قَلوبِ الصائمين

نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

وداعاً يا شهر يا رمضان ! وداعاً يا شهر الخيرات والإحسان !
وداعاً يا ضيفنا الراحل ! مضى كثيرك ولم يبق بين أيدينا منك إلا أيام قلائل ،
عشر تجاورنا اليوم وهي إلى الرحيل أقرب من البقاء ، ولئن قال ابن رجب في لطائفه عند الفراق :
ياشهر رمضان ترفّق ، دموع المحبين تدفّق ، قلوبهم من ألم الفراق تشقّق...
عسى وقفة للوداع تطفيء من نار الشوق ما أحرق...
عسى ساعة توبة وإقلاع ترقع من الصيام ماتخرّق...
عسى منقطع من ركب المقبولين يلحق ، عسى أسير الأوزار يُطلق...
عسى من استوجب النار يُعتق . اهـ
فما أحرانا بتدبّر قوله بفعل يطفيء حرارة الوداع...!!!
كيف حال قلوب الصائمين بعد رمضان ..!
الناس بعد رمضان فريقان: فائزون وخاسرون.
فيا ليت شعري من هذا الفائز منا فنُهنّيه؟ ومن هذا الخاسر فنُعزّيه؟!
رحل رمضان ورحيله مُّر على الجميع، الفائزين والخاسرين...
الرحيل مر على الفائزين؛ لأنهم فقدوا أياماً ممتعة، وليالي جميلة، نهارها صدقة وصيام، وليلها قراءة وقيام،
نسيمها الذكر والدعاء، وطيبها الدموع والبكاء، شعروا بمرارة الفراق؛ فأرسلوا العبرات والآهات، كيف لا وهو شهر الرحمات، وتكفير السيئات، وإقالة العثرات؟!
كيف لا والدعاء فيه مسموع، والضرّ مدفوع، والخير مجموع؟!
كيف لا نبكي على رحيله ونحن لا نعلم أمن المقبولين نحن أم من المطرودين؟!
كيف لا نبكي على رحيله -أيها الأحبة- ونحن لا ندري أيعود ونحن في الوجود أم في اللحود؟!
الفائزون من خشية ربهم مشفقون! نعم.
هم فائزون ولكنهم من خشية ربهم مشفقون {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ}
أما المفرّطون -نعوذ بالله من حالهم- أناس قصّروا فلم يعملوا إلا القليل، نعم.
صلّوا التراويح والقيام سراعاً، فهم لم يقوموا إلا القليل، ولم يقرأوا من القرآن إلا القليل،
ولم يقدّموا من الصلوات إلا القليل، الصلوات المفروضة تشكو من تخريقها ونقرها،
والصيام يئن من تجريحه وتضييعه، والقرآن يشكو من هجره ونثره،
والصدقة ربما يتبعها مَنٌّ وأذى، الألسن يابسة من ذكر الله، غافلة عن الدعاء والاستغفار،
فهم في صراع مع الشهوات حتى في رمضان، لكن فطرة الخير تجذبهم،
فتغلبهم تارةً ويغلبونها تارات، فهم يصلّون التراويح، لكن قلوبهم معلقة بالرياضة، ومشاهدة المباريات، ورمضان هذا العام يشهد بمثل ذلك.
أيها الأحبة!
هذه بعض الثوابت الإيمانية التي رأيناها في رمضان، ولا ينبغي لمسلم صادق أن يتخلى عن هذه الثوابت بعد رمضان،
ونحن في أمس الحاجة إلى وصية سيد ولد عدنان إلى وصية الحبيب محمد عليه الصلاة والسلام، حينما جاءه سفيان بن عبد الله وحديثه في صحيح مسلم وقال:
(يا رسول الله! قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحداً غيرك،فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:قل آمنت بالله ثم استقم).
وهاهو شهر رمضان قد انتهى، انتهى شهر الصيام والقيام والقرآن والبر والجود والإحسان...
فيا عين جودي بالدمع من أسف على فراق ليالٍ ذات أنوار...
على ليالٍ لشهر الصوم ما جُعلت إلا لتمحيص آثام وأوزار...
ما كان أحسننا والشمل مجتمع منّا المصلي ومنّا القانت القاريء...
فابكوا على ما مضى في الشهر واغتنموا ما قد بقي إخوتي من فضل أعمار
وهكذا أسرعت أيام الخير والبر والفضل والطاعة،ولا شك أن ربّنا جلّ وعلا قد اختص رمضان بكثير من رحماته وبركاته،
فأنت ترى الناس تُقبل على طاعة الله في رمضان بأريحية عجيبة، وبيسر وسهولة غريبة؛
لأن الله قد هيّأ الناس في رمضان للطاعة، وقد سهل الطاعة للصادقين من المؤمنين في رمضان...
ولكن ليس معنى ذلك أن نُعرض عن كثير من الثوابت الإيمانية بعد رمضان،
فأنت ترى المساجد معطّرة بأنفاس الصائمين في رمضان،
وترى صفوف المصلين مزدحمة في رمضان؛ بل وترى البرّ والجود والإحسان والبذل والإنفاق والعطاء والذكر والتوبة والاستغفار،
وترى حرص الناس على الطاعة،فترى المحسن يقول للمسيء إليه: اللهم إني صائم، يذكّر نفسه بالله جل وعلا، وبطاعة الله.
حافِظوا على صَلاتِكُم والنَوافِل ،والصيام التَطوعي , وأذكاركم ، وكثير من عبادتكم التي أوجبها عليكم خالقكم .

منقول