السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أخي الحبيب الغالي
الشاعر المكرم د/ مصطفي عراقي .
لفت نظري العنوان المتداخل مع شخصكم الكريم ، فدخلت كي أطوف مع إيمانكم في هذا الرحب الشاسع ، المملوء بينابيع العذوبة ، وسط محيطات الأرض المالحة .
(1)
الإندماج النفسي
أطوفُ أحْمِلُ شطْرَ الرُّوحِ في كفِّي بين الشِّعابِ لألْقى شطْرَها الثَّاني حتى لقيتُك إشراقًا ، وأغنيةً تُنير دربي، وتمْحو دمعَ أحْزاني طرحْتُ عندكِ أوْهامي ، وأشْرِعتي وطافَ حولَ مداكِ الرحْبِ شرياني قطَّرتُ عُمري رحيقًا جئتُ أسْكُبُهُ على يديكِ ففرَّتْ منْهُ أشْجاني أنتِ الربيعُ على الأزهارِ يحملني إلى شروقِ المنى والمرفأ الحاني سحابةٌ أنتِ تحمي ظهرَ أشرعتي بين المدائنِ تحويني ، وترعاني تسقي عروقي بفيضٍ يشتهي سُفُني ويستريحُ مشوقا بين أحضاني يزيحُ عني رياح القهْرِِ في وطنييُ فجِّرُ الثورةَ الكبرى ببركاني وينزعُ الشوكَ من روحي وأوردتييُ عيدُ روحَ المُنى في قلبِ أغصاني
طفت حول هذه الباقة من الأبيات فلاحظت تفسيراً لملازمة الإيمان باسم الكاتب ، فهنا ومنذ البيت الأول تجد شاعرنا الجميل يتلاعب بمنظومة الضمائر ، تارة بين الخطاب النفسي في قلب اللاوعي ، وتارة أخرى للخطاب الخارجي للمخاطب ، في محاولة لجذب الإدراك إلى عالم الشاعر الداخلي ، للوصول لحالة الإستواء النفسي التام مع الحبيب ، بحيث يتم الإندماج والتلاحم الروحي، مبررا هذا السعي بتعدد صفات من وجد هذا الإيمان (أنتِ الربيعُ، سحابةٌ أنتِ تحمي ظهرَ، وهكذا), وقد نجح شاعرنا المكرم في ذلك ، بغلبة القافية ، كنوع من إغلاق هذا الإندماج فجاءت القافية بياء المتكلم ( شرياني ، نفسي ، أشجاني وغيرها ) ولو تاملنا كلمات القافية سنجدها كلمات مستوحاه من الطبيعة الداخلية لنفس الشاعر .
(2)
الإعلان
عيناكِ أهزوجتا فجْرٍ بريقهما بري وبحري ، مداراتي وأكواني في كلِّ ومضةِ حُبٍّ من وميضهما يُبدِّلُ الله ما بين برقٍ وبرقٍ أرتقي قممًا قدسيةَ الحُلْمِ ، أخْطو فوْق طُوفانِ أُطاردُ الريحَ أطْويها ، وأُرْسِلُها وفي يديَّ يدٌ تسْمو بإيماني
وفي هذه النقلة تجد استمرا شاعرنا في إضفاء المبررات التي دفعته لهذا الإيمان (عيناكِ أهزوجتا فجْرٍ ) ولكن هنا نجد شاعرنا انتقل نقلة أخرى ، بعد نجاحه في هذا التلاحم الروحي ، نجد أنه أراد أن يعلن هذا الاندماج بين عوالم الطبيعة من حوله ( أهزوجتا فجْرٍ ،بري وبحري ، مداراتي ، طُوفانِ ) تحت مظلة التمنى الإلهى ليبارك هذا الإيمان ، سمواً إلى الطهر ، والبراءة ، المحفوفة بالرضى الله ، وقد ظهر هذا جليا في البيت ( أُطاردُ الريحَ أطْويها ، وأُرْسِلُهاوفي يديَّ يدٌ تسْمو بإيماني ).
(3)
الحصاد
على جبينكِ يصْفو وجْهَ أُغنيتي ومن رحابكِ ترنو شمسُ أَوْطاني
هنا في المرحلة الأخيرة ، التي تلت مرحلة الإندماج ، ومرحلة الإعلان الشرعي ، نجد شاعرنا الكريم يعود لتأكيد تبرير إيمانه بهذا الحب ، و حصاد ناتج المراحل السابقة ، حيث أن وجه أمانيه ، وأغانيه قد طبع على جبين الحبيبة ، تعبيراً عن حالة التلاحم الكامل والإيمان المتبادل بمعتقدات واحدة ، وقيم واحدة ، حتى أصبحت بمنزلة الوطن ، وملاذاً للسكينة والراحة .
******في النهاية نجد أن شاعرنا الكريم سمح بتسلل الحب الرومانسي إلى قلبه ، ولكن إيمانه ، ومبادئه أرادت أن تدمج هذا الحب داخلها بحيث يضفي عليه صفة الشرعية الإلهية ، وهذا ما نلاحظه من اختيار العنوان (إيمان ) حيث أن طبيعة الشاعر الملتزمة هنا أرادت أن تحتوي عاصفة الحب هذه داخلها ، وتقننها نحو الطهر والسمو ، مروراً بمرحلة الصدق والتلاحم النفسي مع هذا الحب ، و إضفاء الشرعية عليه بإعلانه وعدم إخفاؤه ، إعمالا بأن الحلال هو مايعلنه العبد ولا يخشى أن يطلع عليه الناس ، وصولاً لما يتمناه في من يحبه ، بأن ينقل إليه ما يؤمن به من مبادىء وقيم ، ساعتها يكون هو بمثابة الوطن الذي يهتدي إليه ويضع رأسه على وسادته الناعمة .
محمد