المقال التالي كتبهُ السيد علي بلوط، ورغم أن الكاتب هو صحفي متقلب ..ولكنني إخترت هذا المقال الذي كتِبَ في الاشهر الاولى من الاحتلال وقد أثبتت السنتان ونيف الماضيتان صحة بعض المعلومات التي وردت في المقال مما شجعني لأعادة نشرها لأهميتها:

خطة صدام حسين لما بعد الاحتلال


بقلم: علي بلوط (كتبهُ بعد أشهر قليلة من إحتلال بغداد)
تعتبر الهجمات الاخيرة دليلاً لبداية نوع من الحرب التي خطط لها الرئيس صدم حسين قبل الغزو الانجلو امريكي بمدة طويلة، وقد تمت الموافقة النهائية على هذه التكتيكات بعد ابلاغ الرئيس صدام حسين بمعلومات سرية في الاسبوع الاول من شباط بالنسبة لتوقيت عدوان التحالف، وقبل الحرب، سأل صدام المانيا من خلال منسق الامم المتحدة الانساني السابق في العراق واسمه هانس فون سونيك ان يفتح قناة مباشرة مع واشنطن، وذكر له بأنه كان يرغب في الوصول الى تفاهم بالنسبة لجميع القضايا العالقة من اسلحة الدمار الشامل وحتى تقرير مستقبل النفط العراقي.

وقد استقال فون سبونيك احتجاجاً على العقوبات التي اصبح عمرها حقبة من الزمن، ومع هذا فقد واصل هانس سبونيك زياراته العادية لبغداد وقابل صدام قبل ان يتنقل بين نيويورك وبرلين وبغداد في محاولة منه لدرء خطر الحرب، وفي خلال زيارته الاخيرة بغداد، ذكر لي سبونيك وهو صديق شخصي لي بأن المستشار الالماني جيرهارد شرودر كان يدعم جهوده الديبلوماسية بشكل سري.

وفي الشهر الذي يليه تلقى صدام من مخابراته تقييما قال بأن قرار واشنطن لقلب النظام البعثي قرار لا رجعة فيه، واقتبس التقرير من المعلومات الاستخبارية الالمانية التي كانت تربط الرئيس العراقي علاقة وثيقة بها قولها بأن الغزو سيبدأ في اواخر شهر اذار، وكان صدام يحاول بدء حوار مع واشنطن منذ غزوه الكويت في اب سنة تسعين.

في سنة 1991 طلب مني الرئيس العراقي السابق ان انقل رسالة لادارة كلينتون، وفي واشنطن قمت بالاتصال بأشخاص رسميين وغير رسميين تربطهم علاقة بالبيت الابيض كان من بينهم خبير الشؤون العراقية في البنتاغون فوبيه مار Phoebe Marr وجوزيف سيسكوJoseph Cisco نائب وزير الخارجية الامريكية السابق، وكان فحوى الرسالة رغبة صدام في التوصل لفهم شامل مع الولايات المتحدة، وكان مضمونها كما يلي: «اننا لا نستطيع ان نشرب النفط العراقي، ولدى الولايات المتحدة افضل قدرة عالمية لتطوير المصادر الطبيعية العراقية الضخمة»، كان جواب واشنطن التي تلقيته: «نحن نريد الجسم العراقي، ولكن دون الرأس»، وقمت بنقل الاجابة لبرزان اخ صدام غير الشقيق الذي كان يعمل اوانها سفيرا في سويسرا، ومنذ ذلك الحين، تركزت استراتيجية صدام على كسب الوقت املاً في اعاقة اهداف واشنطن.

وفي الوقت ذاته، اعاد صدام تنظيم قواته المسلحة وقبل ثمانية شهور من تلقيه التقييم الاستخباراتي الالماني بالنسبة لتنمية الحرب، اصدر صدام نشرة لمسؤولي حزب البعث الرئيسيين تعطيهم فيها تعليماته بأن يكونوا على اهبة الاستعداد لهجمة امريكية في اية لحظة، وحذرهم في النشرة التي اصدرها في شهر تموز سنة 2000 بما يلي: «سوف تهزم القدرة العسكرية العراقية بسبب عدم توازن القوى، ولكن ستتم اعادة تأسيس التوازن بسحب رجل القوة العسكرية الامريكية للمدن والقرى والصحراء العراقية وباللجوء الى تكتيكات المقاومة» ، وقد عمل صدام حسين لمدة اربع سنوات على تكييف قدراته العسكرية لحرب العصابات.

وفي اجتماعات خاصة متعددة ذكر لي بأنه يعتقد بأن القيادة العسكرية الرسمية قد ترهلت وانها بحاجة الى دماء جديدة، فأشرف شخصياً على استقطاب قادة لوحدات العصابات الجديدة كان معظمهم تحت سن الخامسة والثلاثين، وكما كانت اعمار بعضهم ثماني عشرة سنة، وتقلدوا مناصبهم بعد وقت قليل من تنفيذ حملة الهجوم الجوي التي شنتها امريكا سنة 1998، والتي اسمتها بثعلب الصحراء، وفي خلال زيارتي الاخيرة لبغداد في كانون الثاني سنة 2003، اجتمعت بعدة مسؤولين عراقيين بما فيهم نائب رئيس الوزراء العراقي طارق عزيز الذي كان متأكدا بدنو اجل الحرب، حيث ذكر بأن هناك خطة مقاومة كانت تدور في رأس الرئيس العراقي، وقد شكل صدام عددا من المقاتلين المنتشرين بجميع انحاء العراق، وجهز الاسلحة والنفوذ قبل الغزو، فالاسلحة الخفيفة كالقنابل الصاروخية والمتفجرات والقنابل اليدوية متوفرة.

واما الاسلحة والذخيرة فيتم تصنيعها في مواقع سرية مبعثرة في جميع انحاء العراق، واما النفوذ فهي متوفرة اكثر من السلاح، فبعض الثروة الهائلة التي جمعها صدام باقتطاعها من عائدات النفط تم استثمارها في الخارج وفي السنة السابقة بدأ صدام بتسييل مدخراته الاجنبية وبناء سلسلة من جبال النقود المحلية.

وبعد الغزو تم قطع الاتصالات بين الرئيس السابق مع معظم مسؤولي البعث السابقين الاخرين ذوي الرتب العالية، واستنادا الى عضو من عائلة طارق عزيز، فحتى ان حراس صدام حسين الشخصيين اختفوا.

ولتجميع المقاومة مع بعضها البعض تبنى صدام نظرية ترى بصهر القومية العرقية وحزب البعث والقوى الاسلامية معا، ويجب ان يكون الزعماء مستقلين، ولكن مرتبطين بقائد عام وهو صدّام حسين نفسه، لقد عاد صدّام للتاريخ الاسلامي من اجل التركيب الاساسي للمقاومة، وقد اتاه الالهام الرئيس من الهجرة حين هاجر النبي محمد من مكة الى المدينة التي عاد اليها منتصرا فيما بعد، من اجل اعلان انتصار الاسلام، وفي نيسان بعد سقوط بغداد لجأ العديد من مسؤولي الحزب الى بلدان عربية اخرى حيث كانت التعليمات لهم واضحة: «اختفوا وانتظروا» وقد كان دورهم كحلقة وصل بين المقاومة في العراق وبين الجماهير العربية في مصر والاردن وسوريا ولبنان واليمن والمغرب وموريتانيا حيث تم تأسيس خلايا حزب البعث منذ 1968.

واولى هذه المجموعات الثلاث التي يتكون منها جيش صدّام هم مجموعة المجاهدين التي تضم العراقيين غير البعثيين والمتطوعين الاسلاميين الذين حاربوا في افغانستان والشيشان. واعضاء حزب البعث الوحيدون هم من العرب غير العراقيين، ولا يمكن معرفة عددهم، مع ان مؤشرا اتى من طاهر جليل حبّوشي القائد العام للمخابرات العراقية الذي قابلته في كانون الثاني، وقد ذكر حبوشي بأن هناك نحو ستة الاف مقاتل عربي ومسلم موجودون في بغداد في ذلك الوقت، ومعظمهم مدربون على حرب العصابات، واما المجموعة الثانية فهي مجموعة الانصار التي تتضمن محاربي حزب البعث الذين اختارهم صدام شخصيا حيث حافظوا على مشاركتهم بشكل سري بعيدا عن حزب الحرس القديم، واعضاء الانصار موجودون في كل انحاء العراق، والاتصالات بين الخلايا بدائية لكنها امنه، ويمنع عليهم استخدام الرسائل المكتوبة، او استخدام الراديو اوالهواتف النقالة المحمولة.

ولكل خلية رسلها الذين مهمتهم ترحيل الرسائل الشفوية للخلايا الاخرى، واما المجموعة الثالثة فهي مجموعة المهاجرين التي تتكون من عدد قليل من اعضاء القيادة المؤسسة، ومن بعض مسؤولي البعث بما فيهم الاطباء والمهندسين والمخططين العسكريين، ويمثل هؤلاء اساس النظام الصدامي الجديد المأمول ان يقودوا العراق، بعد هزيمة الاحتلال الاميركي الانجليزي، والوحدات بداخل مجموعات المقاومة الثلاث مستقلة عسكريا.

والدوري الذي لديه صلات جيدة بالشخصيات الاسلامية المهمة في العالمين العربي والاسلامي كان مسؤولا عن اسلمة المجتمع العراقي (تحويل المجتمع العراقي للاسلام) بعد سنة 1992، وقد تخلى صدام عن بقية شخوص البعث السابقين بصورة اولية بسبب كبر سنهم وبسبب شهرتهم الواسعة.

عن: القدس المقدسية