ثانياً : أدلة من يرى أنه سنة
استدل من قال إن ختان الذكور والإناث سنة بعدة أدلة هى :
1- قولـه - صلى الله عليه وسلم - : " الختان سنة للرجال مكرمة للنساء " ( ) .
2- أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قرنه بالمسنونات دون الواجبات ( ) فى حديث " خمس من الفطرة ، أو الفطرة خمس ... " ( ).
3- أن سلمان - رضى الله عنه - لما أسلم لم يؤمر بالاختتان ( ) .
4- أنه قد روى عن الحسن البصرى أنه قال : " قد أسلم مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الناس فما فتش أحداً منهم ( ) .
وقد رجح الشوكانى الرأى القائل بأن الختان سنة بعد ذكره لآراء العلماء وأدلتهم حيث قال : " والحق أنه لم يقم دليل صحيح يدل على الوجوب ، والمتيقن السنية كما فى حديث خمس من الفطرة ونحوه ، والواجب الوقوف على المتيقن إلى أن يقوم ما يوجب الانتقال عنه " ( ) .
لكن رأيى فى الموضوع سوف أذكره بعد عرض رأى علماء الدين المعاصرين ، وآراء الأطباء فى المبحث التالى إن شاء الله تعالى . .
المبحث الثالث
موقف الأطباء من ختان الإناث
انقسم الأطباء إلى فريقين :
الأول : المعارض لختان الإناث ، ومن يرى أنه ضار ، ولابد من الإقلاع عنه .
ومن هؤلاء :
* الدكتور إسماعيل سلام وزير الصحة الذى أصدر قراراً رقم 261 بمنعه نهائياً بتاريخ 8/7/1996م ( ) .
* ومنهم الدكتور رشدى إسماعيل ، وكوكب حفنى ناصف ( ) ، ومنهم الدكتور حمدى بدراوى ، والدكتور يحيى الرخاوى ( ) .
* ومن هؤلاء الدكتور محمد الحديدى الذى تحدث عن أضرار الختان بحماس شديد ( ) ، ثم تحدث عن الختان فى الإسلام وأدلته من السنة ، ثم قال : " وهذا عين ما أوردته فى محاضرتى عن وجوب ختان المرأة فى بعض الحالات الشاذة التى يكون فيها " البظر " أو الشفران مستهجناً لكبره أو غلظه ، فإن ذلك ولاشك أكرم لها وأجمل وأقوم من الناحية الجنسية " ( ) ، ثم بعد أن تحدث عن اختلاف الفقهاء فيه وأنهم يقولون إنه فى الأنثى يكون بقطع أدنى جزء من الجلدة التى فى أعلى فرج المرأة قال : " وهذا ما اتفقنا عليه طبياً . هذا ما استطعت أن أسوقه إليكم فى هذا الموضوع الخطير ، وآمل أن أكون قد وفيت البحث حقه، وأبنت الغامض فيه ، فتستطيعون أن تبنوا حكمكم لى أو علىّ مجردين عن الهوى ، وغير مسوقين بحكم العادة ووحى العرف ، بل إلى الحكم الصحيح العام ، ومحاولة إصلاح أخطاء متفشية فى المجتمع المصرى لا أصل لها فى الدين ولا فى العلم ، بل تتنافى معهما " ( ) .
وإننى ألاحظ التناقض فى كلام الدكتور محمد الحديدى حيث ذكر الأحاديث التى وردت فى ختان الإناث وأنه يذهب إلى وجوبه فى بعض الحالات الشاذة وبعد أن ذكر أن الفقهاء يقولون : إن ختان الأنثى يكون بقطع أدنى جزء من الجلدة التى فى أعلى الفرج قال : " وهذا ما اتفقنا عليه طبياً " ثم يقول فى نهاية كلامه ما يفهم منه أن الختان خطأ متفشى فى المجتمع المصرى لا أصل لـه فى الدين ولا فى العلم بل يتنافى معهما .
* ومن هؤلاء أيضاً الدكتور محمد فياض الذى ألف كتابه " البتر التناسلى للإناث " لمحاربة ختان الإناث فى مصر ، ومما ورد فى هذا الكتاب تحت عنوان " قضية ختان الإناث أما المحاكم المصرية " قال : " ومع أن موقفى الرافض للختان واضح ، ومع أننى أؤيد تماماً وزير الصحة الحالى الأستاذ الدكتور - إسماعيل سلام – فى موقفه الحاسم من الختان فإننى أسرد هنا خلاصة لقضية الختان فى المحاكم من أجل استكمال جوانب صورة الختان فى مصر ليكون كتابى هذا شاملاً ، وليس تأييداً لموقفى الذى يدين هذه العملية ، بل ويجرمها " ( ) .
وقد اعتمد هؤلاء الأطباء وغيرهم فى رفضهم لختان الإناث على ما يلى :
1- أن القرآن الكريم خلا من أى إشارة إلى هذه العملية فى الرجل أو المرأة ( ) ، فهو ليس من الإسـلام فى شئ بل هو وحشية وظلم وبطش، وطغيان لا يقره عقل ، ولا طب ، ولا دين ، إنه منكر .
2- أننا لو قرأنا حديث الرسول الكريم مع أم حبيبة – إن صح الحديث دون مطعن عليه – لو قرأناه فى شئ من التعقل الذى يصاحبه جلاء بصيرة وصفاء نفس لرأينا أن الرسول لم يقر أم حبيبة على عملها، ولعله استنكر ، فعدل لها عملها إن كانت لابد فاعلة .
3- إن القول بأن الأعضاء التى يقطعها الختان حساسة لدرجة أن احتكاكها بالملابس يجلب الاشتهاء هراء بعيد عن الصواب .
4- أن كتب الحديث ليس فيها شئ عن ختان الإناث .
5- أن حديث " الختان سنة للرجال مكرمة للنساء " حديث ضعيف رواه مدلس ، فكيف يؤخذ منه حكم شرعى .
6- أن الحديث الصحيح :" الفطرة خمس : الاختتان ، والاستحداد ، وقص الشارب ، وتقليم الأظافر ، ونتف الإبط " يقصد به ختان الرجل وليس المرأة .
7- أنه ليس فى فقه الأئمة ما يشير إلى ختان البنات من قريب أو بعيد ( ) .
8- أنه يسبب البرود الجنسى أو الضعف الجنسى .
9- أن هذا يدفع الزوج إلى تناول المخدرات التى يعتقد أنها تفيده للوظيفة الجنسية ، وذلك محاولة منه لإرضاء زوجته ( ) .
10- أن قول الرسول - صلى الله عليه وسلم - لم يصل إلى حد الدعوة الصريحة ولا الأمر ، بل ترك ذلك لظروف المسلمين ، وأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أبعد حديثه عن صيغتى الأمر والتحذير كأنه كان يود أن يحرم ختان البنات بالتدريج كما حرم الدين الخمر بالتدريج ، ولكنه ترك الأمر لتطور الظروف ، واختلاف المكان والزمان والعرف ( ) .
11- أن للختان أضراراً بدنية ونفسية كثيرة منها الانتهاك البدنى والتشويه الفورى لأعضاء حسية لها وظائفها الهامة والآلام التى تتعرض لها البنت آلام شديدة ويحدث النـزف ويحدث التهاب فى الجرح وينتشر الالتهاب إلى الجهاز التناسلى الداخلى كما ينتقل إلى مجرى البول والمثانة والكلى وينتج عنه العقم وحرمانها من ذروة اللذة الجنسية ، بالإضافة إلى الصدمة النفسية وضعف الرغبة الجنسية وغيرها ؛ لأن نسباً كبيرة من الطلاق بعد الزواج بسبب هذا الموضوع ( ) وأن هذا دفع بعض الأزواج إلى تناول المخدرات ، وأنه امتهان للمرأة واعتداء على حقوقها .
12- قول الشيخ شلتوت خرجنا من استعراض المرويات فى مسألة الختان إلى أنه ليس فيها ما يصح أن يكون دليلاً على السنة الفقهية ، فضلاً عن الوجود الفقهى . والذى أراه أن حكم الشرع فى الختان لا يخضع لنص منقول وإنما يخضع فى الذكر والأنثى لقاعدة شرعية عامة، وهى : أن إيلام الحى لا يجوز شرعاً إلا لمصالح تعود عليه وتربو على الألم الذى يلحقه ختان الذكر ونحن إذا نظرنا إلى الختان فى ضوء ذلك الأصل نجده فى الذكر غيره فى الإناث فهو فيهم ذو مصلحة تربو بكثير عن الألم الذى يلحقهم بسببه . . . ختان الأنثى . . أما الأنثى فليس لختانها هذا الجانب الوقائى حتى يكون كختان أخيها " ( ) .
13- قول مؤيدى الختان بأن الختان يمنع الإفرازات الدهنية من البظر والشفرين الصغيرين والتى ينتج عنها رائحة كريهة تسبب التهاب المكان ومجرى البول وغيره ، يرد عليه بأن الإسلام دين النظافة والطهارة ولا أظن أن المرأة المسلمة لا تعرف الاستنجاء ، ولا تعرف كيف تنظف نفسها ( ) .
14- أنه لم يثبت أن بنـات الرسول - صلى الله عليه وسلم - ختن ، ومادام الرسول - صلى الله عليه وسلم - لم يختن بناته فهو ليس بسنة .
15- أن السعودية وهى التى تطبق أحكام الشريعة لا يتم فيها الختان للبنات ( ) .
16- يرى الدكتور محمد فياض أن الختان اتباع لألاعيب الشيطان وتغيير لخلق الله حيث قال تحت عنوان "الختان اتباع لألاعيب الشيطان": " قبل أن أطوى الصفة الدينية فى حديثى عن الختان يهمنى أن أسهم باجتهاد متواضع أستند فيه إلى آيات الله المحكمات فى القرآن الكريم ، فأقول : إن ختان الأنثى هو اتباع لألاعيب الشيطان ، تعالوا نقرأ الآية رقم 119 من سورة النساء لنجد أن الشيطان بعد أن عصى ربه ، فيقول عمن سيتبعونه : وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ الله أى أن الشيطان سيأمر أتباعه بأن يقطعوا آذان الحيوان ، وبذلك يغيرون ما خلقه الله ، هيا بنا نأخذ هذا الحكم الصريح والنص الواضح ننقله إلى موضوع ختان الإناث ، فسنجد أن الله قد خلق المرأة فأبدع تصوير جسدها ، وجعل لكل جزء فيه مهمة ووظيفة ، ومنها أجزاء حساسة مثل عضوها التناسلى الذى أبدع تصميمه، وجعل فيه جزءاً ذا أهمية بالغة الحساسية مسئولة عن بلوغ الأنثى مرحلة الإشباع والارتواء ، السؤال الآن : إذا كان من يقطع آذان الحيوان متبعاً للشيطان مغيراً لخلق الله ، أفليس من يزيل هذا الجزء الحساس من الأنثى بالختان مغيراً لخلق الله ؟ وبالتالى أفلا يكون من أتباع الشيطان ؟ ولماذا التساؤل وقد كفانا الله مئونة البحث ، فقال جل شأنه فى بقية الآية الكريمة التى نتحدث عنها : وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِّن دُونِ الله فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُّبِينًا ( ) .