أحدث المشاركات
صفحة 1 من 3 123 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 10 من 26

الموضوع: يد الغدر ..

  1. #1
    الصورة الرمزية وفاء شوكت خضر أديبة وقاصة
    تاريخ التسجيل : May 2006
    الدولة : موطن الحزن والفقد
    المشاركات : 9,734
    المواضيع : 296
    الردود : 9734
    المعدل اليومي : 1.48

    افتراضي يد الغدر ..

    أنظر إلى المدى الممتد ما بين السماء والأرض ، وما بين قمة الجبل وسفح الوادي .
    في هذه البقعة المرتفعة ، يجثم بيتي الحجري الموروث عن أجدادي، محافظا على شكله وصموده أمام الريح وعواصف الثلج ، تحيطه الأشجار الكهلة الباسقة ، ويمتد السفح أسفل منه ، يثبت تحديه لكل عوامل الجو والتعريه ، ترتص في ثناياه المنازل ما بين قديم وحديث، لا يكاد يرى الناظلر إليها من هذا المكان سوى الأسطح الممتدة على شكل مربعات ، حملت على ظهرها خزانات المياه ولاقطات الأقمار الصناعية .
    نسمات خفيفة كانت تهب تداعب وجهي حاملة ذرات التراب فتدمع عيناي وأنا أرقب هذا المنظر ، أتابع امتداد الطريق الملتوية كأنها ثعبان أسود طويل التف حول الجبل يعتصره .
    على مستوى بصري كانت أطيار قد فردت اجنحتها للريح سابحة في فضاء واسع ، وطائرات ورقية ملونة حملت أحلام الطفولة محلقة فتكاد تكون في متطاول يدي ، وكأني أحاول أن استمد منها الأمل .
    ذكريات ومضت توقظ الماضي من غفلته وأنا أنظر إلى تلك البقعة المحاطة بالأشجار في أسفل السفح ، وكأنها شخوص وقفت تحرس المقبرة القديمة لتمنع سكانها من مغادرتها .
    ها أنت ترقد هناك بصمتك وهدوئك ، ينكمش جلدي بقشعريرة سرت في جسدي لمرور ذكراك تقتحم نفسي في لحظات استرخاء كدت أستسلم لها ، فانتفضت كمن لسع على حين غرة ، كأنك تعود للحياة فجأة نافضا عنك الموت .
    تطفر دمعة من عيني فتخجل منك أن تنحدر ، أتذكر كم كنت تكره أن ترى دمعاتي تتساقط حزنا ،
    كم كنت ترجوني دوما أن لا أبكي ، أبتسم رغما عني ، أمد يدي أحاول أن ألمس الوجه منك ، كم أشتاق إليك ، أتمنى أن ألقي بنفسي بين ذراعيك تأخذني بكل حنينك وشوقك تضمني إلى صدرك .
    أه من لوعة الفراق الذي انتزعك من حياتي عنوة ، ومن وحدتي بعدك وعذابي ، لا زلت لا أصدق أن الموت اختطفك مني ، لا زلت أنتظرك ككل يوم ، أنتظر أن تأتيني بكل شوقك وحبك ، وكأن الساعات مرت عليك دهرا في غيابك عني .
    أي يد غدر تلك التي حرمتني منك ،، وبأي حق سلبتك الحياة ؟؟ أية وحشية تلك التي حكمت عليك بالموت وأي استهتار ، حرمنا فرحتنا ، وحول عرسنا إلى مأتم .
    لم يبق لزفافنا سوى يوم واحد ، ذهبنا لعشنا الصغير الذي ينتظرنا بلهفة ليضمنا ، وكأن القدر أبى إلا أن ندخله سويا ذلك اليوم ، ليودعك وتودعه ، كانت آخر الترتيبات ليكون مهيأ لاستقبالنا في اليوم التالي ، تلمست يدك كل قطعة أثاث ، دخلت كل الحجرات بفرح طفولي جميل ، كم كنت سعيدا يومها ، نظراتك كانت تشع حبا ، كنت تتحدث بصوت عال مليء بالمرح ، تتراقص وتدور حول نفسك ،ها هو الحلم قد تحقق ، سنكون غدا معا ، ضممتني إليك والتفت ذراعك حول وسطي تراقصني وأنت تغني بصوت شجي ملئة الحب ، لم تكن الدنيا لتسعك ، سعادتك غمرت المكان وغمرتني ، وغادرنا بيت أحلامنا على موعد للعودة في الغد ، وأنت لا زلت بمرحك وسعادتك .
    لا زلت أرى تلك السيارة وهي متجهة نحوك ، تسابق الريح ، فتخطفك مني وأنت ممسك بيدي ، أي جزع أصابني وأنا أرى جسدك يرتفع إلى ألأعلى ثم يهبط ليرتطم مرة أخرى في مقدمة السيارة فتسقط على أرض الشارع لتمر عليك عجلاتها فتمزقك إلى أشلاء ، أي منظر رهيب يمر أمامي ، وأنا أحوم حول القطع المتناثرة بصراخ مجنون ، لا أدري ما الذي أرى وماذا أفعل ، أي ذهول شل تفكيري ونا أرى نزف دمك يتحول إلى برك على أرض الشارع ، تحاول الأيدي أن تمسك بي فلا يقوى أحد على الإقتراب مني وأنا أجمع أطرافك المبتورة أضمها إلي صدري ، ولا ألبث أن أرفع رأسك لأنظر للوجه المهشم ، ودماءك تخضب مني الثوب والجسد والروح ، ثم أركض بجنوني إلى سائق تلك السيارة لأغرس أظافري في لحم وجهه وأصفعه دون وعي ، أركل السيارة التي داست على روحي حين داستك .
    لا أستطيع أن أذكر شيء بعدها ، سوى أني استيقظت لأرى أشباحا في سقف غرفة لا أعرف أين أنا ، منهكة لا أعي شيئا ، أسمع أصواتا من حولي لا أكاد أميزها ، ونور ساطع يخترق عيني ، شبح إنسان يقترب من وجهي ، أنظر إليه لا أكاد أميز ملامحه ، وصوت نحيب يصل إلى أذناي وتمتمات ، وما لبث أن سقط في مسمعي اسمك ، لأعود إلى وعيي بجزع وكأني إعيش اللحظة ذاتها مرة أخرى .
    هبت نسمة لسعت وجهي ببرودة المساء ، أجفلتني ، استيقظت من ماض لا أدري كم من الوقت عشت فيه وهو يمر أمامي ، انتفض وأنا أمسح دمعة سقطت رغما عني على عجل ، أجر الخطى لأصل إلى صورتك ، التقطها ، اضمها إلى صدري بحرقة الشوق والألم ألقي نظرة على تلك البقعة ، حيث واراك الثرى .





    //عندما تشتد المواقف الأشداء هم المستمرون//

  2. #2
    الصورة الرمزية محمد عصام عضو غير مفعل
    تاريخ التسجيل : Oct 2005
    الدولة : فى البعيد . . . بالجوار ؟!
    المشاركات : 783
    المواضيع : 40
    الردود : 783
    المعدل اليومي : 0.12

    افتراضي

    ابداع يفوق كل التخيلات جزاك الله كل الخير.
    أخى /أختى : دخون.
    نريد المزيد من الابداع مع تمنياتى بالتوفيق.

  3. #3
    الصورة الرمزية حسام القاضي أديب قاص
    تاريخ التسجيل : Mar 2006
    الدولة : مصر+الكويت
    العمر : 63
    المشاركات : 2,213
    المواضيع : 78
    الردود : 2213
    المعدل اليومي : 0.33

    افتراضي

    الأخت الفاضلة / دخون

    تحياتي

    هذه المرة أرى قصة متقنة معبرة وجميلة

    أجدت رسم صورة جميلة للمكان

    أجدت في التعبير عن مشاعر بطلة قصتك

    سرد مشوق من البداية للنهاية.

    قصة رائعة أحيك عليها .
    حسام القاضي
    أديب .. أحياناً

  4. #4
    الصورة الرمزية وفاء شوكت خضر أديبة وقاصة
    تاريخ التسجيل : May 2006
    الدولة : موطن الحزن والفقد
    المشاركات : 9,734
    المواضيع : 296
    الردود : 9734
    المعدل اليومي : 1.48

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة د/ محمد عصام
    ابداع يفوق كل التخيلات جزاك الله كل الخير.
    أخى /أختى : دخون.
    نريد المزيد من الابداع مع تمنياتى بالتوفيق.
    الأخ الدكتور / محمد عصام .

    شكرا على مرورك وعلى تفاعلك معي .
    أشكرك على التشجيع .
    مودتي واحترامي .

    أختك دخون .

  5. #5
    الصورة الرمزية حسنية تدركيت أديبة
    تاريخ التسجيل : Jan 2006
    الدولة : طانطان
    المشاركات : 3,596
    المواضيع : 313
    الردود : 3596
    المعدل اليومي : 0.54

    افتراضي

    قصة رائعة غاليتي وتصوير شيق وممتع سلمت اناملك دخون الرائعة
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعيhttps://www.youtube.com/watch?v=FLCSphvKzpM

  6. #6
    الصورة الرمزية وفاء شوكت خضر أديبة وقاصة
    تاريخ التسجيل : May 2006
    الدولة : موطن الحزن والفقد
    المشاركات : 9,734
    المواضيع : 296
    الردود : 9734
    المعدل اليومي : 1.48

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة حسام القاضي
    الأخت الفاضلة / دخون

    تحياتي

    هذه المرة أرى قصة متقنة معبرة وجميلة

    أجدت رسم صورة جميلة للمكان

    أجدت في التعبير عن مشاعر بطلة قصتك

    سرد مشوق من البداية للنهاية.

    قصة رائعة أحيك عليها .

    الأديب المتألق دوما / حسام القاضي .

    السلام عليك ورحمة الله

    كنت أنتظر مرورك أستاذي القدير بفارغ الصبر ، أشكرك على كرمك بالمتابعة ، وعلى شهادتك التي أعتز بها ، أتمنى أن أتعلم منك المزيد ، وأن أكون عند حسن الظن .

    كل التقدير والإحترام .

  7. #7
    الصورة الرمزية وفاء شوكت خضر أديبة وقاصة
    تاريخ التسجيل : May 2006
    الدولة : موطن الحزن والفقد
    المشاركات : 9,734
    المواضيع : 296
    الردود : 9734
    المعدل اليومي : 1.48

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ندى الصبار
    قصة رائعة غاليتي وتصوير شيق وممتع سلمت اناملك دخون الرائعة
    ندى الغالية
    سباقة أنت دوما ، مرورك يترك عبير الورد على السطور فتنتشي الكلمات .
    أشكرك أيتها الغالية على موروك ، ومعانقة الحروف .

    أسعدك الله أيتها الندية . نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  8. #8
    الصورة الرمزية محمد إبراهيم الحريري شاعر
    تاريخ التسجيل : Feb 2006
    المشاركات : 6,296
    المواضيع : 181
    الردود : 6296
    المعدل اليومي : 0.95

    افتراضي

    الأخت دخون
    تحية
    عبرت طرقات بوحك ورأيت أشجار الذكرى تساقط أوراق النسيان ، وترتدي حلة جديدة من دثار الأدب الربيعي ، وركبت سيارة الحب فوصلت إلى تلك القرى النائية ذات الحجارة السود تجثم على عنق الربا ، وترتفع فوقها صحون الوصال ، لواقط مشاعر ،
    قد اسرفت أختاه في حروف مشاعرك فكنت كريمة حد التجني على استنزاف كل نبض من وجدانك حتى خشيت عليك وأنا أتابع القصة من كمد يطبع حياتك أو قسوة تجلد الذات ، لقد عشت مع النص فوجدت تفانيا حد الضياع ، وقرب معاني من واقع معاش .
    وفقك الله كم كانت مؤثرة تلك الحروف ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
    دمت مبدعة
    وكم تمنيت أن ترحمي نفسك قليلا ...........
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  9. #9
    شاعر
    تاريخ التسجيل : Mar 2004
    المشاركات : 389
    المواضيع : 20
    الردود : 389
    المعدل اليومي : 0.05

    افتراضي لعله حلم وانتهى

    الرائعة دخون لا اريد ان اصدق ما قرات وكنت استعجل النهاية واتوقع ان توقظك الوالدة بعدها للذهاب الى المدرسة ، وعندما لم أجد ذلك في نهاية القصة حزنت خشيت ان تكون قصة واقعية حصلت معك او مع احدى معارفك او صديقاتك
    السبك اكثر من رائع والصور حية ومباشرة كأني أنظر إلى مشهد فيديو
    إرحمي نفسك كما قال أخي محمد الحريري ولا تحمليها فوق طاقتها بمثل هذه الأحمال . مرة أخرى أقف احتراما لقلم سيال مبدع لا عدمناه في واحتنا ولك كل الشكر والتقدير .

  10. #10
    الصورة الرمزية جواد تيدركيت قلم منتسب
    تاريخ التسجيل : Jul 2006
    المشاركات : 77
    المواضيع : 5
    الردود : 77
    المعدل اليومي : 0.01

    افتراضي

    لوحة تشكيلية
    احسها كذالك
    وافقت بين الكلمات والحروف فاهديتنا صورة ولا اجمل
    تسلم اناملك اختي دخون
    موفقة دائما
    تحياتي
    الشاعر
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    تمتزج الحروف بالحروف وترقص الكلمات احتفاءا بالشاعر..


صفحة 1 من 3 123 الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. يَدٌ آثِمَةٌ
    بواسطة لطيفة أسير في المنتدى القِصَّةُ وَالمَسْرَحِيَّةُ
    مشاركات: 23
    آخر مشاركة: 30-11-2020, 06:12 AM
  2. وَحدها يدُ شهرزاد ٍ باسقة...قصة قصيرة
    بواسطة علي السباعي في المنتدى القِصَّةُ وَالمَسْرَحِيَّةُ
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 29-08-2014, 11:40 PM
  3. يَدُ المَوْت - تركي عبد الغني
    بواسطة تركي عبدالغني في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 13
    آخر مشاركة: 08-06-2012, 02:15 PM
  4. موسى الغدرِ و ناصيةَ العهدِ !
    بواسطة ماجد الغامدي في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 41
    آخر مشاركة: 16-01-2012, 01:07 AM
  5. رصاصات الغدر ... وصواريخ القسّام
    بواسطة إياد عاطف حياتله في المنتدى أَدَبُ العَامِيَّة العَرَبِيَّةِ
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 25-05-2007, 02:07 AM