بين يديه حفنة تراب يضمها يشمها وكأنما كان يجد فيها عبق ما , روحه تعشقها حد الثمالة وضعها في منديل أبيض بعناية فائقة حذرا أن تسقط منها حبة رمل , ثم ألقى نظرة أخيرة على المكان وكفكف آخر دمعة. سيخطو إلى عالم التحديات لقد بدأ الآن في صعود القمة ألم يخبرها أنه قادر على أن يوقف كل آحاسيسه ويضع قلبه بين يديه ويمضي! لكن إلى أين تساءلت بنظراتها الفاتنة؟..
حاول جاهدا أن يتماسك أمام إلحاحها وحاجته كي يبقى معها, لكن فطرته تأبى الذل والهوان سيتسلق أعالي الجبال ويخترق صمت القفار, ويسرح في كون الله الواسع تمتمت حينها بكلمات ظلت رفيقة دربه: فلتعد يوما إلي وطنك يحتاجك فرَّتْ دمعة من عينيه وعلى وجهه إصرار كبيرقائلا:
سأعود يوما........
ثم أطلق قدميه للريح, حبات الرمل اختزلت طفولته وشبابه وخطواته المترنحة نحو غد لم يملك يوما رسمه حتى على جدار مدرسة كانت دوما تهدم لغير ما سبب , ودفء منزل سقط مرات عديدة بقذائف هاون مزقت الدمى وامتزجت بملابس عيد لم تره عيناه قط كما كانت الجدات تحكي عنه.
وعن صباحات غابت شمسها بضباب كثيف ودخان , وقمر سهر الليل يحاكيه بلغة العالم الجديد وكرات نار ظلت تتدحرج من الفضاء نحو كومة قش كي تحولها إلى جحيم , كان يظن أنها مهرجان شموع فإذا بها رعب وخوف وتشريد لأطفال والنساء, عمَّت الفوضى ذاكرته وهو يلملم أفكاره بين غزة وعكا وحيفا وقرى بعيدة لاسبيل للوصول إليها, وجوه عديدة تسابقت تعزي الوطن الأبي في سلب حريته وكتم كلمته، أهذا هو العالم الحر ؟؟......
تبا له من عالم يطأ بعنجهية المستبد رقاب الضعفاء الأبرياء ، سجى ليل فلسطين وبدا القمر يضيء بنوره دروب الصاعدين قمم الجبال والمارين بين السفوح والتلال , ثم يبسم ثغره ويردد كلمات هوجاء عن الإنسانية ، يدرك تماما أنها تخذير للعقول وتكبيل للطاقات.........فقط
سجى ليل فلسطين, وبدأ القمر يضيء بنوره دروب الصاعدين ، وقمم الجبال والمارين بين السفوح والتلال .
عيناه المتعطشتان لرسم ملامحهم التي غيبها الثرى كان مثواهما أعماقه الملتهبة بحب عذري و لأرض روتها دماء من أرفضوا الذل والهوان ، من بعيد يد صبية تلوح وتردد :
سيعود البطل, سيعود وبيده باقات ورود .