رجالُ الخوف
في صالة المسافرين الدولية بمطار باريس، كان الطفل ذو الخمس سنوات يبكي بحرقةٍ شديدة، وكان الجميع يحاولون معرفة السبب، لكنه يزداد خوفاً وبكاءً كلما اقترب منه أحد، ولم يزل على تلك الحال إلى أن اقترب منه أحد ضباط الشرطة وجلس على ركبتيه - بكل تضاؤل - أمامه فاحتضنه الطفل مباشرةً وهدأ روعُهُ وسكنتْ نفسُهُ بشكل غريب، ثم فهم منه – فيما فهمت – أنه فقد أثر والديه، فانتابني شعورٌ غريب - لحظتها - لقيمة رجل الأمن التي نفتقدها إلى حدٍ كبير في بلداننا العربية منذ نعومة أضفارنا .
فمنذ كنا أطفالاً ورجل الأمن يشكل لنا رعباً وخوفا، حتى أن الطفل إذا رفض الاستجابة لأمر ما هدده الكبار بقولهم: (الحين يجيك الشرطي)، وحتى مررنا بمرحلة الشباب والنضج لم يزل الشرطي هو مبعث خوفٍ وقلقٍ لنا، فنحن نخاف حتى من عسكري المرور رغم استيفائنا لكافة أوراقنا الثبوتية والرسمية، إلا أننا نخشى مجرد المسائلة أو الإيقاف فنستدير بسياراتنا بعيداً عن أي نقطة تفتيش، ولا أزال أتذكر عندما أوقفني رجل المرور، وسألته عن سبب إيقافي ومبرر ذلك، فقال لي بكل حدة وغلضة: (أقول لك عطني استمارتك ورخصتك ولا تكثر حكي ، وإلا والله لـ أعقدك) .
رجال الأمن يمثلون دوراً مهماً ليس على نطاق مكافحة الجريمة –بكافة أنواعها فقط – بل حتى في أنفس الناس ومشاعرهم وعواطفهم، فالمواطنُ العربي يترددُ ألفَ مرة قبلَ أن يتقدم بأي بلاغ للجهات الأمنية - حتى وإن سُرِقَ بيته أو سيارته - لأنه يصطدم بكمٍ هائلٍ من الإجراءات الروتينية المُهينة ضمنَ قدر لا بأسَ بهِ من التخويف والفضاضة والتعالي .
رجل الأمن في أوطاننا العربية بحاجة إلى دورات مكثفة تكرسُ مفهوم الوعي والرحمة والتعامل الإنساني المتحضر لديه إلى جوار المفاهيم الأمنية الأخرى المعمول بها .