جلست الأسرة كاملة أمام التلفاز..ساد الصمت..أمسكت جهاز التحكم عن بعد أقلب في القنوات وبين الحين والآخر أسمع أحد أفراد الأسرة: خلِّ عنك تلك القناة، ويرد آخر: لا لا..دعها...
فما لبثت أن استسلمت وقذفت بآلة التحكم إلى أحدهم. فقد عجزت عن تلبية رغباتهم بل عن تلبية رغبة نفسي ،فلم أستطع أن أحدد ما أريد مشاهدته في هذا الزخم من القنوات.
غادرت المجلس ..
ثم عدت ومعي أوراق إنشاءات التلاميذ لعلي أشارك الأسرة الجلسة وفي الآن ذاته أطالع هذه الأوراق لأقف على أخطائهم ومدى تطبيقهم لخطوات المهارة... بدأت أصحح ومخيلتي تنسج قصيدة رثاء للغة الضاد، و لحال التعليم الذي ينتج عددا جما من الأميين لا يجيدون القراءة ولا الكتابة،ولا يميزون بين الحرف والفعل والاسم، ولا الفتح والكسر والضم...أتألم أحيانا وأضحك أحيانا. وبين الحين والآخر أقف على ورقة تسر الناظرين فتزرع في قلبي الأمل...إلى أن وقفت على ورقة رديئة الخط ركيكة الأسلوب..استوقفتني كثيرا، فقد كان الموضوع عن وسائل الإعلام، بينما كتب صاحب الورقة (وسائل الإعدام).وهو تلميذ متوسط جدا، وأستبعد أن يكون قصد، بل لقد شككت ألا أكون من ارتكب الخطأ على السبورة لولا أن الخطأ عينه لم يتكرر إلا من هذا العبقري.
بدأت أتأمل الورقة والجهاز أمامي..والأسرة غارقة في عالمه،والجدة في ركن بعيد تطلب عشاءها قبل الآخرين..لا أحد يبالي بالمسكينة بعدما كانت تلفازنا بالأبيض والأسود: تخرج أفلامنا، وتؤلف مسلسلاتنا، وتحكي أخبار السابقين، وتسرح بخيالاتنا في فضاء حكاياتها الخرافية ـ لم نكن نعرف أنها خرافية كما أطفال اليوم ـ التي تجعلنا ننام باكرا خوفا من أن نصادف "غولا" بسبعة رؤوس يأكل الصغار الذين لا يدخلون منازلهم قبيل صلاة المغرب ، ولا يستجيبون لأوامر الكبار خاصة الوالدين... فكانت الجدة أول من أعدمه التلفاز وقتل دوره، أما الوقت فقد أُُُعدم شنقا أمام الملإ وغيرهما كثير..الحوار..المسامرة..العل اقات الاجتماعية الجميلة بين الجيران و الأقارب و الأصحاب..
وحتى الأطفال لا ينعمون بحرية اللعب و لا الكلام حتى.. لأن الأب يتابع خبرا سريعا قبل أن يفسح المجال للأم لمتابعة الحلقة ؟؟؟ بعد المائة من المسلسل ...؟؟؟
فوقعت في حيرة من أمري هل أشطب على الدال وأجعلها لاما أم أتركها على حالها؟؟؟ وأين أصنف الخطأ هل ضمن الأخطاء الإملائية أم التعبيرية أم... !!!؟؟؟



رد مع اقتباس