة جميلة ، لماذا لا تتجاوب معي ؟ هكذا كنت أسائل نفسي ، ثمّ أعود لأحذف ما كتبته ، فأنا مثل المازوت أحتاج إلى وقت قبل الإقلاع ، ثمّ عدّت فكتبت من جديد لكنّهاهربت مني مرّة أخرى ، حاولت اللحاق بها ودائمّا ما كانت تسبقني بمسافة طويلة ، تعبت من الركض خلفها ولا جدوى ، ثمّ توقفت ، ثمّ حذفت ما كتبته ، فإذا بالفكرة تعود من جديد ، وبكل تفاصيلها ، يا إلهي كم كنت مقتنعًا بها ، لدرجة أنّني اعتقدت أنّني وبقليل من الحظ قد أنال عليها جائزة التعيس نوبل ، ماذا أفعل لكي لا تهرب مني ثانية ؟
بعد طول تفكير رأيت أنّ أفضل حلّ هو أنْ أصنع لنفسي كوبًا من الشاي ، فلعلّ البرد هو السبب ، وهذا الغطاء الذي ألتحف به يخذلني من حيث لا أدري ، ولم يقم بمهمته كما يجب عوضًا عن تلك التدفئة المركزية أو حتى الثانوية والتي لا نعلم في أي قرن سيتمتع بها أحفاد أحفادنا .
ذهبت إلى المطبخ- مع الاعتذار طبعًا لكل المطابخ والسيراميك الذي نشاهده دائمًا في المسلسلات التركية والمكسيكية والعربية على إطلاقي لهذه التسمية ، وعلى كل حال اللهم لا حسد - وضعت الماء في إبريق أذكر أنّ لونه كان فضيًا – بالشكل – ووضعته على الغاز وعبثًا حاولت أنْ أشعله ، لكنّه أبى واستكبر ، فالتمست له العذر لعلمي أنّه يعاني مثلي أو ربما نفد منها الغاز ولم أنتبه لهذه المسألة ؛ رغم أنّني لم أضعها في حسباني عندما صدّقت على موازنتي لهذا الشهر ، وهذا يعني أنّني سأضطر لإعادة النظر فيها وإعادة الجدولة من جديد ، لكن لا بأس ربما أكون مخطئًا وعلى أية حال سأكتشف ذلك بعد قليل ، أبعدت عن ذهني سوء الظنّ هذا ، لكنّني لم أحتمل أنْ تضعني أمام الأمر الواقع ، فنهرتها فهي عبد مأمور لي، وعصيانها هذا قد ينسف فكرتي التي ترسخت تفاصيلها في ذهني ، وبعد قليل من الهزّ بدا وكأنّها قد رضيت عني أخيرًا ، فبدأت أهزّها بشدة و بكل ما لديّ من قوة ، ها قد بدأت تشتعل ، ولكن ليس كما ينبغي ، لم أستسلم ، وتابعت عملي بكل ما تبقَ لي من قوة ، ها قد بدأت النيران ترتفع شيئًا فشيئًا والبخار بدأ يتصاعد ، شعرت بفرح كبير لهذا الانتصار الكبير الذي حقّقته على الجماد ، ثمّ عدت من فوري إلى غرفتي لأحضر الشاي ، وأنا ألعن الفئران التي أرغمتني على إخفاء الشاي في غرفتي ، وفكرتي ما زالت تعنّ على بالي ، لدرجة أنّني لم أنتبه لرأسي حين ارتطم بالجدار ، صحيح أنّ الصدمة لم تكن كبيرة رغم أنّ شدّتها جعلتني أرى مذنب هالي على حقيقته ، لكن لا بأس ، لأجل مشروعي الكبير يهون كل شيء ، انتهيت من صنع الشاي ، وعدت لغرفتي ففوجئت بأمر لم أكن أتخيله صدر مني ، و عبثًا حاولت أنْ أرغم أصابعي على التفاعل معي ، ويبدو أنّ كثرة الهزّ ومعها الصدمة أنستني هذا الجو القطبي لبرهة من الوقت ، حاولت أنْ أفرك يداي بجسدي لعلّي أشعرها بالدف ، أريد فقط أنْ تتحرك كي أسجل فكرتي التي نضجت أكثر مّما كنت أتخيل وابتغي ، وأخيرًا بدأت أصابعي تتحرك ، لكن جسدي كان هو الآخر قد تجمد تقريبًا ، حتى خلت أنّني أصبحت إنسان مجمد تمامًا مثل تلك اللحوم المستوردة والتي لا نعرف لها أصل من فصل ، لكن لا يهم ما دامت فكرتي معي ، أمسكت بكوب الشاي ، لأرتشف منه رشفة علّها تفك هذا الحصار عني ، لكن الكوب هو الآخر تجمد والإبريق أصبح في خبر كان ، لم أيأس وبالكاد طويت مفاصلي وجلست أمام الجهاز والسعادة تغمرني ، ففكرتي ما زالت معي ، ولشدة سعادتي انهمرت الأفكار عليّ مثل المطر ، ويبدو أنّها شعرت بي أخيرًا، وأدركت بأنّني حاولت المستحيل لكي لا تهرب مني ، فبادلتني نفس الشعور ، فخيّل إليّ أنّنا أصبحنا أصدقاء ، فبدأت أكتب وأكتب وقبل النهاية بقليل حصل أمر عادي أنساني إياه سعادتي بفكرتي ولم أنتبه له ، فقمت وكأنّ شيئًا لم يحصل ، وبالكاد استطعت العثور على سريري ، حاولت أنْ أنام ولساني يلهج بالدعاء للصين على هذه الولاعات الجديدة التي قبلوا مأجورين بتصديرها لنا ، والتي تغني عن مصباح علاء الدين عند الحاجة إليها ، والتي لولاها لما استطعت العثور على فراشي .