في ظهيرة يوم حار, اقتحم مجلس القاضي أعرابيّ, وهو يصرخ:
- بعيري... سرقوا بعيري... أيها القاضي...
قال القاضي:

- إهدأ, يا رجل, حتى نحضر المتهمين?!
قال الأعرابي: المتهمون في الخارج ينتظرون الإذن بالدخول.
سأل القاضي: من أحضرهم?!
قال الأعرابي: أتوا من تلقاء أنفسهم.
فكّر القاضي لحظات, ثم قال للحاجب: أدخل الرجال المنتظرين في الخارج.
دخل رجال أربعة. حيّوا, ووقفوا في زاوية غير بعيدة عن القاضي.
تأملهم هذا وفكّر:
- (يبدون من علية القوم, يتصرّفون بأدب... أتوا إلى مجلس القاضي من تلقاء أنفسهم.. .هل يسرق هؤلاء بعيرا)?!
ثم خاطب الأعرابي: ما دليلك, يا أخ العرب, على أن هؤلاء سرقوا بعيرك?
فصرخ الأعرابي: دليلي واضح... شرد بعيري... لحقت به... اختفى في ديار هؤلاء الرجال...
ولما التقيت بهم, وسألتهم عنه, وصفوه لي وصفا دقيقا, ثم أنكروا رؤيتهم له.

سأل القاضي الرجال: هل ما قاله هذا الأعرابي صحيح?
ابتسم الرجال, وتبادلوا النظرات.
فصرخ الأعرابي:.. قالوا لي:- بعيرك أعور بالعين اليسرى, يعرج... ذنبه مبتور, يحمل عسلا,
وهو كما وصفوه تماما, ثم أنكروا رؤيتهم له, بعيري يحمل عسلا, ياسيدي, هو كل ما أملك...

عاد القاضي يسأل الرجال: هل ما قاله هذا الرجل صحيح?
قال كبير الرجال: صحيح.
فقال القاضي بسرعة: كيف تصفون البعير وصفا دقيقا ولا تقرون برؤيته?!
فقال الرجل الأول: لاحظت أن البعير لم يرع من العشب سوى القائم على يمين الطريق, فعرفت أنه لا يرى بعينه اليسرى.
وقال الرجل الثاني: ولاحظت أن آثار إحدى قوائمه أكثر عمقا, فعرفت أنه كان يشد عليها أكثر فتغوص في الرمال...
وقال الرجل الثالث: ولاحظت أنه عندما برك ترك خطا قصيرا مستقيما, فعرفت أن ذنبه مقطوع.
وقال الرجل الرابع: أما أنا فلاحظت أن صفا من النحل يمتد طوال الطريق, فعرفت
أن البعير يحمل عسلا, وتقطر من الحمل قطرات يتجمّع عليها النحل...

نظر القاضي إلى الرجال بإعجاب, وقال: فراسة تكافأون عليها وتُحمدون.
فصرخ الأعرابي: وأنا ما شأني بفراستكم?! أريد بعيري وحمل العسل...
فخاطب القاضي الرجال: وما دمتم تملكون هذه الفراسة فلِم لم تساعدوا الرجل في العثور على بعيره?
فقال كبير الرجال: لم يترك لنا فرصة.
فقال القاضي: وإن أعطيناكم هذه الفرصة?
فقال الرجل الرابع, وهو يضحك: نقول للأعرابي: اتبع خط صف النحل تجد بعيرك في نهايته...
قفز الأعرابي, وعانق الرجل, وهو يقول: ليتك قلت هذا الكلام من الأول...!
ثم قفز إلى الخارج, وراح يعدو صوب البادية...
نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي