كثيرا ما نظرت إلى الحجيج وهم على صعيد عرفات الطاهر فتساءلت ماهذا المعنى الذي يحلق في سماء هذا العراء المترامي والفضاء الخالي إلا من هذه الأجساد المكشوفة وهذه الشمس المحرقة وهذا التراب الذي لم يفرش إلا بآثار الحجيج من ماش وراكب ..إنها طبيعة مكشوفة لم تتدخل فيها يد الإنسان بزيادة أو نقصان ..إنها الرجعة الصادقة إلى الأصل الذي يعد عنوان هذه البشرية ..إن الخالق هنا لا يريد من عبده إلا الدخول عليه بطبيعته المبرأة من الزيف والتضليل.
هذا معنى والمعنى الآخر هو لسان هذه القصيدة ..إن كل ما ذكرت من فطر الطبيعة جعلها الشرع من أدوات الطهارة ووسائلها الأرض والشمس و الغمام الماطر والهواء العابر ..إنها أدوات طهارة ليتنا نأخذ من طهارة الشمس إشراق حياتنا المظلمة ومن الفضاء رحاية صدورنا الضيقة ومن التراب الذي نطؤه طهارة نفوسنا من الكبر الذي يضحك علينا أكثر مما نضحك عليه
.
العين ترنو ودون البدر أستارُ
والقلب يخفق مهما شطّت الدارُ
لكَم أساهر جنح الليل أرقبهُ
حتى يَبين لعيني منه إسفارُ
ولا أملُّ وقوفي عند مطلعهِ
أنا المحب وهذا الشوق إقرارُ
يمشي كأن زمام الحسن في يده
هو المشاهَد والآلاف أنظارُ
يا ما أحيلى على قلبي تمنعه
له صدود ولي في الشوق إصرارُ
يهوى عذابي وأهوى أن أدلِلَه
بما يحب من الدنيا ويختارُ
وأنظم الدر من قولي لتعلمه
بحر شوقي أحاديث وأشعارُ
والشعر وحي دلال من تألقه\كم ذا يرق إذا وافاه تذكارُ
أوقفت شعري وصفا في محاسنه
حتى رأيت له في الوصف مكتملا
هو المصفّى إذا ما عُد أطهارُ
طهارة النفس بالإيمان ناطقة
بذا أتتنا عن المختار آثارُ
وأمة الطهر يوم الدين شاهدة
وللوضوء على الهامات أنوار
وتلك ميزة أهل الله ظاهرة
إذاتميز بالتقصير أغيار
لله قوم صفا للحق باطنهم
حتى تبدى لهم في الطهرإظهار
صانوا السرائر عن فحش وعن دنس
وللطهارة أنفاس وآثار
فلا الفؤاد بداء الحقد مستتر
ولا اللسان بزور القول نثار
وكيف يسكن حب الله أفئدة
ما زال يغشى حمى أسوارها العار
أين النظافة والأخلاق عاطلة
إن النظافة إخلاص وإيثار
وصدق قول وحسن في معاشرة
وبذل نفس لمن شاكته أخطار
وبسطك الجود في حب ومرحمة
وبسطك العفو للخاطين إن جاروا
وطيب لقيا صديق عند مقدمه
فبسمة الوجه تطييب وإبشار
إذا اصطفتك حظوظ النفس من طمع
وصار عندك رأس الأمر دينار
وقطع البخل أرحاما تؤازرها
وتحت رأسك للأموال قنطار
وتزعم الطهر في الأثواب تصقلها
وتحت رأسك ما تبلى به النار
فاعلم بأنك في عيش خلاصته
موت الحياة وطعم الموت أكدار
وإنما الميْت من ماتت مروءته
وما تنبه أن العيش إمرار
حتام نحن غراب البين يفزعنا
ولم ينلنا بذكر الموت تذكار
راجع صوابك فيما كان من زلل
وجددنَّ متابا فيه إبرار
وطهر القلب من ذنب يخالطه
إن الخواطر للآثام معيار
وعلم النفس أن الله مطلع
وأن بطش شديد البأس قهار
هذا وصل على المعصوم ما سطعت
على المنابت والكثبان أنوار
وما تأوه مشتاق لخالقه
بجنح ليل ودمع العين سيار