شاهد احتلال
-1-
الاعزاء / شهادات على واقع مر جاء بعد حين وان كان منذ ردح من الزمن يحكى على اعتاب مقهورة في ازقة مخيمات فُرضت ان تكون على اجيال واجيال تنتظر على رصيف العودة ان تكمل ذكرياتها تحت شجرة برتقال ياقوية او على باب طابون في اللد او ربما امام شاهد آخر هو انتم / الزملين الصحفيين في جريدة الدستور الاردنية /جمانة ابو حليمة وكمال زكارنة كانوا في وقت مضى قد اقطتفوا شيئا من هذه الحكايات على وقع شهادات مؤلمة ما زالت تتنظر /
لهم منكم ومن مني اجمل باقة ود ومحبة دائمةعلى منحهم لي هذا الحق بتصرف وبالنشر .
/ عبد السلام العطاري /
شاهد احتلال
1/ 25
ظل الفلسطيني برغم ترحيله وتهجيره القسري منذ نكبة 48 مروراً بنكسة 67 اكبر بكثير من مساحة المخيم المقترح عليه، وظلت ذاكرة اللجوء الأول والنزوح الثاني تنشط باتجاه البوح لأصغر الأحفاد عن حادثة العدوان الاسرائيلي التي اقتلعت الفلسطيني من مكانه الأول "الوطن" واذا كانت الشفاهية ورغبة النطق قد رافقت الفلسطيني لأكثر من نصف قرن مضى، فإن على الموثقين العودة لسماع الحكاية من اصحابها، ولكي تأخذ حادثة التهجير وما رافقها وضعها الصحيح في التاريخ. إذا ان الشفاهية التي ظلت تعتقل القضية الفلسطينية وتفاصيلها تحتاج منا إلى اعادة اطلاقها كي تضيء على فجيعة التهجير الفلسطيني لتكشف عن ادق تفاصيل هذا العدوان. و"الدستور" اذ تفتح ملف "الشفاهية" الفلسطينية هنا على لسان شاهد عيان فإنها تأمل ان تنقذ بعض ادق تفاصيل احتلال فلسطين وتهجير اصحابها. وانقاذ الحكاية.
مريم ياسين ابو دية: في مخيم البقعة ..
اقتلعنا نبات العدس وافترشناه في الخيام للنوم عليه
"كنا نائمين بطمأنينة في احدى ليالي شهر رمضان المبارك في العام 1948 فإذا بالمجرمين اليهود الصهاينة يهاجمون تل الصافي – قضاء الخليل من جميع الجهات ويطلقون النار في كل الاتجاهات وشرد اهلها فلجأ معظمهم إلى قريتنا".. هذا ما بدأ بالحديث به معنا الحاجة مريم ياسين ابو دية التي تبعد قريتها ومسقط رأسها "عجور" عن تل الصافي كيلو مترين فقط، حيث ان هاجس الاحتلال ومرارته وارهابه لا يزال يشغل الحيز الأكبر في ذاكرتها الفلسطينية.
"بعد ان احتل اليهود قرية تل الصافي ولجأ من اهلها من لجأ الينا وقتل من قتل، واصلوا هجومهم على قرى اخرى فهاجموا قرية دير الذبان القريبة من قريتنا، اذ كنا انذاك في البيارة وقمحنا هناك. قال الناس ان اليهود دخلوا "جدر البلد" (عجور) فقام والدي بترحيلنا انا واخوتي الثلاث وشقيقاتي، أخذ الناس حلالهم ورحلوا ورحلنا معهم إلى خربة اسمها حوران – في قضاء الخليل – وهذه الخربة كلها مغارات وبدود، اقمنا فيها ليلتين.
طاردنا اليهود من بيت جبرين ومن ثم من دير نخاس إلى زكريا ثم خرجنا سيرا على الأقدام مع حلالنا إلى تبولة ومن ثم إلى دير ابو كبسة حيث كان من المفترض ان يكون جهز لنا مخيم هناك.
لحق بنا اليهود فرحلنا إلى خربة دير ابو الجلود وهناك باع والدي الغنم ورحلنا إلى مخيم الفوار حيث كنت على وشك انجاب ابني الأول، لم نمكث طويلا في مخيم الفوار، لظروف مختلفة، فرحلنا إلى اريحا واقمنا في مخيم عقبة جبر لسنة 1967 وهناك انجبت ثلاثة اولاد وبنتين.
في العام 1967 بعد العدوان الاسرائيلي هاجرنا إلى مخيم سوف في جرش حيث كان الجو سيئا جداً فالأمطار غزيرة ونحن في العراء ومن هناك رحلنا إلى مثلث دامية في غور الأردن وهناك بدأ اليهود بقصف المخيم بشكل متواصل، فقد استمروا بإطلاق الرصاص علينا وعلى اطفالنا بهدف ابعادنا عن المخيم المحاذي لفلسطين لكي نبتعد عنها اكثر.
هربنا من دامية إلى مخيم البقعة، واذكر اننا عندما وصلنا المخيم كانت الأرض مزروعة بالعدس واضطررنا لقلعة وافتراشه داخل الخيم حيث لم نكن نملك أو نحمل ما نفترش به الأرض نحن واطفالنا الصغار وشيوخنا.
لا زلت احلم بالعودة إلى عجور وادعو الله دائما ان يحقق لي هذا الحلم قبل ان اموت.