وبينما كان الصمت المقفرلا يزال يلف المكان والظلمة الحالكة تنسحب من جسده النحيل مع كل زفرة ملتهبة تخرج من أعمـاقه البائسـة لتزيد إلى ظـلام الكون ظلاما آخر من حـوله, لا يقطع ذلك الظلام سـوى وهج سيجارة ودخان يرتفع , إذ بجرس الهاتف يقطع بمخالبـه الحاده ذلك الصمت الموحـش المسـتقر في نفسه وتلك الظلمه المنبعثه منها . رفع السماعه وكأنه يرفع جبلاً ثم أعادها دون أن يجيب ليزيد من وحشـة الصمت وظلمة المكان , ولكن جرس الهاتف أصر على تقطيع أوصـال الصمت .
رفع سـماعة الهاتف وأجـاب بصوت هزيل مخنـوق بتمتمات غير مسـموعة ولا مفهومه , أقفل سـماعة الهـاتف وعـاد يرتوي من ذلك الصمـت ليضيف إلى نفسه ظلاما جديداً آخر ,أخـذ من سـيجارته نفَسـاً عميقـاً ونفـث دخانهـا , بـدأ يراقب ذلك الدخان المتصاعد وهو يتلوّى بلونه الأبيض الباهت ثم يذوب ويتـلاشى في تلك الظلمـه
ليبدأ من جديد بنفس آخر ودخان آخر جديد مرة أُخرى , تَسـمَّرت عيناه إلى ذلك الوهـج المنبعـث من السـيجاره , أشـعل أُخرى إنتبـه إلى مـا يفعل ذلك الوهـج الصغير في تلك الظلمة الحالكة الممتـدة بين جسـده والمكان من حوله .
وفجـأه قام من مكانه , إتجه نحو الحـائط , أشـعل المصباح فتمـزق الظـلام من حوله ورأى كل شـيء بوضوح أكثـر
أخـذ يتمطى ويتثـاءب فاتحاً ذراعيه وسـاقيه وكأنه وجـد ضالَّته , قفز مرّة أخـرى نحو الحائط , إتجـه نحو النـافذه , أزاح تلك السـتاره الداكنه فانهمـرت أشـعة الشمس تضيء نفسه وتفتت تلك الظلمة وذلك الظـلام الذي امتد طويلا حتى غمرت أشـعة الشمس أرجاء نفسه وامتلأ المكان بها ولوَّنت فضـاء الحجرة , فتـح النـافذة فتدفَّـق الهـواء نقيـاً إلى رئتيه , مدَّ ذراعيه وكأنه يحتضن بينهما كل أشـعة الشمس وكل هواء الكـون ذهـب بعيـداً الى آخر الدنيـا , تجوَّل ببصره فى فضاء الله الواسع , سـمع زقزقة العصافير وناي الـراعي وحفيف أوراق الشـجر سـمع ورأى مـا افتقـده ونسيه منـذ زمن بعـيد ,
تذكّـر أن الحيـاة ما زالت تناجيه وتتودَّد اليه .
زرع كل ذلك في نفسـه ثم ....
قرر التحـدي ....
لمـاذا لا يبـدأ من جديـد ... ؟



رد مع اقتباس
