الرسالة الأولـى:
إليكَ أيها القمــر...
كم حدّثتُكَ أيها الوجه الملائكي الصامتُ/ الناطق بأحلى الكلام؟ كم قلتُ لكَ: خذني إلى أرضك لأثوي فيها بعيدا عن زمنٍ مُراق؟ كم حدّثتُك عن دموع العاشقين وسهر الراحلين إليكَ؟ كم حدّثتُك عن حفلات المعذبين المُقامة على ضفاف الملح؟ وكم حدّثتني عنكَ، وعن هذا الضوء الذي ربّيْتَه بين الجوانح، وسقيتَه من لبن الماعز، ومن ماء البحر ليشتدّ عوده، ويتعلّم لغةَ الصبر الأولـى ..حتّى يكون عزْفاً لقيثارة الأمل، أو قنديلا يذلّل للعابرين إلى وطن الأمان، دروبهم القاسية والمنقوشة بمرارة الزمن..
تطرقُ كلّ ليلة شرفتي، وتحضر لي معكَ سلّـةً من الزهور والتوت والصَّدَف، وأنتَ مختبِئٌ بين وصيفتَيْكَ: النجمة الأولى وروحي، تخشى إطلالةَ الوجع وحسدَ العذّال، وتخشى زماناً مكتوباً بالزيف والقسوة، ومطّرزاً بالأشواك والظلم.. تطرقُ شرفتي فأفتـح لك، وأهديكَ شمعةً من شموعنا المعلٌّقة بين الأمل والرجاء، وكلٌّ منا يحاول أن يحمي الآخـر من هجمةٍ محتملة للأحزان التي تستيقظ دوماً، فجأةً، لتسبي كل آمالنا..أو لتحطّمها على صخور الشاطئ القريب..
أيها القمـر ..يارفيقَ جراحي:
ليلاً، أكتبُ لكَ خطابي، أسألكَ البقـاء، وقد هجعت الشمسُ مكرهةً، وأسلمتْ كل ُّ الكواكب جفنيْها للحون السجوم، والتزمت النجوم بأماكن حراستها خوفا من غزوةِ جرح هارب..أكتب لكَ خطابي، وقد أخبرتني اليمامة البيضاء التي تحرسُ مملكتَك، منذ صرتَ لعاشقي الأمان والحلم وطنـاً، بأنك قررتَ الرحيـل عنا إلى حيث لاندري..كيف ترحـل؟ حتى وإن أظلمت الدنيا وسُرِقت منا أحلامنا وآمالنا..حتى وإن سقط المئات من المعذبين صرعى، يتخبطون في جراحهم ..حتى وإن ارتدى الزمنُ ثوبَ الزيف واتهمكَ وأتباعك بالإغراق في الحلم..حتى وإن هاجرَ كَلْكَلُ العشق النقي، مغاضباً، إلى زمنكَ الذي انعزلَ بمملكتكَ، يرتّب ملامحَ سفره إلينا من جديد، ويصنعُ قافلةَ محبّيه، ويرتّبُ حقائبه التي لم يجمعْ فيها غير ذاكرةٍ مثقلة بالوجــع..؟
أنتَ الصديقُ في زمنٍ تنكّـرَ لكل القيم الجميلة، وبعثَـرَ شجر الرمّان على مقربة من أحلامنا، وأسقطَ القلوب عن عرشها.. يارفيقَ أحزاني!! أتذكرُ؟ أتذكرُ حين سقطتُ من زهـرةِ الهوى؟ ووقفتُ ببابكَ أسألكَ وطناً لحبّ لايُهـان؟ أتذكرُ حينَ أهديتُ الفاكهةَ التي قطفتَها لي من أرضكَ، لـه..فأضاعَها وأضاعني، وتركني أوزّع كل حقائبِ الغياب على سنوات عمري؟؟؟ أتذكُرُ؟ أتذكرُ حين اتّهَمَني بـك؟؟ في زمنٍ صرتَ فيه تهمةً تُخشَى؟؟؟؟ أتذكرُ ليلةَ الجرح الكبرى؟؟؟ حين ارتديتُ أجمل أثوابي واكتحلتُ بكَ مُراقاً، وتضمّختُ بعطـر النزفِ مكرهةً، ومضيتُ أتعثّرُ في خطوي، أخفي في حقيبتي الصغرى نعشَ الحب، وأجثو قربَ الصمت معلنةً أنّي العاشقةُ الأولى لليلِ الشعراء؟؟ والمتكئةُ على زمنِ الورد؟؟؟ والمتهمة الأولى بـكَ؟؟..
اعذرني، قد توقّف مدادي الليلة..وابتلَّ خطابي إليكَ بـك..انتظرني، سأعود إليكَ لأكتب لكَ خطابي الثاني، حينَ يطرقُ نافذتي جرحٌ أو ذكرى تعِبت من الرقاد، فاختارت جفنيّ عشّاً لها..أو حين يدغدغني حلمٌ صغيرٌ يشبهك، أو حين تزورني بسمةٌ لاأعرف شكلها الآخر..
سأظلّ أدافع عنكَ حتى وإن غدرتْ بي الأحزان مرة أخرى، وسأظلُّ أفخرُ أنــكَ..تهمتي الأولـى..والأخيــرة..
.........................
كلُّ شكري وامتناني للرائعة سحر الليالي، فقد كانت اللوحةُ أعلاه، وهي من باقة الرحيق الذي نقلَتْـه لواحتنا، ملهمتي في كتابة هذا النص..




رد مع اقتباس