أشارت عقارب الساعة الى الرابعة الا الربع صباحا ، عندما تثاءب الميجور ( ستيفن جيلر ) المارينز السابق ، و مستشار الأمن الخاص لجلالة الملك ، و استرخى فى مقعده للحظات ، قبل أن يلقى نظرة فاحصة سريعة على شاشات الرصد التى تحتل كامل مسطح الحائط المواجه لمكتبه و المتصلة بعشرات الكاميرات الموزعة باتقان فى جميع أرجاء القصر الملكى – فيما عدا جناح جلالة الملك و جناح حرمه – و تنقل الى المراقب الجالس أمام الشاشات أى حركة تدور بين جنبات القصر مهما كانت بسيطة ..ألقى ( ستيف ) نظرته على الشاشات و اطمأن أن " Every thing is all right " ثم غادر مقره و رفع يده محييا حارس غرفته الذى أدى التحية العسكرية له فور خروجه ، ثم سار بخطوات هادئة عبر الممر الطويل المؤدى الى جناحه الخاص و هو يهاتف مرؤسيه بواسطة جهاز اللاسلكى كل فى موقعه و يتأكد أن الأوضاع هادئة فى جميع أنحاء القصر .. و عندما دلف الى جناحه كان قد انتهى من مكالمته الأخيرة مع نائبه المصرى ( سليم ) و اطمأن أنه يجلس الآن أمام شاشات الرصد و يباشر عمله ..
كانت كل هذه الاجراءات روتينيّة تماما ، و لاداع لها فى الواقع لأن النظام الأمنى الصارم المصمم بواسطة خبراء الأمن الأمريكيين لم يكن يترك مجالا لأى تهاون أو عبث ، و بالفعل طيلة السنوات الخمس التى قضاها ( ستيف ) مستشارا للأمن فى القصر الملكى لم تحدث أى متاعب تذكر ..
و ساعد بالطبع على استتباب الأمن – الى جانب الاجراءات الفائقة المعتمدة على أحدث تكنولوجيا أمريكية فى مجال الأمن و الحماية و الكشف و الرصد – موقع القصر نفسه الذى تم اختياره بعناية فى شبه جزيرة فى البحر يفصلها عن ساحل المملكة خليج صغير مزدحم بالألغام البحرية الحساسة ، و يربطها به – بالساحل – لسان برى واقع بأكمله فى مرمى نيران أسوار القصر ..
أما داخل الأسوار ، فكانت الحدائق الغنّاء مقسمة الى قطاعات أمنية دائرية يقع القصر فى مركزها ، و ترتفع درجة قوة الاجراءات الأمنية كلما توغلنا نحو هذا المركز حتى تصل الى ذروتها فى القصر نفسه الذى تفنن خبراء ال( CIA ) فى تحصينه .. و يقوم بالاشراف على كل هذا طاقم خاص من رجال المارينز السابقين أصحاب التاريخ الحافل فى ( أفغانستان ) و ( العراق ) و ( سوريا ) و ( السودان ) ، و كانت ميزانية هذا الطاقم الشهرية لا تقل عن عشرة ملايين دولار يدفعها جلالة الملك " من جيبه الخاص " .. باختصار يمكن القول بضمير مستريح أن قصر ملك المملكة المحروسة عبارة عن قلعة حصينة يستحيل التسلل اليها برا أو بحرا أو جوا ، كما أنه مصنف ضمن أكثر خمسة أماكن آمنة فى الشرق الأوسط الكبير ..
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _
بالفعل نجحت المياه الباردة المنسابة من " الدش " فى بعث الراحة و الاسترخاء فى جسد ( ستيف ) الذى انتهى من الاغتسال و جفف جسده بسرعة و غادر المسبح مرتديا " برنسا " أبيضا ، و جلس الى حاسبه الشخصى و راح يرسل تقريره اليومى الى وكالة المخابرات المركزية الأمريكية عبر قناة اتصال خاصة سرية و مؤمّنة .. استمر الارسال لمدة ثلث الساعة تقريبا أغلق الحاسب بعدها واحتسى عدة كؤوس من النبيذ الفرنسى المعتق ثم استلقى على فراشه ، و فكر للحظات أن يطلب من القوّاد الملكى أن يرسل له فتاته المفضلة ذات الحسن العربى الأخّاذ ليظفر معها ببعض المتعة ، الا أن ارهاقه الشديد جعله يضرب بالفكرة عرض الحائط ، و يسبل جفنيه استعدادا لاستقبال النوم ..
كان ( ستيف ) فى الخامسة و الأربعين من عمره ، و كان قد خدم لفترة طويلة فى صفوف قوات مشاة البحرية الأمريكية العاملة فيما كانت تعرف ب( سوريا ) ، و هناك أبلى بلاء حسنا فى مطاردة و تصفية فلول حزب ( البعث ) السورى ، حتى فنى الحزب عن بكرة أبيه ، و ألقى زعيمه فى زنزانة حقيرة ب ( جوانتانامو ) .. ثم انتقل – أى ( ستيف ) – بفرقته الى المملكة المحروسة بناء على تكليف من القيادة الوسطى الأمريكيّة بناء على طلب جلالة الملك من الرئيس الأمريكى أن يمده بقوات خاصة لدحر قوات المعارضة الرابضة فى الواحات البحرية ، و التى تهاجم أطراف المملكة باستمرار ، و تزداد قوة و كفاءة و تنظيما بمرور الوقت ..
و فى المملكة المحروسة – و التى تحتل مساحة لا بأس بها من الصحراء الغربية ، و تمتد حدودها من الضفة الغربية لنهر ( النيل ) شرقا الى الحدود الليبية غربا ، و من ساحل البحر المتوسط شمالا الى الواحات جنوبا – أثبت ( ستيف ) كفاءة عالية فى رصد و اكتشاف أوكار المعارضة المنتشرة على طول و عرض الصحراء ، و على الفور بدأت طائرات ال( F-21 ) الأمريكيّة فى قصف هذه الأوكار و استمرت هذه العملية طيلة أربعة أشهر متصلة حتى قضت تقريبا على قوات المعارضة ..
و كانت فرحة جلالة الملك غامرة بهذا النصر المشرف ، و أسرع جلالته يطلب من الرئيس الأمريكى الموافقة على انتداب الميجور ( ستيف جيلر ) ليصبح المستشار الأمنى الخاص لجلالته بأى مقابل يطلبه ..
" تواجدك فى الشرق و فى المملكة العبرانية المحروسة مهم جدا لأمن دولة ( اسرائيل الكبرى) و من ورائها أمن ( الولايات المتحدة الأمريكية ) .. ليس معنى أننا سيطرنا على مقاليد الأمور فى الشرق الأوسط الكبير أننا فى أمان .."
" كيف يا سيدى ..؟.."
" تاريخنا مع هذه الأمة علمنا أنهم دائما ما يبعثون كما تبعث العنقاء من الرماد .. "
" و لكننا سيدى قطعنا دابرهم تماما منذ عقود طويلة .. و حملتنا العسكرية الأخيرة التى أبادت فلول المعارضة المصرية كانت الضربة القاضية .."
" هل توقفت مقاومة ( حزب الله ) ل ( اسرائيل الكبرى ) ..؟.. هل تمكنّا بعد عقود وعقود من الصراع من نزع سلاحهم أو النيل منهم ..؟.. هل توقف ارهابيو ( حماس ) عن ضرب الاسرائيليين ..؟.. هل تمكن الاسرائيليين من تأسيس عاصمة فعلية لهم فى ( القدس ) ..؟.. "
" الام تشير سيدى ..؟.. "
" اشير الى أننا رغم كل ماحققنا من نجاح الا أن ثقافة المقاومة لم تجتث بعد من قلوبهم .. انها جزء من عقيدتهم ، و مالم ننتبه جيدا لحلفائنا فى المنطقة فقد يتعرضوا و تتعرض مصالحنا معهم للخطر ..
ستذهب الى المملكة المحروسة ، و تتولى أمن ملكها ، و فى نفس الوقت ستكون عيننا الرئيسية هناك ، و ستقوم بالتنسيق مع سفيرنا هناك ، لتصبح المملكة فى قبضتنا تماما .. مفهوم ..؟.."
مفهوم .. مفهوم .. مفهوووووم .. مفهوووووو..
راح جسده يسترخى أكثر فأكثر و تسلل النوم رويدا الى جفنيه و ....
ترررررررررررررررررر ... ترررررررررررررر..
دوى رنين جرس الطوارئ كالقنبلة لأول مرة بين جنبات القصر منذ انشائه ، فهب ( ستيف ) كالملسوع و ارتبك لأول وهلة مع دوى الجرس قبل أن يستعيد رباطة جأشه بسرعة المحترفين ، فيختطف سلاحه و جهاز الاسلكى و ينطلق مغادرا جناحه و هو يهاتف نائبه :
- ماالأمر ( سليم )..؟..
أتاه صوت النائب الشاب منفعلا :
- لا أدرى ميجور .. لقد انطلق جرس الانذار من .. من..
صرخ :
- من أين ..؟..
- ( بانفعال جارف ) : من جناح جلالة الملك ..
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _
نهاية الحلقة الأولى