أحدث المشاركات
النتائج 1 إلى 6 من 6

الموضوع: تمرد السكون

  1. #1
    قلم منتسب
    تاريخ التسجيل : Jan 2006
    الدولة : سوريا
    المشاركات : 28
    المواضيع : 9
    الردود : 28
    المعدل اليومي : 0.00

    افتراضي تمرد السكون

    تمرّد السكون



    بقلم / حنان الزريعي

    " تحاصرني إملاءاتك بأن أكون غيري ، وأن أطرّز مناديلاً تحمل أحرف اسمك دون غيرك . لكَ الحق بأن لا ألفظ سوى اسمكَ بولهٍ ، لكن هل الحق معك عندما تنحت سعادتي لتحيلها لتمثال جميل المنظر ؛ أصمّ الروح . أين أنا من سعادة أختارها برغبتي ؟ .
    اليوم سيأتي هو وأهله لطلب يدي ، واليوم بالذات لا أرى سوى الكآبة قد عانقت روحي . أهو الخوف من خطوتي القادمة ؟ .. أنا .. منذ متى والخوف يحتل مقعد القيادة في حياتي ؟ ، لا .. لست أنا من أخاف الخطو ، هو شيء لا أدري كنهه " .
    تركت قلمها جانباً ، أغلقت دفتر مذكراتها على شعور مجهول ، أرادت رؤيته قبل أن يأتي وأهله . اتصلت به ، فرح لسماع صوتها ؛ هذا ما شعرت به ، في حين .. انقبض صدرها لسماع صوته ؛ الذي كانت تعشقه قبل اليوم .
    **********
    هي شمس الأصيل بعذوبة دفئها وتثاؤبها لاقتراب موعد نومها ؛ من أضفى على تلك اللحظة هذا الخدر اللذيذ . اقتربت منه حيث يجلس تحت ظل شجرة الصنوبر ؛ التي ضمت اسميهما داخل قلب حبٍ رسماه قبل سنة . نهــض عـنـد رؤيتــهــا ، نـفض الغبــــار بســرعــة عــن بنطاله ، ابتســـم لها .. " أتريدين الجلوس ؟ "
    - لا .. أريد المشي .
    تسايرا جنباً إلى جنب ، سرق أرجحة يدها بين سكون يده ، برودة سرت في جسدها وعيناها غائبتان حيث اللاشيء .
    - ما بكِ حياة .. أهناك شيء .. ؟
    - لا أدري ما بي .. لكنني أردت فقط الحديث معك .
    توقفت ، نظرت إلى عينيه ، كم أحبتهما ؛ للونهما البني دفء منظر أوراق الخريف وقد تدثرت بها الطرقات والحقول ، لكن .. أين هو الذي عشقته بكل جوارحها ، أين هو .. ؟
    - لؤي .. ما الذي تعنيه حياة بالنسبة لك ؟
    ضحك لؤي ، ربما لو سألته قبل أشهر لأجابها ، لكن اليوم بالذات ! . صرخ هامساً : " إنها تعني لي .. الحياااااة " .
    تنهدت بعمقٍ ؛ ليس ارتياحاً لإجابة تعرفها مسبقاً ، بل آهة خرجت لتغسل زوايا تردد بوحها .
    - أتذكر تلك الفتاة التي أحبتك قبل عام .. أتذكرني لحظتها .. ؟
    - وهل للعاشق أن ينسى أول قطرة عشق تروي قلبه .
    أجابها وقد أمسك يديها بقوة ، أفلتتهما من قبضته التي شعـرت بقسوتــهما .. الآن !
    استغربت نظراته تصرفها ، سألها : " هناك شيء تودّين قوله .. ما هو ؟ .. ربما ترتاحين لمصارحتي " .
    أخفضت عينيها حيث كانت لحظتها تداعب حجراً صغيراً تحت قدميها ، نظرت إليه مجدداً ، ألفته إشارات استفهام تريد إجابة كاملة .
    - لؤي .. أعرف أن قرار ارتباطنا قد باركه أهلُكَ ، كوني أصبحت كما تريدون .. لكن ..
    تلعثم خطو الكلمات بين شفتيها ، تراجعت أجساد الأحرف مختبئة لحين تعلم البوح ، دون أن تخدش السطر الذي عانق ولادة النور . لملمت تقاسيم وجهه القلقة بنظرة حنونة ؛ فاتكأ ترددها على بعض القوة ؛ لتتابع قائلة :
    - لكن .. حبي لك .. أزال رسوماً نقشتْ سنين عمري وتفاصيلها ، برغبتي أردت أن أكون كما تحب . ملابسي وحتى ألوانها كانت على هواك ، تسريحة شعري ولونه غيّرتهما لملائمة عشقك لصورة أردتها لي ، حتى صديقاتي كُنَّ مثار نقاش بيني وبينك ، ابتعدي عن تلك فهي غيورة ، صادقي هذه إنها ابنة عائلة .. أو .. من تلك الأسباب الكثيرة ، وإن لم يعجبك أسلوباً أو تصرفاً بدر مني .. تغضب ، ولا أرى ابتسامتك أو غفرانك لحبيبة تتعذب ، إلا إذا غيّرتُ ما لا يعجبك . لا أقول أن حياتي كلها صائبة ، لكنها ليست سيئة ، فكلّ منا يمتلك الاثنين ، فلا أنا بمـلاك ولا بشيطـان ، أنا فقط .. إنســانة ، لكن .. ألمْ تخفْ عندما كنت تغيّر هذه الحياة التي عشقتَها – كما قلت قبل قليل – بأن يفقد قلبي جزءاً منك ؟ . مارستُ براءتي دون الخوف من عبارات .. هذا خطأ .. أو .. لِمَ فعلتِ ذلك ، عشتُ تلقائيتي ، وبمجرد أن تلاقيا قلبانا ، استأذنتُ براءتي وتلقائيتي ؛ بأن يختبئا ، فهما السذاجة في نظرك ، وهو ما لا تحبه في حبيبتك وزوجة المستقبل . أتدري لؤي .. ؟ ، أن من أحبتك ليست حياة ، بل هي تلك البراءة التي أخفت عيوبك عني ، بساطة حياتي هي من عشقت تمردك على سكوني ، وللأسف أردتَ لي أن أكون كما تريد ، أن أكون غيري . نحتَّ عواطفي ومشاعري وأزلت كل ما لا يعجبك ، لكنك أزلت تلك الأشياء التي عشقتك .
    صمتتْ ، لأول مرة تستدرك هكذا دون أن يقاطعها أحد ، تعوّدتْ الكلمات المبتورة السريعة ، نظرتْ إليه ، ألفتهُ واجماً .
    - إذن جئت لتقولي لي بأنكِ لا تحبينني .
    قاطعته حياة .. " لا .. بل أحببتك ، لكــنني أستشعـر الآن برودة في مشاعري نحوك .. "
    - تريدين إقناعي بأنك اكتشفتِ هـذا البرود اليــوم ، أم أن هنــاك .. شخصاً ! ..
    صرخت في وجهه .. " اصمتْ ، إياكَ أن تزيد حرفاً عما قلته ، يكفيني طوال معرفتي بك ، وأنا أجيبك عن .. عـرّف .. أكـمل ما يلي .. لِمَ ؟ .. مـاذا تقصدين ؟ .. سئمت تعريف أفعالي ، مللت من تبرير كلمات تُفهم مغلوطة ، لؤي .. أنا لا أكرهك ، لكنني أخاف الارتباط بك الآن ، لأنني لست أنا . أريد استرجاع ما فقدته ، بإمكانك إعادة ما فُقد مني ، عندهـا أكون تلك التي عشقتك ".
    بقدر ما ارتاح قلبها لبوحٍ مؤلمٍ ، بقدر ما تألم على من أحبه . مدّت يدها لتستأذنه بالانصراف ، فلم تعدْ تقوى الصمود أمام نظراته . صافحها كمن يهمس " انتظري قليلاً " ، شعرت بدفء لامس بريق عينيها بمجرد لمس أصابع يده ، ابتسمت له ، رشفت نظراته بسمتها ؛ كظامئ تذوق قطرة براءته للتو .
    **********
    " ربما هي شمس الأصيل قد أسكرت قلبي بنبيذ شعاعها ، أو ربما أخيراً .. قلت كل ما لدي " .
    وضعت قلمها جانباً ليرتاح من لهاث حبره على الورق ، مدت يدها أمامها ؛ مستأنسة ببريق خاتم حمل اسمه ، وقد زيّن يدها اليمنى .

    hanansalim75@hotmail.com

  2. #2
    الصورة الرمزية ليال قلم نشيط
    تاريخ التسجيل : Apr 2003
    المشاركات : 982
    المواضيع : 35
    الردود : 982
    المعدل اليومي : 0.13

    افتراضي

    هذه القصة تناولت ببساطة وبأسلوب متقن فكرة "الإستقلالية" التي تسيطر على هواجس كثيرمن الفتيات ,خصوصاً أولئك اللواتي في مقتبل العمر، وهذه الفكرة على الرغم من أنها قد صيغت بعناية وأقتدار ينمان عن موهبة واضحة وقلم متمرس بالكتابة. غير أنني وجدت في بعض مشاهدها نمطية لم استسغها لكونها تكررت كثيراً في افلام الأبيض والأسود...تقبلي مني كل الأحترام والتقدير وأطيب تحياتي
    .

  3. #3
    أديب
    تاريخ التسجيل : Apr 2006
    المشاركات : 9,079
    المواضيع : 101
    الردود : 9079
    المعدل اليومي : 1.38

    افتراضي

    حنان.................

    للتمرد بانواعه...فقه خاص به....وراك هنا قد اجدت صياغة تمرد سكوني جميل بقلمك .....فمع عدم امكانية حدوث الكثير من الامور في واقعنا الشرقي... الا انك قد استطعت وبقدرة عالية على ايصال الفكرة الينا....

    اهنئك على هذه الاسطر الرائعة....من حيث الفكرة...والصياغة....

    تقديري واحترامي
    جوتيار

  4. #4
    الصورة الرمزية سحر الليالي أديبة
    تاريخ التسجيل : Sep 2005
    الدولة : الحبيبة كــويت
    العمر : 38
    المشاركات : 10,147
    المواضيع : 309
    الردود : 10147
    المعدل اليومي : 1.49

    افتراضي

    بوح رائع بكل معن الكلمة ..بحق رائعة حد الورد

    اختي المبدعة حنان اعذريني أخاته سأصمت هنا فكلما صادفني بوج كتب بمداد من نور ،تتبعثر كلماتي ويجف قلمي ...

    سلمت لنا ايتها الرائعة

    وتقبلي خالص حبي وودي وباقة وردنقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  5. #5
    الصورة الرمزية حسام القاضي أديب قاص
    تاريخ التسجيل : Mar 2006
    الدولة : مصر+الكويت
    العمر : 63
    المشاركات : 2,213
    المواضيع : 78
    الردود : 2213
    المعدل اليومي : 0.33

    افتراضي

    الخت الفاضلة / حنان الزريعي
    تحياتي
    بدأت القراءة متوقعا قراءة خاطرة ولكن فوجئت بقصة قصيرة قوية تؤكد أن صاحبتها تملك كل مقومات كتابة القصة .
    شكرا لما أمتعتنا به هنا .
    وكل الشكر للفاضلة / ليال لإبرازها هذا العمل الجميل .
    أرى ان المكان المناسب لهذا العمل هو منتدى القصة .
    حسام القاضي
    أديب .. أحياناً

  6. #6
    مشرفة عامة
    أديبة

    تاريخ التسجيل : Aug 2012
    المشاركات : 21,156
    المواضيع : 318
    الردود : 21156
    المعدل اليومي : 4.94

    افتراضي

    قصة ماتعة الفكرة ، ثرة البيان، ألقة التعابير
    أتقنت نسجها وحبكتها بأداء متقن وقلم متمكن، وسرد ماتع ولغة بديعة
    ورغم تأكيد كل من مروا من هنا إنها قصة إلا إني وجدتها في قسم النثر
    فنقلتها إلى حيث يجب أن تكون
    تحياتي وكل تقديري.
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

المواضيع المتشابهه

  1. همسات في سحر السكون
    بواسطة مصلح أبو حسنين في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 16
    آخر مشاركة: 26-07-2011, 06:18 PM
  2. حنيني السكون
    بواسطة محمد مطيع الطيب في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 7
    آخر مشاركة: 01-05-2010, 04:17 PM
  3. هيام في سحر السكون
    بواسطة مصلح أبو حسنين في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 10
    آخر مشاركة: 20-02-2010, 07:02 PM
  4. موت على حد السكون
    بواسطة صالح أحمد في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 16
    آخر مشاركة: 30-08-2006, 06:03 PM