أحدث المشاركات
النتائج 1 إلى 6 من 6

الموضوع: الحقيقة المطلقة

  1. #1
    الصورة الرمزية زاهية شاعرة
    تاريخ التسجيل : May 2004
    المشاركات : 10,345
    المواضيع : 575
    الردود : 10345
    المعدل اليومي : 1.42

    افتراضي الحقيقة المطلقة

    لا شيء أحقٌّ بالنصرة من الحق، ولا شيء أولى بالإزهاق من الباطل.

    تلك قضية مسلمة لا تنازع فيها من حيث التنظير؛ ولكن أين هذا الذي يُسمى حقّاً فيُتّبعَ وينصر؟! وأين ذاك الذي يُسمى باطلاً أو ضلالاً فيُطّرح ويُزهقَ؟!

    إن الحق الذي يدعيه زيد من الناس شيءٌ غير الحق الذي يدّعيه عمرو، فأيهما أحقّ بالحق؟! وأيهما أولى بالاتباع؟ وأيّهما الذي يملك الحقيقة المطلقة، فيملك معها تخطئةَ غيره وتسفيهَ رأيه، والقطعَ بضلال مذهبه؟

    تلك تساؤلاتٌ أثارها الفلاسفةُ قديماً، ونوقشت كثيراً في كتبهم وملتقياتهم، وظلَّت قضيةً فلسفية تتداورُها النخبةُ المثقفة، فأصبحت اليوم من القضايا التي يُحارب بها الإرهاب والتطرف، فطرقتْ أسماع الناس مقولة: إن الحقيقة المطلقة لا يملكها أحد، أو لا أحد يحتكر الحقيقة، ليس ثمةَ إلا الحقيقةُ النسبية، وحاصل هذه المقولات: أنه لا أحد يمكنه القطع بأن رأيه أو معتقده هو الحق وأن رأي غيرِه أو معتقدَه خطأٌ قطعاً، وإنما غاية ما يمكنه الجزم به أن رأيه صوابٌ يحتمل الخطأ، وأن رأي غيره خطأ يحتمل الصواب، فما يراه حقاً قد يراه الآخر باطلاً، وما يراه خيراً قد يراه الآخر شراً، وهو ما يُسمى بالحقيقة النسبية.

    ويرى المرددون لهذه المقولات المبطلون لاحتكار الحقيقة أن القطعية في الأحكام والآراء وادّعاء الإنسان بأن مذهبه هو الحق وأن ما عداه فباطل... أن ذلك من أهم أسباب التطرف والإرهاب، وأنه لا سبيل لمحاربة الإرهاب والتطرف إلا بمحاربة هذه اليقينية في الآراء، وتلك القطعيةِ في التصويب والتخطئة، ويستوجب ذلك تربيةَ النشء على التسامح وقبولِ الآخر، وتعويدَه على التعددية والتعايش مع الطوائف الأخرى، كما يستوجب تحصينَ فكره ووجدانه من القطعية في تصويب رأيٍ وتخطئة آخر؛ حتى لا تحرضَه هذه القطعيةُ على إقصاء الآخر وتكفيره والاعتداءِ عليه.

    وبمثل هذه الطريقة في محاربة الإرهاب الفكري يريدون أن يقطعوا دابر كل نزاع وشقاق، فيقولون لكل مستمسك برأي: إن اعتقادك بأنك على الحق ليس بأقوى من اعتقاد غيرك بأنه على حق، فلا بد أن تصطلحا فلا تتنازعا، وأن تتعايشا فلا تحتربا.

    وهذه المقولات التي تقرّر بأنه لا أحد يحتكر الحقيقة ليست صواباً بإطلاق، ولا خطأً بإطلاق، بل فيها نسبة من الخطأ وأخرى من الصواب، إلا أن نسبةَ الخطأ فيها كافيةٌ لنقض أصل الإيمان؛ لأن أصول الإيمان مبنية على القطعية واليقين، فأنت إن لم تقطع يقيناً بصحة توحيدك لله فلست بمؤمن في شريعة الله، وأنت إن لم توقن يقيناً لا ظن فيه فضلاً عن الشك بأن الله فرد صمدٌ لا شريك له في ملكه وخلقه فلست بمؤمن في دين الله، وإن أنت لم توقن يقيناً لا تردد فيه بأن القرآن معصوم من التحريف والتبديل وأن النبي صلى الله عليه وسلم هو خاتم الأنبياء والرسل وأن الوحي قد انقطع بموته فلست بمؤمن في دين الله، وقلْ مثل ذلك فيما سوى هذا وذاك من أصول الدين وقطعياته.

    إذاً التسليم بهذه المقولة على إطلاقها وهي أن الحقيقة المطلقة لا يطالها أحد، وأن الحقائق التي يؤمن بها البشر نسبيةٌ كلَّها، محتملةٌ الخطأ كاحتمالها للصواب لهو تسليم يناقض أصول الدين، وخطورة طرح هذه المقولة حقيقةً مطلقةً على العموم لا يقل عن خطورة الإرهاب والغلو، فلئن كان الإرهاب والغلو اعتداءٌ على الحرمات والحقوق، فإن طرح هذه المقولة بفكرتها الخبيثة يناقض أصلَ الإيمان المبني على القطعية واليقين.

    فلا بد إذن من تخصيص عموم هذه المقولة بأن يستثنى من عمومها أصولُ الدين، وقطعياتُ الشريعة، وهي: كل ما جاء في الكتاب والسنة قطعيَ الثبوت قطعيَ الدلالة مما لا يحتمل التأويل.

    وتبقى المقولة بعد ذلك صحيحةً في ظنيات الشريعة مما يحتمل التأويل ويسوغ فيه الاجتهاد واختلف فيه العلماء، فهذه الظنيات هي التي يصح أن يقال فيها: لا أحد يحتكر الصواب والحق فيها، وهو ما عناه الإمام الشافعي بقوله: "قولي صوابٌ يحتمل الخطأ، وقولُ غيري خطأٌ يحتمل الصواب".

    ومثل هذه الظنيات لا تحتمل القطعية في التصويب والتخطئة، ولا يجوز أن يكفّر فيه المخالف، ولا أن يتهم بسببه في ديانته، ولا يجوز أن يُستحل فيه عِرضُه ويُنتقصَ من كرامته وحقوقِه فضلاً عن استحلال دمه.

    لو كانت الحقائق كلُّها نسبية ليس فيها شيء مطلقٌ لا يصح لأحد أن يحتكر الصواب فيها لما جاز أن يُهلِك الله الأمم السابقة على تكذيب رسلها؛ ولو كانت الحقائق كلها نسبيةً ليس فيها قطعيٌ يقينيٌ لما جاهد النبي صلى الله عليه وسلم الكفار على أصول الإسلام، ولَمَا امتنع عن مداهنتهم وعن قبول المساومة على تلك الأصول، ولكان عَذرَهم على مخالفتهم له.

    وما معنى قوله صلى الله عليه وسلم لعمه أبي طالب لما جاءه يعرض عليه مساومةَ كفار قريش أن يترك سبَّ آلهتهم وتسفيه أحلامهم، وله عليهم إن فعل ذلك أن يتركوه وما اختار من دين يعبد به ربه، فقال: (والله ‏يا عمِّ، والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ـ حتى يظهره الله أو أهلكَ فيه ـ ما تركته). فأي يقين هذا الذي يحمله على ركوب الأخطار في سبيل نصرة معتقده وتسفيه أحلامهم وإبطال دينهم؟.. أليس هذا عينُه هو احتكارٌ للحقيقة؟ وهل كان صلى الله عليه وسلم ليقول هذا القولَ الشديدَ الذي يفيض بالقطعية على أنه على الحق وأنهم على الباطل لو صحتْ تلك المقولة: لا أحد يحتكر الحقيقة والصواب؟!

    ثم خلفه بالسيرة نفسها خلفاؤه الراشدون فأخذوا أصول الإسلام بالقوة والقطعية نفسها فهذا أبو بكر يقول ـ لمَّا راجعه عمر رضي الله عنه في قتال مانعي الزكاة: "‏والله لأقاتلن من فرَّق بين الصلاة والزكاة؛ فإن الزكاة حق المال، والله لو منعوني عناقاً كانوا يؤدونها إلى رسول الله‏ صلى الله عليه وسلم ‏ ‏لقاتلتهم على منعها"، فقال ‏عمر: فما هو إلا أن رأيت الله تعالى قد شرح صدر أبي بكر للقتال فعرفت أنه الحق".

    ألم يأمر الله موسى ويحيى عليهما الصلاة والسلام أن يأخذا الكتاب بقوة، والذي لا يتحقق إلا بالتصديق اليقيني والإيمان القطعي بما فيه من الأحكام القطعية.. (وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ)، (يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ).

    لو كان ليس ثمةَ حقيقةٌ مطلقة يملكها أحد فيحتكر فيها الصواب لكان أمرُ الله باتباع الحق والتزامِه عبثاً لا معنى له؛ لأنه على تلك المقولة حقٌ لا وجود له إلا في الأذهان، وأما في الواقع فهو نسبيٌ يصح أن يكون حقاً في عقلٍ باطلاً في عقل آخر.. ولو صح هذا فما معنى قوله تعالى: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ).. أين هذا الصراط المستقيم الذي يأمرنا الله باتباعه إذا كان لا أحد يملك الحقيقة، وأين هي تلك السبل الضالة التي نهانا عن اتباعها إذا كانت الحقيقة نسبية؟!

    إن أصول الشريعة وقطعياتِها ليست أحكاماً اجتهادية يستنبطها البشر باجتهادهم في تأويل نصوصها، بل هي آيات بيناتٌ صريحة الدلالة لمعنى واحدٍ لا تحتمل معانيَ أخرى، فلا يسوغ فيها الاجتهاد. ولذا فهي حقائقُ مطلقةٌ لا يجوز أن تكونَ في عقلٍ ما حقّاً صواباً وفي عقل آخر باطلاً.

    وبناءً على يقيننا بأن عقيدة الإسلام هي الحقُ الذي جاء به الأنبياء والرسل فإننا نحكم بالكفر والضلال على اتباع الملل الأخرى كلِّها حتى أهلِ الكتاب؛ لأنهم على أصول محرَّفة مبدلة.

    ولا تلازم في الإسلام بين التكفير والاعتداء، فالرسول صلى الله عليه وسلم كان أعدل الناس مع الناس حتى مع الكفار، الذين كفّرهم وعاب أديانهم وتبرأ منهم.. ولا خطورة في التكفير إلا إذا سُلط على أحدٍ من أهل الإسلام؛ لأن معناه أجراءُ أحكام الردة عليه وتجريده من حقوق الأخوة في الإسلام.

    إن محاربة الاعتداء والإرهاب لا يجوز أن يكون بنقض أصل من أصول الإسلام، أو تحويل عقيدته القطعية ـ التي لا بد فيها من اليقين القاطع ـ إلى ظنيات تحتمل الاختلاف.

    ومن المفارَقات المضحكة أن تروِّج أنت لفكرة فلسفية مستوردة، لا يلتزمها عدوُّك ـ أصلاً ـ في سياسته معك، فمقولة: الحقيقة المطلقة لا يملكها أحدٌ، أو لا أحد يحتكر الصواب، إنما يعمل بها الغرب في مجتمعاته لتحقيق التعددية، وأما مع البلاد الإسلامية فهو يعاملها معاملة من يملك الحقيقة المطلقة ويحتكر الحقَ والصواب، فالإسلام دين خرافي متخلف، ونبيه إرهابي شهواني، وأتباعه إرهابيون متخلفون، غيرُ جديرين بالاحترام ومراعاةِ الحقوق إلا إذا كفروا ببعض دينهم وآمنوا بأفكار الحضارة الغربية، بل يجب أن تُفرض عليهم فرضاً ليتخلصوا من التخلف الذي هم فيه، وصدق الله تعالى: (وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ)، وهذه السياسة التي يمارسها الغرب اليوم على البلاد الإسلامية تصدِّق هذه الآية وتكذِّب تلك المقولة الفلسفية: لا أحد يحتكر الحق والصواب.

    فهل أدرك بنو جلدتنا المغترون بنعيب الغرب ودعواته أنهم يدعون إلى شيء الغرب نفسه لا يلتزمه؟! أليست هذه الآية كاشفة عن قدر استعلائهم على الناس وكبرهم في أنفسهم وأنهم هم أول المدّعين لاحتكار الحقيقة والصواب؟!

    أ. سعود بن محمد الشويش

    منقول
    حسبي اللهُ ونعم الوكيل

  2. #2
    الصورة الرمزية سلطان السبهان شاعر
    تاريخ التسجيل : Apr 2004
    الدولة : شمال الجزيرة !!
    المشاركات : 3,808
    المواضيع : 145
    الردود : 3808
    المعدل اليومي : 0.52

    افتراضي

    مقولة بديعة رائعة

    أحسنت النقل اختنا زاهية

    لعل في ثنايا هذه المقالة ما يحل أسئلة كثيرة لبعضهم ممن يشككون في كل شيء ..ويتقبلون كل شيء .

    دمت
    ما دام أن الموت أقرب من فمي
    فمجرّد استمرار نبضي معجزة .........

  3. #3
  4. #4
    عضو غير مفعل
    تاريخ التسجيل : Jun 2006
    المشاركات : 55
    المواضيع : 5
    الردود : 55
    المعدل اليومي : 0.01

    افتراضي

    النص الديني لايحتكر الحقيقة بل يؤكدها لمن القى السمع وكان له قلب وهو شهيد

    اما تفسير النص الديني فهذا لاحقيقة مطلقة فيه بل نسبي

  5. #5
    الصورة الرمزية مصطفى بطحيش شاعر
    تاريخ التسجيل : Mar 2005
    المشاركات : 2,497
    المواضيع : 135
    الردود : 2497
    المعدل اليومي : 0.36

    افتراضي

    ماذكره الاخ فرج الصدق
    من تفسير النسبي للنص الديني هي أمور محدودة تندرج في اطار المتشابه من القرآن الكريم

    وقد جاءت سنة رسول الله مفسرة ومبينة فتناولت العقائد والاحكام و العبادات
    ثم جاء علماء الحديث ووضعوا علم الحديث والجرح والتعديل , وهو من ارقى علوم التحقيق وقدموا له الكثير من الجهد والصبر لأنه دين يفسر ما اجمل من القرآن الكريم

    ثم نقول ان تفسير القرآن نسبي يعكس رؤية المفسر !

    هذا كلام مرسل لاضوابط له
    التفسير هو ما اعتمد على السنة النبوية , واللغة العربية واساليبها وما سوى ذلك خزعبلات لاتختلف عن تلمود اليهود .

    الحقيقة المطلقة هي هذا الدين الذي ارتضاه الخالق لخلقه , وبلغه نبيه فقدمه تطبيقا وسلوكا
    وما سواه جهود وفكر انساني يتفاوت في اقترابه وابتعاده عن الحقيقة تفاوت اقترابه وابتعاده عن هذا الدين

    وهذا الدين هو الميزان التي توزن بها الامور فيعرف به النفيس من البخس والغث من السمين

    شكراً لزاهية على نقلها هذه المادة

  6. #6
    الصورة الرمزية زاهية شاعرة
    تاريخ التسجيل : May 2004
    المشاركات : 10,345
    المواضيع : 575
    الردود : 10345
    المعدل اليومي : 1.42

    افتراضي

    والشكر لك أخي الكريم مصطفى بطحيش على هذه المداخلة الموضحة لما نريد
    قوله من خلال النص .
    دمت بخير
    أختك
    بنت البحر

المواضيع المتشابهه

  1. أختي المطلقة
    بواسطة شاهر حيدر الحربي في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 35
    آخر مشاركة: 02-09-2016, 09:53 AM
  2. الدلالة المطلقة للفعل الماضي القرآني .
    بواسطة أ د خديجة إيكر في المنتدى البَلاغَةُ العَرَبِيَّةُ
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 04-09-2012, 03:00 AM
  3. أختي المطلقة.. لا تظلمي نفسك ...!!!
    بواسطة ابو دعاء في المنتدى الحِوَارُ الإِسْلامِي
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 12-08-2006, 04:53 AM
  4. لماذا يصعب علينا قول الحقيقة
    بواسطة محمد سوالمة في المنتدى الحِوَارُ الإِسْلامِي
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 03-09-2003, 12:12 AM
  5. كلمات لشهيد الحقيقة / طـــــــارق أيــــــــوب
    بواسطة زياد مشهورمبسلط في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 19-04-2003, 07:25 PM