الرحيل إلى الجحيم
ها هو الرحيل يدق الأبواب ويفتحها عنوةً .. و الدموع تتطاير من الأعين وترسم بطريقها درب الفراق ، و العناق القوي الشديد يفتك أسره رويداً رويداً حتى يتلاشى نهائيا ، و تبدأ الأيدي تلوح يمينا و شمالاً مودعه الأم ابنتها و الأبنه أمها ... و النيران تحضر وجبه دسمه و هي " القلوب " من فرحها بها تحرقها و الدخان يتطاير ، و الرائحة تغمي ، فتغمض الأعين و لا تفتح إلا وحولها من كان سبب هذا الفراق ....
ليلى .. ليلى .. هيا يا ابنتي قومي فأنا أباكِ الذي يحبك و الذي سيرعاكِ ، هيا حبيبتي أرني ابتسامتك الجميلة ...
أفتحت عينيها و ليتها لم تفتحهما ... وليتها بقيت حياتها كلها مغمضه ، غير واعية ، مغمي عليها ، وأخر صورة رأتها هي أمها ... بدأت حياتها الجديدة بعيدة عن صدر أمها و عن حنانها ... عن عناق الأمان في كل ليله ... عن اشتمام شذا محبة التي حملت بها ... عن لمسة يديها الناعمة وعن وعن وعن الكثير ابتعدت ....
ابتسمت و الدموع على خديها تواسيها ليتها تمحي ما هو داميها ....
قال لها والدها : لا تبكي يا ليلى .. و مسح بيديه الخشنة دموعها وقال : هذه زوجتي و هي خالتك سترعاك و تدير أمورك .... وأنا سأتحمل المصاريف كلها و إن احتجت أي شيء أنا جاهز ... و الآن سأريك الغرفة التي ستنامين بها ... هاتي يدك هيا يا ليلى قومي معي سترين ماذا جهزت لك ..
قامت و كأنها تجر برجليها أثار الهزيمة ... ذهبت و رأت الغرفة الني جهزها لها والدها ، غرفة غلب عليها اللون الوردي مليئة بالدمى و الألعاب و كانت ذخيرة بالأساس الفخم ...
رغم جمال الغرفة رأتها مظلمة موحشة مليئة بالوحوش ، و الخوف و الرعب يحيطها من كل الجهات ...
أدخلها والدها إليها و ثم سألها هل أعجبتك ؟؟؟ هزت برأسها بالإيجاب وثم قال لها هيا نامي الآن و غداً في الصبح الباكر سنفطر سوياً و تجلسين مع خالتك الطيبة إنها تحبك كثيراً و ستكون أمك الثانية وثم قال لها تصبحين على خير و أخذ من رأسها قبلة وذهب .....
جلست على سريرها الجديد و بدأت بالبكاء صارت تناجي أمها و تناديها كوردة عطشى محتاجه للماء ... بدت لها الدنية ظلام و البرد يكتسيها و يدغدغها ويستهزئ منها و من حالها لا تعلم كيف أكملت و كيف قضت هذه
الليلة ؟؟؟ كانت الدقائق و الثواني تمشي ببطء شديد قاتل ... و هي على هذه الحالة استسلمت لهجمات النوم الذي حقق انتصاره عليها .....
بدأت العصافير تغرد على جرح ليلى ، بدأت تعزف لحنا حزيناً وثم شقت ستائر غرفتها أشعه الشمس متوجهة إليها ..
دخلت خالتها " أسماء " ليلى .. ليلى بلهجة ناعمة استيقظي يا حلوتي هيا إلى الفطور أباكِ ينتظرك ....
قامت و النعاس مازال ساكن في جفنيها ، أغسلت وجهها بالماء و أبدلت ملابسها و ثم ذهبت إلى الفطور ...
ليلى : صباح الخير يا أبي .
والدها : صباح الفل و الياسمين يا وردتي أعطني قبله الصباح هيا
قربت خدها من فم والدها و التقط القبلة كحبة كرز ....
بدأت السعادة تهزم الحزن الذي كان يخيم عليها و بدأت تبتسم للحياة أبٌ حنون ، و خالة لطيفه .. صحيح بأن مصدر الحنان بعيد عنها و ذلك لطلاقها من والدها .. و لكن بدأت تشعر بالسعادة والأمان و تستدعي خيال أمها في كل ليله قبل أن تنام ، تخاطبها ، تقبلها ، تحكي لها الحكاية ، تغني لها بصوتها العذب ، و تلعب بيديها بشعرها الحريري ، ومن ثم تنام هكذا بدت لها الحياة الجديدة لفترة شهر من الزمن و ذلك لصغر سنها فلم تتجاوز السبع سنين ، كانت غضة العود و سهلة المنال ...
" أسماء " الخالة زوجة الأب مسكت أبرتها و خيطها و جلست تخيط بساط الجفاء و الكره لليلى ، بعدما تيقنت من حملها ... أصبحت ليلى الخادمة في البيت لكي ترتاح الزوجة صار والدها كل يوم يوجه إليها الإهانات و الشتائم و ذلك من شكوى الزوجة الطيبة المدللة " أسماء " الطيبة بنظرة فقط .. فعاد الحزن لسرير ليلى .
كانت قوية رغم كل الظروف الصعبة ، تدرس ، و تنظف البيت ، و تبكي باستمرار ، و تبوح ما بقلبها لدميتها التي تحمل ذكرى والدتها التي أهدتها إياها منذ صغرها ...
جلست في ليلة ليس بها ضوء قمر جلست تبكي و تنادي أمها .. أين أنت لما ؟ لما تسألي عني ؟؟ لما لم تتصلي و تسمعيني صوتك ؟؟؟ أه ليتك تعلمي ماذا يحدث معي ؟؟ أماه أماه اسمعيني عانقيني ، و من غزارة الدموع انقطعت أنفاسها و نامت ، فرأت أمها مدمعه العينين آتيه من بعيد و والدها يصدها بيديه ويصرخ بوجهها و ليلى تحاول أن تذهب إليها ولكن والدها واقف بينهما يصد محاولاتهما حتى استيقظت من نومها على صوت خالتها الجاف المصاحب بالصراخ ... هيا يا ليلى قومي إلى المدرسة إذا نمتِ تصبحين كحيوان ميت .. هيا اذهبي أباكِ ينتظرك لتذهبي إلى المدرسة و باستهزاء قالت و فوق هذا تريدين أن تدرسين ... وثم قامت المسكينة على عجل وبسرعة ثم ذهبت إلى والدها و تلقت كلمات تطعن القلوب ...
حتى ولدت خالتها وجاء أخ لليلى سموه " يزن " أصبح الطفل المدلل و ليلى الأخت الكبرى بل الخادمة لهذا المنزل ... بقيت على هذا الحال حتى كبرت و أصبحت كوردة جورية تفوح رائحتها أين ما ذهبت و هبها الله محبة الناس و جمال الخلق و اللسان و جمال الروح و الشكل ، كانت بيضاء كبياض الثلج و شعر بني كلون البندق و نجلاوين تسحر بهما كل من ينظر إليهما و فم صغير مزركش دوماً بابتسامه ناعمة مليئة بالحب ...
في إحدى الأيام كانت ليلى شريدة البال ، حاملة على ظهرها هموم كثقل الجبال ، تحتاج لشجرة وفيرة الظلال ،
لقد تمكنت منها أشعة الشمس طول النهار.. ساقتها قدماها بعد الانصراف من الجامعة إلى شاطئ البحر ..
لعلها بنظرها إليه ترتاح من قيل و قال ، و من اهانات و جرح بالكلام ....
وقفت تحت مظلة على الشاطئ ، وقفت تتأمل صراع الأمواج و تلاطمها ، بدأت تخرج أنفاسها ، تنظفها من الآلام و تملئ عوضاً عنا أمان و ارتياح ، و هي على حالة التأمل ، جاء ثلاث شباب .. جذبهم وقفتها ، نظراتها ،
جمالها البريء ، جمال النظرات ، جذبهم بها كل شيء .. فقربوا منها و بدءوا بالتحرش بها ....
أحدهم يقول لها : أيتها الجميلة ، و الأخر : إنك مثيرة ، والثالث يقول : تعالي إلي ...
هجم الخوف إلى قلبها وسرق منها الأمان وبدأت ترجف ................................... يا ترى ماذا ستفعل ؟؟؟؟
وبدأت ضحكات الشباب تتعالى حاولت الابتعاد عنهم ، ولكنهم أحاطوها من كل الجهات فبدأت تصرخ ....
حتى جاء كمال مسرعاً هاجماً كالصقر فقد كشف عن أنيابة ... بدأ بالأول وضرب الثاني و هكذا حتى تغلب عليهم و ذهبوا و وجوههم ملطخة بآثار الذنب الذي اقترفوه .........
قرب من ليلى كمال و أعطاها منديل و قال لها : امسحي دموعك و لا تحزني ...
نظرت إليه ليلى و الدموع قد أملئت عينيها ، ثم قالت له : شكراً جزيلاً و كثر الله من أمثالك ...
فقال لها : أنا أسمي كمال و هذا رقمي إن أحتجتي أي شيء أنا في الخدمة ....
فقالت له ليلى : اعذرني لا استطيع أن أأخذ رقمك فأنت بالنسبة لي شخص غريب و أنا لا أكلم أحد غريب
فاليوفقك الله ، و سأدعي لك الله بأن يثيبك الأجر الكثير وداعاً .....
رحلت من أمامه و تركت في قلبه سهماً ... و تركت في عقله تساؤلات غامضة بالنسبة إليه ...
عادت إلى المنزل ليلى مرعوبة خائفة ماذا سيقول لها والدها و خالتها ؟؟؟ يا ألهي فوق مصيبتي مصيبة أخرى ..
و لكن كانت خالتها و أباها ليسا موجودان في المنزل رغم أنه كان وقت الغداء .. دخلت غرفتها و سالت الدموع
و أخذ يتأوه قلبها الموجوع .... و بعد دقائق طرق باب غرفتها ، مسحت دموعها بسرعة و قالت : من ؟؟؟
قال : يزن ... قالت : تفضل .، و أدارت وجهها إلى الحائط لكي لا يرى دموعها ...
دخل يزن ،،، فقد كان لطيف معها يحبها كثيراً ، فقال لها : هيا يا أختي و يا حبيبتي اليوم سأتغدى أنا و أنت هيا قومي وجهزي الغداء فأمي و أبي ذهبا يتغدا في إحدى المطاعم و أنا لم أرضى أن أذهب معهم قبل أن تأتي ..
قالت : حسناً يزن .. وقامت بسرعة و رأى وجهها الذي غلب عليه اللون الوردي و الدموع على خديها ، بدا له وجهها كزهرة تجملها قطرات الندى ... مسكها من كتفيها و أوقفها سائلاً .. ما بك ؟؟؟
قالت : لا شيء ...
قال : كيف لا شيء و هذه اللؤلؤات منثورات على وجنتيك ؟؟!!!
فزادت بالبكاء و قالت آه آه خرجت من قلبها محروقة تتألم ...
ضمها إلى صدره و مسح بيديه على رأسها لا تحزني يا عزيزتي ... و بدأ يخفف بحنانه و عطفه حزنها ....
في اليوم التالي و هي ذاهبة إلى المحاضرة رآها كمال فابتسم بوجهها ولكن هي لم تنتبه إليه ،، فكانت ملتزمة من الجامعة إلى المنزل و بالعكس لا تلتفت يمينا و لا شمالاً ما عدا جلوسها مع صديقاتها الحميمات بين المحاضرات.
فقد زاد إعجابه كمال بليلى و بدأت رويداً رويداً بالدخول إلى قلبه فقد كان يراقبها و يسأل عنها و الجميع يمدحون بها ... من جمال الأخلاق و السيرة الجميلة و خفة الظل و الحس المرهف حتى توصل إلى عنوان بيتها و طلب من والدته بأن تذهب و تخطبها له ........... و كان ذلك .
فأهل كمال ميسوري الحال يعني باستطاعته الزواج و هو بالجامعة فتمت الموافقة من الجهتين ...
و عندما دخلت ليلى ليراها الرؤيا الشرعية فقد كان يكسوها الحياء حتى تلون وجهها و بدت كوردة جورية
دخلت على مهل و نظرها متوجه إلى الأرض و عندما رفعت نظرها و رأته تفاجأت و ابتسمت و سار الفرح
بكل سهولة في قلبها ....
فتمت الخطبة على عجل و حدد موعد الزواج بعد شهرين و ذلك طلب من الخالة لكي ترتاح من هذا الكابوس الذي كان يخنقها منذ دخولها إلى المنزل ....
كانت تتقابل مع خطيبها في الجامعة و في إحدى المقابلات دار حديث بينه و بينها ....
ليلى : كمال .
كمال : نعم حبيبتي .
ليلى : أريد منك طلب و إن حققته لي تكون قد أحضرت لي سعادتي ، و إن طلبت مني الموت سأموت .
كمال : أمري يا عزيزتي اطلبي و تمني ...
ليلى : أريد أن تبحث عن أمي إني مشتاقة لها ... مشتاقة لصدرها و حنانها ... آه يا كمال لو تدري كم أحبها ...
كمال : حسناً حبيبتي بإذن الله سأجدها لك ...
قرب وقت حفلة الزفاف و لم يجد أمها لليلى هكذا أخبرها لكي تقطع الأمل و تفكر بزواجها فقط ....
لبست فستانها الأبيض و بدت كأميرة ساحرة في تلك الليلة ، دخلت إلى قاعة الأفراح .. بدت للحضور كنجم يتلألأ في الظلام و من ثم دخل كمال من خلفها و معه أمها .. كانت هذه هديته لها بمناسبة عرسها ...
فنادها ليلى .. ليلى حبيبتي انظري إلي ... التفت و رأت أمها التي حرمت منها طيلة السنين ....
ركضت و عانقتها و بدأَ بالبكاء ... فكان مشهد رائع و مؤثر أبكى الجميع ......
و هكذا عادت السعادة لحياة ليلى قرب أمها و زوجها .....
تــــــــــــــــــــــــ ـــمــــــــــــــــــــت
أتمنى أن تكونوا قد أستمتعتوا بقراءتها و نالت إعجابكم .... حلا