الكف تناطح المخرز
رواية
بقلم : د . محمد أيوب
الفصل الثالث عشر
( 13 )
الليل طويل طويل ، وحياد يتقلب في فراشه ، يطارده أرق ممل ، عيناه تنظران إلى سقف الغرفة ، يحاول أن يطبق جفنيه على نوم هادئ، لكن النوم يفر منه تاركاً إياه فريسةً لأفكار شتى.. ترى أما لهذا الليل من آخر؟! وهل سنقضي حياتنا في صراع دائم ، لقد قضى والدي معظم حياته في كرب دائم ، ولد في حرب ، وعاش في حرب ، وهاهو يشيخ ولما تنتهي الحرب بعد ، أما آن لنا أن نستقر ؟ وأن تكون لنا حياتنا الخاصة مثل بقية شعوب الأرض .
بدأت عيناه تذبلان مثل نبتة منع عنها الماء ، أغمض عينيه وبدأ يستسلم لما ظن أنه النوم، زاره طيف أخيه سلام، كان يتأبط عكازين ويبتسم ابتسامة عريضة، وإلى جانبه فتاة .. دقق النظر فإذا هي أمل وقد ارتسمت على شفتيها ابتسامة عريضة ، ابتسم .. مد يده ليصافحها ، إلا أنها سحبت يدها وتراجعت كأنها تريد أن تفر منه .
صحا من غفوته القصيرة وقد ضايقه موقف أمل ، تناول زجاجة ماء .. تمضمض وبصق الماء في المغسلة ، وبعد ذلك شرب ، التفت حوله ، وجد الجميع في نوم عميق ، استعاذ بالله من الشيطان الرجيم وأوى إلى فراشه، كانت الساعة قد تجاوزت الواحدة والنصف بعد منتصف الليل ، وبلا مقدمات راح في نوم عميق .
***
استيقظت أم حياد مفزوعة ، صوت طرقات عنيفة على الباب أيقظتها من نومها ، كانت بين النوم واليقظة ، فقد كان نومها متقطعا ، لا تكاد تغفو حتى تستيقظ وكأنها تتوقع أن تفاجأ بشيء تكرهه ، وها هي الطرقات العنيفة على الباب تبعدها عن حافة النوم التي كانت تقاربها وتبتعد عنها ، حاولت أن تتظاهر بالنوم وعدم سماع الطرقات ، لعلهم جاءوا من أجل إخراج الشباب لتنظيف الشوارع ومسح الشعارات عن الجدران ؛ إذا كان الأمر كذلك فسوف يذهبون ويدقون أبوابا أخرى ، أخشى إن فتحت الباب لهم أن يصيبوا سلام في ساقه المكسورة فتزداد حالته سوءاً ، ولكن صوت الطرقات تواصل دون انقطاع ، وصوت غليظ ينادي : افتح الباب .. جيش .
- الله يفتح نافوخك يا ابن الحرام .
استمرت الطرقات واستمر الصوت ينادي ، أيقظت أبا حياد وتحركت بتثاقل لتفتح الباب ، وما إن فتحته حتى اندفع أحد الجنود إلى الداخل بعنف فألقاها أرضاً ، صرخت من الألم :
- الله يعمي قلبك .
تدافع الجنود داخل المنزل يركلون أبواب غرف النوم ، ضرب أحدهم جهاز الراديو فحطمه ، بينما داس آخر على قدم طفلة نائمة فصرخت بحدة ، فتحت عينيها فصرخت في فزع ، استمرت الطفلة تصرخ وقد وضعت يديها فوق عينيها :
- يهود .. يهود .
دخل الجنود جميع الغرف، فتشوا دورة المياه ، قلبوا الفراش، بعثروا الدقيق على أرضية المطبخ، سأل ضابط يلبس الملابس المدنية : وين حياد؟
أشار أبو حياد إلى ابنه دون أن يتكلم، طلب الضابط بطاقة الهوية من حياد، تحدث باللغة العبرية مع ضابط آخر يلبس ملابس عسكرية، اقتاد الضابط حياد إلى الخارج دون أن يسمح له بأن يلبس ملابسه أو حذاءه ، أخذه بالبيجاما والشبشب ، وقبل أن يخرج ركله الجندي في إليته ، وعندما صار خارج البيت وضعوا عصابة من القماش على عينيه ، جذب الجندي يديه ووضعهما خلف ظهره وأحاطهما بسوار بلاستيكي ضغط عليهما بشدة ، جذبه جندي من كتفه وطلب منه أن يسير معه ، حاول حياد تحريك يديه ليمدهما أمامه حتى يتلمس بهما طريقه ، جذبهما ألم فظيع إلى الخلف ، استمر الجندي يمشي وهو يدفع حياداً بعنف مسافة ليست بالقصيرة ، وأخيرا طلبوا منه أن يصعد إلى سيارة باور كانت تقف في الشارع ، لم يستطع الصعود ، حمله جنديان بفظاظة وقذفا به داخل السيارة ، ارتطم رأسه بحافة بارزة ولكنه كتم صيحة ألم كادت تفلت من فمه ، أحس بوجود جسد بشري ملقى في السيارة ، حاول أن يتحرك ، لكن الأساور البلاستيكية كانت تضيق على يديه كلما تحرك ، بدأت يداه تفقدان الإحساس شيئا فشيئاً، حاول أن يوضح الأمر ، وما إن فتح فمه حتى هبد حذاء ضخم فوق صدره قطع أنفاسه ، ومعه غارت الكلمات قبل أن تخرج، بينما دلق أحدهم فوقه جردل ماء قذر.
لامس الماء جسده ، أحس ببعض الانتعاش لكن الألم ظل يعتصر يديه عند الرسغين ، وأحذية الجنود تداعب خاصرتيه بين لحظة وأخرى ، وأخيرا تحركت السيارة ببطء ، كان الجنود ينشدون ويُغًنُّون ، يضحكون ويبصقون ، دفعه أحدهم بمقدم حذائه ، طلب منه أن يشتم ياسر عرفات .. سكت ولم يفتح فمه ، صرخ الجندي :
- قل عرفات كلب .
لم يتفوه بكلمة ، صفعه آخر ، قال : ما بدك تقول ؟!
لكمه في صدره واستطرد : بترمي حجارة وبتشتم شامير ؟
لم يتكلم وكأن شفتيه ألصقتا بمادة لاصقة .. وصلت السيارة إلى مبنى المخابرات ، أنزلوهم من السيارة ، أجلسوهم القرفصاء وأعينهم مغماة ، وأيديهم مربوطة خلف ظهورهم ، طلب أحدهم من الجندي أن يتبول ولكنه لم يسمح له ، وبعد فترة طلب منهم الجنود أن يصعدوا إلى السيارة وهم معصوبو الأعين ، كان سلم الشاحنة يمتد رأسيا ، بدأ الجنود يدفعونهم إلى سلالم الشاحنة ، بدأ البعض يصرخون من الألم وركلات الجنود ولكماتهم تلاحقهم ، جاء دور حياد ، طلب منه الجندي أن يرفع قدمه ويضعها على أول السلم فرفع قدمه اليمنى في الهواء وهبط بها ، ولكنها هوت إلى الأسفل فانكفأ إلى الأمام وارتطم رأسه بالسلم ، ركله الجندي ورفع قدمه ووضعها على أول درجات السلم ، ضغط بقدمه على السلم وحاول الصعود، آلمته يداه .. دفعه الجندي .. نقل حياد قدمه اليسرى ووضعها على السلم فاستقرت إلى جانب قدمه اليمنى ، ثم رفع قدمه اليمنى إلى الدرجة التالية ، وهكذا حتى اجتاز سبع أو ثماني درجات ، انكفأ على وجهه داخل الشاحنة بعد أن دفعه أحد الجنود بحدة ، تدفق سائل حار من أنفه ولكنه لم يتكلم .
بدأ الشباب يتكلمون ، حاولوا التعرف على بعضهم مما استفز أحد الجنود فطلب منهم النزول من السيارة ليصعدوا إليها مرة ثانية ، صرخ الشباب معربين عن احتجاجهم ، ولكن الجنود أجبروهم على القفز من الشاحنة وهم معصوبو الأعين وأيديهم مربوطة ، وتلا ذلك عملية تكرار مؤلم للنزول والصعود .
وبعد فترة كأنها سنوات تحركت السيارة ، وشتائم الجنود تلاحقهم، وأصوات سوداء وصفراء تردد :
- زوركيم أفانيم .. زوركيم أفانيم " يقذفون الحجارة .
وفي الطريق كان السائق يتعمد السير بسرعة كبيرة والانتقال من أقصى يمين الطريق إلى أقصى اليسار ، مما جعلهم يتأرجحون داخل السيارة يميناً ويساراً ، وأخير خففت السيارة من سرعتها وانعطفت إلى اليسار ، سمع الشباب صوت بوابة تفتح وحديث بعض الجنود ، دخلت السيارة ببطء وأخيرا توقفت ، طلب الجنود منهم أن ينزلوا من السيارة ، صفوهم جنبا إلى جنب وبدأ جندي برفع الغطاء عن عيونهم بينما قام آخر بقص الأساور البلاستيكية .
أحس حياد كأن النور يتراقص أمام عينيه وسرى خدر وقح في كفيه ، نظر إلى رسغيه فرأى الدم يسيل منهما ، فقد انغرست الكلابشات فيهما وحفرت أخدوداً عميقاً .
بدءوا في إعطائهم أرقاما معينة ، ثم أخذوا يتسلمون ما لديهم من أمانات " ساعات أو نقود أو غير ذلك" ، تلفت حياد حوله، الممر الذي يقفون فيه يتجه من الشمال إلى الجنوب ، وإلى الغرب ينتصب سياج من الشبك والسلك يأتزر بإزار من الخيش لحجب الرؤية ، نهره أحد الجنود وطلب منه عدم الالتفات حوله ، وأخيراً طلبوا منهم السير واحداً بعد الآخر ، دخلوا إلى ساحة محاطة بالأسلاك من جميع الجهات ، هبت نسمات تحمل في طياتها رائحة ملوحة ماء البحر ، شعر حياد بحنين إلى البحر .. آه ما أجمل البحر !.. لا بد أننا موجودون في معتقل " أنصار2 " الذي زرناه زيارة خاطفة قبل بضعة أشهر ، لكن الدنيا غير الدنيا ، أصبح أنصار 2 سجنا حقيقيا ، والله وحده يعلم كم سيطول بقاؤنا هنا .
صفهم الجنود بحيث اصطف كل أربعة أو خمسة أشخاص في صف ، وضعوا أمام كل منهم كيسا فارغا، وضعوا أمامهم ملابس السجن وطلبوا منهم أن يخلعوا ملابسهم وألا يبقوا عليهم غير الملابس الداخلية ، وأمامهم وضعت طاولة وكرسي ، حضر رجل بنظارتين طبيتين ، جلس على الكرسي، فتح ملفا فيه بعض الأوراق وبدأ في استدعاء المعتقلين واحدا بعد الآخر ، يبدو أنه طبيب ، لا بد أن أريه ما فعلته أساورهم بيدي ، ولما جاء دو حياد سأله الطبيب :
- اسمك ؟
- حياد .
- عمرك ؟
- عشرون سنة .
- عندك أمراض ؟
- لا .
- أدر ظهرك .
أدار حياد ظهره ، ثم طلب منه الطبيب أن ينصرف ، ولكن حياد توقف ومد يديه أمام الطبيب ، تظاهر الطبيب بعدم رؤية الدم أو الجرح الذي خلفته الكلابشات ، قال له حياد :
- انظر ما فعلته أساوركم بيدي .
أشاح الطبيب بوجهه بعيدا وقال :" ما يخبتلي " لا يعنيني.عاد حياد إلى مكانه ، بدأ يلبس ملابس السجن ، احتفظ بالورقة التي سجلوا عليها اسمه ورقمه والأمانات الخاصة به ، وما إن انتهى الفحص الطبي الروتيني حتى جاء أحد الجنود وقام بتوزيعهم على الغرف والخيام المختلفة ، كان نصيب حياد في غرفة رقم 12 ، غرفة خانقة لها باب وشباك يفتحان جنوبا، بينما كان الشمال والغرب بلا نوافذ ، دخل حياد الغرفة ومعه ثلاثة شبان من الذين اعتقلوا معه ، أحس أن شيئا ما يربط بينهم ، جال ببصره في الغرفة، كان جردل البول يقبع في الزاوية الجنوبية الغربية ، بينما يقبع جردل الماء قرب باب الغرفة .
دعاهم رجل يبدو أنه في العقد الخامس من عمره إلى الجلوس ، حياهم قائلا : أحس حياد بالراحة عند سماع صوت الرجل ، تذكر أبا كفاح وتلك الليلة التي قضاها في الغرفة رقم 11 المجاورة للغرفة الحالية .. يا إلهي ! ما أشبه الليلة بالبارحة ، ولكن الغرفة تمتلئ اليوم بالشباب ، بدأ حياد في عد زملائه في الغرفة ، كان العدد خمسة وثلاثين شخصا ، الأمل يشع من عيونهم ، بدأ الشباب يقدمون أنفسهم لزملائهم الجدد :
- محسوبكم أبو عنتر .. عربجي .. عندي حصان أصيل .. أستغفر الله .. حمار أصيل ، مش كديش .
تم التعارف ودارت الأحاديث بينهم ، لطالما قيل له إنه يوجد في السجن بعض العصافير .. ترى هل يوجد بيننا عصفور ؟ ومن هو هذا العصفور ؟ وما قصة هذا الأبو عنتر الذي يبدو أنه ظريف وصاحب نكتة ! التفت حياد نحو أبي عنتر الذي قابله بابتسامة وطلب منه أن يجلس إلى جانبه ، بدأ أبو عنتر حديثه قائلا :
- - أنا متأكد أنك تسأل نفسك : ليش حابسين هالعربجي ؟
ضحك حياد ، اعتقد أن أبا عنتر يقرأ أفكاره ، ولكنه صمت بينما استطرد أبو عنتر :
- محسوبك اشترك في مسيرة ، حملت الشباب على الكارة ، وفجأة وقفت فوق الكارة .. قبعت في رأسي ولقيت الكلام بيطلع لحاله ، هتفت وهتف الشباب وراي :
والله لأعزك يا شامير زي ما عزِّيت حماري
واشتري لك رطلين شعير ويلعن أبو المصاري
وفجأة وقعت أنا والحمار بين أيديهم ، لكن الله سلم الشباب ، وهياني زي ما أنت شايف ، أحمد الله إنهم ما حبسوا الحمار.
***
تنحنح ذلك الكهل بعد أن قدم الجميع أنفسهم إلى حياد وزملائه ، نظر إلى حياد نظرة تحمل معاني كثيرة ثم قال :
والآن جاء دوري لأتعرف إليك .. أنا أبو الفهد من مخيم جباليا ، أنتظر الترحيل إلى معتقل أنصار 3 في النقب .
قطب حياد ما بين حاجبيه متسائلا :
- لماذا لا تبقى هنا ؟
- المعتقلون الإداريون ينقلون إلى النقب .
- وماذا فعلت حتى يسجنوك ؟
- ابتسم أبو الفهد ابتسامة تطفح حنانا :
- تهمتي أنني شيوعي .
وضع حياد أصبعه فوق شفتيه وهمس :
- ألا تخشى العصافير ؟
- العصفور يا حياد يظل عصفورا لا حول له ولا قوة ، هذا أولا ، أما نحن فلا نخشى العصافير لأنه ليس لدينا ما نخشاه ، سلاحنا هو الكلمة .. الكلمة الجريئة الصادقة ، يقول بعضهم : قل كلمتك وامض ، ولكننا نقول كلمتنا وندافع عنها ، سنبقى .. لن نمضي بل سنفقأ عيونهم قبل أن نمضي ، سنبقى جدارا فوق صدورهم وزجاجا في عيونهم حتى يرحلوا هم .
ابتسم حياد وتذكر قول الشاعر المصري أحمد فؤاد نجم ، دندن أغنية كان قد سمعها قبل فترة :
دور يا كلام على كيفك دور
خللي بلدنا تعيش في النور
نرمي الكلمة في بطن الضلمة
تحبل سلمى وتولد نور
ربت أبو الفهد على كتف حياد :
- أنت في عمر ابني .. تعال إلى جانبي يا بني .. أريد أن أنصحك نصيحة.. قل كلمتك ما دمت تعتقد بصدقها ولا تخش شيئا .
همس حياد :
- وهل يعلمكم الحزب ذلك ؟
- الحياة هي المدرسة الكبرى ، والحزب يناضل من أجل أن يحيا الناس دون استغلال أو ظلم .
- وهل يمكنني أن أنضم إلى الحزب ، لقد سجنوني لمدة أربع وعشرين ساعة على اعتبار أنني شيوعي ، وها هم يعتقلونني اليوم مع أنني لم أفعل شيئا .. طول عمري وأنا أبتعد عن طريقهم ، ولكنهم لم يتركوني في حالي .
- اسمع يا حياد .. الحزب يرحب بك .. هل تعرف أبا كفاح ؟
- أعرفه .. هو صديق والدي ، وقد رأيته في السجن في يوم المساواة .
- إذن ، اذهب إليه ، قدم له طلب عضوية، أبلغه سلامي عندما يخلون سبيلك، أعتقد أنك لن تبقى في السجن أكثر من ثمانية عشر يوما .
قطع الحديث صوت ينادي :
- مقاشات على الباب .
قام شاويش الغرفة ، فرد المقاشات فوق ألواح خشبية ، جاء بعض المسجونين وبدءوا يسكبون الطعام في الأواني ، شعر حياد بالجوع وكأنه لم يأكل منذ سنوات ، انتظم المعتقلون في مجموعات وبدأ شاويش الغرفة في توزيع أوعية الطعام ، وبعد حوالي ساعة جاء أحد السجانين وفتح الغرفة ، طلب منهم أن يخرجوا لقضاء الحاجة وغسل أواني الطعام .
فوجئ حياد بانقطاع المياه .. ترى كيف يمكن أن يقضي الإنسان حاجته دون ماء ؟ وكيف يمكن أن يعيش دون استحمام .
قال أبو الفهد وكأنه قرأ أفكار حياد :
- يقطعون المياه عمدا لاستفزازنا ولكنا سنتحمل ، سأدبر لك طريقة ، بإمكانك أن تذهب لغسل الصحون مع الشباب ، في القسم الآخر يوجد حمام ومجلى ، بإمكانك أن تأخذ دشا في قسم الخيام ، التفت أبو الفهد إلى شاويش الغرفة وهمس في أذنه ، ابتسم الشاويش " مسئول الغرفة " وهمس في أذن أحد الشباب فتنحى جانبا وحل حياد محله ، توجهت المجموعة نحو البوابة .. دخلوا إلى مردوان الخيام ، وهناك رأى حياد عددا من زملائه في المدرسة ، لوح له الشباب بأيديهم :
- - شد حيلك يا حياد .
لوح بقبضته في الهواء مبتسما ، سأله أحدهم :
- أنت موجود في الغرف ؟
- أيوه
- في أي غرفة ؟
- غرفة 12 .
- اسمع يا صاحبي .. هذه الغرفة إما للمعتقلين احترازيا أو إداريا .
ارتعش قلب حياد : إداري ؟ وماذا فعلت حتى يعتقلونني إداريا .. غاضت الابتسامة ، ولكنه تظاهر بعد الاكتراث ، طمأن نفسه : إداري .. إداري ، وليكن .. سأجد رفاقا أطمئن إليهم .. يكفيني أبو الفهد .
عاد حياد إلى الغرفة ، استقبله أبو الفهد بابتسامة :
- ها .. إن شاء الله تدشدشت .
ولكن حياد لزم الصمت ، أردف أبو حياد :
- مالك كفانا الشر ، رحت بتضحك رجعت مكشر ؟
تساءل حياد :
- يعني معقول يعطوني إداري ؟
ضحك أبو الفهد بصوت مسموع :
- ول .. إداري مرة واحدة ، يا راجل بلاش قلة عقل ، حتى لو أعطوك إداري .. هل الإداري غول بياكل الناس .
- ابتسم حياد : يللا ، بنرافقك .
مضت الأيام بطيئة كالحة ، لم يغير طعمها سوى أحاديث أبي الفهد المشجعة التي تبث الثقة في النفس ، وفي أحد الأيام وبينما كانوا واقفين للعدد ، أخذ السجان ينادي الأرقام بينما يقول كل سجين اسمه ويستدير إلى الخلف ، وبدلا من أن يعيدهم إلى الغرفة أوقفهم قائلا :
- كل واحد يسمع رقمه يطلع بره .
- وبدأ ينادي الأرقام .. خرج أبو الفهد ، همس أحد السجناء: ترحيلة للنقب .
بينما استمر السجان في قراءة الأرقام ، قرأ رقم حياد " شيشت ألافيم عسريم بشلوش " 6023 " ، لم يرد حياد لأول وهلة ، كرر السجان الرقم ، لكز أحد السجناء " حياد " في جانبه ، رقمك .. خرج حياد متباطئا ، بينما ابتسم أبو الفهد مشجعا ، قال السجان :
- كل واحد يلف بطانيته ويجهز حاجياته .. اليوم بتروحوا سجن النقب " أنصار 3 " .
***
تجمع السجناء في الباحة التي استبدلوا فيها ملابسهم قبل أيام ، وضعت أكياس الأمانات أمامهم ، بدءوا يخلعون ملابس السجن ، لبسوا ملابسهم ، سلموا العهدة الموجودة لديهم إلى عمال المخزن ، ثم ساروا صفا واحدا إلى غرفة الاستقبال حيث أعيدت لهم أماناتهم من ساعات أو نقود ، بدأ الجنود يضعون الأساور البلاستيكية حول معاصمهم ، ورباط من القماش حول عيونهم ، أدخلوهم واحدا بعد الآخر إلى الباص.
أدار السائق محرك سيارته ، بدأت السيارة تخرج من معتقل أنصار2 ، قام الجنود بإنزال ستائر الباص ، في حين صرخ جندي بصوت آمر : تريد هروش " اخفض رأسك "
وضغط بيده على رأس حياد بعنف فارتطمت بالأسطوانة المعدنية المثبتة في الكرسي الموجود أمامه .
حاول حياد أن يسمع أصوات الناس أو السيارات ، ولكنه لم يسمع شيئا ، همس للشخص الموجود بجانبه :
- يظهر أن اليوم إضراب .
دوى صوت رصاص في الجو ، ومن بعيد جاء صوت طائرة هليوكوبتر مختلطا بهدير يردد : الله أكبر .