السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

لأهل العلم والدعوة منزلة عند الله تعالى ليست لغيرهم، ولهم في قلوب الناس مكانة لا يبلغها سواهم، فهم المبلغون عن الله عز وجل دينه، وهم الأمناء على عقائد الناس وعباداتهم وأخلاقهم، فالناس يئوبون إليهم في المسائل والمشكلات التي تحل بهم، ويراجعونهم في الأزمات والنوازل التي تنزل بأمتهم؛ ليتعاملوا معها تعاملا صحيحا؛ ولأن الله تعالى أمرهم بذلك في قوله سبحانه [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ] {النساء:59} وقال عز وجل [وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوِ الخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ] {النساء:83} وعلماء الأمة هم من ولاة أمرها كما نص على ذلك المفسرون، وقال تعالى [فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ] {النحل:43}.

وهذه المكانة العظيمة للعلماء والدعاة عند الله تعالى وفي قلوب الخلق تجعل واجب البيان والإيضاح وهداية الناس للحق عليهم أكبر من غيرهم؛ فإن الله تعالى لما خاطب أمة بني إسرائيل في القرآن نعتهم بالكتاب الذي أُعطوه فكان خطابا لأحبارهم وعلمائهم فقال تعالى [يَا أَهْلَ الكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الحَقَّ بِالبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ] {آل عمران:71} وقال سبحانه [وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ] {آل عمران:187} .

وقد كان للعلماء والدعاة جهد كبير في النوازل التي نزلت بأمة الإسلام، فهم يقومون بمهمتهم في شحذ الهمم وتوعية الناس وتربيتهم إذا تقاعس القادة والسلاطين عن القيام بواجبهم؛ فعلماء العراق والشام ومصر هبوا أيام الغزو التتري لتقوية عزائم الناس على رد عدوان التتر، وبرز آنذاك صوت العز بن عبد السلام رحمه الله تعالى، ومواقفه مع قطز والظاهر بيبرس وغيرهما كثيرة، وكذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى مع الخليفة المستكفي والناصر قلاوون، وهكذا القاضي بن شداد مع صلاح الدين أيام الحروب الصليبية، وخطب ابن نباتة أحيت في الناس روح الجهاد، ورد العدوان الصليبي على الشام ومصر، وفقهاء الأندلس والمغرب كانوا سببا في اجتياز ابن تاشفين إليها حين حرضوه على ذلك لإنقاذها من السقوط في أيدي الصليبيين، فكانت موقعة الزلاقة العظيمة التي كانت سببا في تأخر سقوط الأندلس في أيدي النصارى مئتي سنة، وكان صلاح الدين رحمه الله تعالى يحرص في معاركه أن يبدأ بها عقب الزوال يوم الجمعة تحريا لدعاء الخطباء على المنابر للمجاهدين بالنصر والتأييد، وروى الأصمعي قال:«لما صاف قتيبة بن مسلم للترك وهاله أمرهم سأل عن محمد بن واسع فقيل: هو ذاك في الميمنة جامح على قوسه يبصبص بأصبعه نحو السماء، قال: تلك الأصبع أحب إلي من مئة ألف سيف شهير وشاب طرير»([1])

والملاحظ أنه كلما قويت اللحمة بين العلماء الربانيين والسلاطين توج ذلك بالنصر والظفر، ورد عدوان المعتدين كما حصل ذلك في كبريات المعارك الإسلامية الخالدة مثل: عين جالوت وحطين والزلاقة، وكلما استأثر السلاطين بسلطتهم، واستبدوا برأيهم، وأدنوا المفسدين، وأبعدوا العلماء الربانيين كان الخذلان والهزيمة والتخبط، كما كان اجتياح الصليبيين لبيت المقدس والشام وقت الحكم العبيدي الباطني الذي قتل حكامه العلماء الربانيين ونكلوا بهم، وقربوا المفسدين من أهل بدعتهم، وكذلك سقطت الدولة العباسية تحت أقدام التتر لما أُقصي العلماء وقُرب المفسدون الخونة كابن العلقمي وأشباهه.

وفي واقعنا المعاصر نزلت بالأمة نوازل كثيرة، واجتاح الأعداء عددا من ديارهم، بدءا من فلسطين قبل ستين سنة، فأفغانستان مرتين، مرة من الروس وأخرى من الأمريكان، والشيشان مرتين من الروس، والبوسنة والهرسك وكوسوفا من الصرب، والصومال مرتين، مرة من الأمريكان ومرة من الأثيوبيين، والعراق مرتين من الأمريكان وحلفائهم.

وعند الأعداء من مشاريع الإفساد والاستعمار والاحتلال الشيء الكثير إن لم يقف أحد في وجوههم، ويرد عدوانهم؛ حتى يقتنعوا أن بلدان المسلمين ليست لقمة سائغة يبتلعونها بسهولة ويسر.

و لقد بان في هذه النوازل المعاصرة الكثيرة عجز السياسيين والجيوش الرسمية عن رد العدوان، وحفظ البلدان من الأعداء فهم بين عميل متآمر، وبين ضعيف عاجز، إضافة إلى أنهم قد كُبلوا بالاتفاقيات والمعاهدات الدولية الجائرة التي قضت على فرائض الجهاد والنصرة والأخوة في الدين ونجدة المسلمين.

ويبقى الأمل بعد الله تعالى في أهل العلم والدعوة؛ لأنهم متحررون من ربقة تلك المعاهدات، ولديهم فرص أكبر للمناورة والتخلص من الضغوط الحكومية عن طريق الاستفادة من الانفتاح والدعوة إلى شعارات حرية الرأي وقبول الآخر ونحوها، فإنها وإن كانت شعارات انتقائية ممن ينادون بها إلا أن فيها فرصة للعلماء والدعاة أن يقولوا قولهم، ويبينوا للأمة ما يجب عليهم في نوازلهم، ويسعوا في إحياء الناس، ويوجهوهم إلى قضاياهم الحقيقية، ويستنهضوا هممهم، ويشحذوا عزائمهم؛ ليكونوا أنصارا للحق وأهله، حربا على الباطل وجنده.

وسائل العلماء والدعاة:

ما من نازلة تنزل بالناس إلا ويتناولها السياسيون والمفكرون والإعلاميون والصحفيون، كل منهم على حسب مشربه وهواه، وما رسم له من سياسات لا يخرج عنها، ومهمة العلماء والدعاة هي الاستفادة من الوسائل المتاحة لبيان الحق، ونصرة الإخوان الذين حلت بهم النازلة بكل ما يمكن من الوسائل الممكنة المتاحة، ومن ذلك:

1- إصدار البيانات والفتاوى الفردية والجماعية التي تتضمن وصف النازلة، وبيان حقيقة العدو التي قررها القرآن الكريم، وأنها عداوة دينية، وبيان حكم من أعان الأعداء على المسلمين وظاهرهم واتخذهم أولياء من دون المؤمنين، حتى يرتدع المجرمون عن جرمهم، ويعرفوا حكم شريعة الله تعالى فيهم.

وتشمل تلك البيانات الدعوة إلى التضامن مع المسلمين الذي حلت بهم النازلة ومواساتهم ونصيحتهم، ودعوة المسلمين إلى نصرتهم ماديا ومعنويا، ومقاطعة المعتدين عليهم سياسيا واقتصاديا.

2- المشاركات الإعلامية في القنوات الفضائية والإذاعية، وقد لوحظ في نازلة غزة كثرة المشاركات من العلماء والدعاة في الفضائيات، وهذه المشاركات المشكورة ألهبت عواطف المسلمين تجاه إخوانهم، وأحرجت الممالئين للأعداء وفضحتهم، وكان هذا الغضب الشعبي العارم سببا في التنفيس عن الشعوب المسلمة لتقول كلمتها، وتعلن تضامنها مع أهل غزة، ولم تستطع الحكومات المتواطئة مع العدوان ردَّ الناس عن إظهار غضبهم أو تخفيفه.

3- كتابة المقالات في الصحف والمجلات وخاصة الإسلامية؛ لأنها مقصد المهتمين بقضايا المسلمين، ومن المستحسن أن تقصد المجلات الإسلامية التنويع في المقالات؛ لتشمل جميع الجوانب المتعلقة بالنازلة:

أ- فيكون فيها مقالات تأصيلية في وصف النازلة فقهيا، وما يتعلق بها من أحكام شريعة لكافة شرائح الناس المختلفة من قادة وصناع قرار، إلى تجار وأغنياء، إلى العامة، وبيان الواجب الشرعي على كل فئة من هؤلاء؛ لإقامة الحجة، وفتح أبواب النصرة، وقطع عذر المعتذرين والمخلفين.

ب- ومنها مقالات سياسية، تحلل النازلة سياسيا، وتبين مواقف أطراف النازلة وخططهم ومرادهم، وما يتوقع أن تئول إليه أحداث النازلة وتداعياتها، مع محاولة حساب الأرباح والخسائر المادية والمعنوية منها.

ت- ومنها مقالات تثبيتية وعظية، تذكر فيها أسباب الهزيمة والفشل لاجتنابها، وأسباب النصر لإتيانها، وتبث روح الحماسة والحمية في الأمة.

4- إلقاء الكلمات في المساجد والمدارس ومجمعات الناس، وتكون مركزة ومفيدة.

5- تخصيص خطب الجمعة للنازلة.

6- اللوحات الحائطية في المساجد والمدارس والأسواق وغيرها.

نعم انها حرب اعلامية لمن لا يستطيع علي الحرب الميدانية في النزال