أثر عباس محمود العقاد في سيد قطب ومنهجه
الكاتب :
د.هدى محمد قزع

شاءت الأقدار أن يلتقي سيد قطب بعباس محمود العقاد في مجالسه العلمية والثقافية ، وكان لهذا اللقاء أثر بارز على ثقافته وفكره وأدبه. ولم يكن اللقاء الشخصي بينهما هو الجامع الوحيد ، فهما تشابها في أشياء عدة صدفة ، من مثل نشأتهما في البيئة المصرية ، فالعقاد من أسوان ، وسيد من قرية موشة في أسيوط ، وهما أديبان وشاعران وناقدان ، وكلاهما كان عضوا في حزب الوفد ثم تركه ، وكل منهما لم يوفق في حياته الاجتماعية والعاطفية ، فهما أمضيا حياتيهما دون زواج ، رغم محاولة سيد الخِطبة إلا إن محاولته باءت بالفشل ومن يقرأ روايته "أشواك" يستبين هذا .

أما صلة سيد قطب الشخصية بالعقاد فقد بدأت منذ مشارف حياته حينما قدم إلى القاهرة ، وزار مكتبته والتقى فيه ، وثمة أسباب مساعدة على هذا اللقاء منها إقامته أثناء دراسته الثانوية في بيت خاله " أحمد حسين عثمان" في القاهرة ، الذي كان على معرفة وصلة بالعقاد ، إضافة إلى قرب مكان سكنه منه ، وسحر شخصية العقاد ، ومكتبته الضخمة ومجالسه التي وجَد فيها سيد قطب بعض ضالته.


ولايخفى على أحد أن العقاد كان علما بارزًا في الثقافة والأدب، , وأنه أسس مدرسة وشاركه فيها بعض الأدباء لفترة من الزمن مثل عبد القادر المازني ، وعبد الرحمن شكري، وتتلمذ عليه في هذه المدرسة عدد من التلاميذ أظهرهم سيد قطب. وقد جاهر سيد بتتلمذه على العقاد ، ومن دلائل وفائه لهذه التلمذة أنه قرأ جل ما كتب العقاد من كتب ومقالات وشعر وأبحاث ودراسات ، ثم حرص على عرض ما قرأ في الصحف والمجلات ، فهو تحدث عن العبقريات وعن الصديقة بنت الصديق وعن عرائس وشياطين وعن شاعر الغزل وعن هذه الشجرة في مقالات نقدية اتشحت بسمة التقدير لقيمة ما خط أستاذه.

وكثيرًا ما سعى لإبانة معالم مدرسته فقال: " هي مدرسة في الأدب ، كما أنها مدرسة في الحياة ، يلتقي فيها تلاميذها على سنن واضح ، ونهج صريح ، ويجدون فيها تفسيرًا معينا للحياة والفنون ، يشتمل نوع الإحساس ، ولون التفكير ، وطريقة التعبير، بل يشتمل فوق ذلك قواعد المنطق والسلوك ، وتقويم الأشياء والأشخاص ، وتقدير الحوادث والأعمال . وهي مدرسة متبلورة ، واضحة السمات ، لا يجد الناقد مشقة ولا عسرا في اختيار عنوان لها ، يمثل ويلخص أكبر ما تستطيع العنوانات تمثيله وتلخيصه : هي مدرسة المنطق الحيوي . والنسبة هنا إلى الحياة وإلى الحيوية جميعًا..إلى الحياة : لأن مرد الحكم على كل قول وكل عمل ، هو ما تقوله الحياة ، وما تصنعه . وإلى الحيوية : لأن مرد الحكم على كل قول وكل عمل ، هو باعثه ، ومدى الحيوية في هذا الباعث.أستاذ هذه المدرسة الأعظم ، هو الحياة ذاتها "(1) .

وجهِد سيد في استبانة جوانب من شخصية العقاد وحدثنا عن بعض هذا الجهد فقال:" ولقد رقيت إلى محاولة استيعاب العقاد _وأفلحت إلى مدى_ على درجٍ من دراسات شخصية جمة . ليست دراسة الأدب العربي ولا اللغة العربية إلا أولى خطواتها . دراسات تشمل كل ما نقل إلى اللغة العربية _ على وجه التقريب _ من الآداب الإفرنجية : قصة ورواية وشعرًا .ومن المباحث النفسية الحديثة : نظريات العقل الباطن ، والتحليل النفسي والمسلكية . ومن المباحث الاجتماعية والمذاهب القديمة والحديثة , ومن مباحث علم الأحياء _ بقدر ما استطعت _ وما نشر عن داروين ونظريته ، ومن مباحث الضوء في الطبيعة والتجارب الكيماوية ، وما استطعت أن أفهمه عن أينشتاين والنسبية ، وتحليل الذرة وعلاقته بالإشعاع " (2).