اغتنم أفضل العام .... تغنم
عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : ( مَا الْعَمَلُ فِي أَيَّامٍ أَفْضَلَ مِنْهَا فِي هَذِهِ قَالُوا وَلَا الْجِهَادُ قَالَ وَلَا الْجِهَادُ إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ يُخَاطِرُ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ ) . البخاري
لـيال العـشـر أوقـات الإجـابة *** فـبادر رغبـة تـلحـق ثـوابـه
ألا لا وقـت للعـمــال فــيـه *** ثـواب الخـيـر أقـرب للإصـابة
من أوقـات الليـالي العـشر حقاً *** فـشمـر واطـلبـن فـيها الإنابة
دل الحديث السابق على مضاعفة الأعمال الصالحة في عشر ذي الحجة من غير استثناء شيء منها .
ومعنى الحديث : أن العمل في هذه الأيام يفوق على ذلك العمل في غيره من الأيام ، فمن عمل صالحا في هذه الأيام يضاعف له بما لا يضاعف للأعمال الصالحات في الأيام الأخرى ، مهما كانت منزلة تلك الأعمال ، فأجورها أقل من أجر الصالحات التي تجري في هذه الأيام ، فلو جرى من المسلم في هذه الأيام ذكر وصلاة ضحى وقيام ليل .... عمل صالح ، فإن أجر هذه الأعمال في أيام عشر ذي الحجة ، ولا يساويه شيء من الأجر فيما سواها من الأيام مطلقا .
إلا في حالة واحدة ( من خرج يخاطر بنفسه وماله فلم يرجع بشيء عُفر وجهه في التراب وأريق دمه وقتل جواده ، ) هذا فقط يعدل أجر العمل الصالح في هذه الأيام .
فالعمل الصالح في عشر ذي الحجة يعدل الجهاد في غيرها ، ولهذا قالوا يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله ، قال ولا الجهاد في سبيل الله ، ثم استثنى صورة واحدة من صور الجهاد ، صورة هي أفضل الجهاد ؛ فقد سئل عليه الصلاة والسلام أي الجهاد أفضل ؟ قال من عُقر جواده وأهريق دمه . أخرجه أبو داود بسند حسن .
وقد سمع النبي عليه الصلاة والسلام رجلا يدعو يقول : اللهم أعطني أفضل ما تعطي عبادك الصالحين ، فقال له : إذن يعقر جوادك وتستشهد .
بفجر وإعداد وتمام وجهاد .... يكون الإشراق
هي صورة مضيئة من صور التضحية ، صورة من عفـّر وجهه في التراب ، وأهريق دمه وعقر جواده ، وخرج يخاطر بنفسه غير مبال بها في جنب الله ، وبهذا المشهد الجهادي الجميل تتحرك في المسلم معاني الجهاد والبذل والتضحية والمخاطرة بالنفس والمال في سبيل الله ، فتتحرك مكامن النفوس التي تتوق للجهاد ، ويصرخ في داخلها نداء الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام قائلا ً : ( من مات ولم يغز ولم يحدث به نفسه مات على شعبة من نفاق ) أخرجه مسلم.
وهي أيام أقسم بها ربنا وبدأ قسمه بالفجر ، فدع هذه الأيام فجرا جديدا في حياتك ، وسيرك إلى الله تعالى في هذه الدنيا ، وليكون مع بزوغ هذا الفجر في قلبك سير قلبي نحو إعداد نفسك وروحك كما فعل موسى عليه السلام ، وفتش في حنايا روحك عن النقص فيها ، واتمم كما أتم الله لك هذا الدين ، فإن أشرق القلب ، وأعدت النفس ، وتم للروح بعض التمام ، فجاهدها ، وحدثها بالجهاد المبارك ، تفر من النفاق ، وتسلم من مظاهره وصوره ، التي من بينها ، العجز والكسل في الطاعات ( وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى ) .
فحدث نفسك أيها المؤمن ، وحرك معاني الشوق في مكامن روحك ، فالحياة تأكل منا ما نزرعه في أيامنا ، ما لم نتدارك ، ببذر ، وغرس ، وسقاء ، وشجرة شحذ الهمم ، والشوق للمعالي ، و إلا فما ثمة غير سفاسف من الأمر ، ليس لك منها شيء .
ومن جملة تذكير النفس بالمعاني العالية إلزامها بصنوف من العمل الصالح ، ومتابعتها ، ومحاسبتها ، وإتعابها في ذات الله ، ولا يدرك هذا بالأحلام والتمني ، وإنما بتعب ونصب ، لا تقبل النفس الحديث عن صور الجهاد وبوارقه ما لم تقبل على الله أولا ً ، قال تعالى : ( وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ ) و قال عز وجل : ( تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ) .
فقد كان سعيد بن جبير ـ رضوان الله عليه ـ إذا دخل العشر اجتهد اجتهاداً حتى ما يكاد يقدر عليه .
وروي عنه أنه قال : " لا تطفئوا سرجكم ليالي العشر" كناية عن القراءة والقيام .