رجل في الستين
أنتصر عليه الحلم ، و سرق من عينيه النوم ، و قلبه أبطأ من سرعة دقاته ، عند
انتهائه من المعركة ، و عادت إليه أنفاسه ، التي كادت أن ترحل عنه بعيدا ، حضن
بيديه رأسه الذي مازال عالقا , في أخر مقطع من الحلم .
ثم قام مرتجلاً , و كأنه يواجه عدواً له , الأيام و السنين ، قام كعادته متجبرا ً
, لا يكسره و لا يحنيه شيء , ...
فوقع نظره على برواز علق على الحائط ، وقد احتوى شبابه , الذي كان كله نشاطا و
حيوية و أملا ،
فنظر متأملاً سارحاً بخياله إلى سنين بعيدة ، إلى أيام كانت جميلة ، حتى في تعبها و
كدها ، هز رأسه يمينا و شمالاً ، ليعود إلى واقعه الحاضر , بين أجنحة الترف و
الحضارة و التمدن ، بين جدران قد طليت بكل ألوان
الربيع ، و أرض فرشت , بأجود أنواع الرخام و السيراميك ، وأسقف زينت بإضاءة تشبه
النجوم بسحرها ،
واثاث يستخلص منه الفخامة والجودة ، نظر إلى كل هذا الجمال ، شعر كأنه أنتصر على
السنين و حقق مراده ،
التفت إلى الحائط الثاني ، رأى حزنا أخرا , كان من قبل فرحا عامرا ، حينما رعى
أزهاره , منذ كانت صغيرة , سقاها بعطفه و حنانه ، حماها بطيبته و إرشاده ، حتى
تفتحت وكبرت ، وصارت تبعث في النفوس السعادة والسرور ،
لكن هذه الزهور رحلت , كل زهرة منها في بلد بعيد ، و تركت الجذور وحيده بين أتربة
الحياة .
وقع نظره على الشمس التي سطعت, وأشرقت من باب غرفته , داخل المنزل ، متقدمة نحوه ،
حاملة له فنجان قهوة ، وفي قرب الفنجان عقدا من الياسمين ، قد فاحت الرائحة في
أجواء الغرفة ، و تغلغل في أعماق أنفاسه ،حمله الحنين لحبيبته الراحلة ، وشريكة
عمره ، لدفء همساتها ، و جمال أنفاسها ..
فبقي في مكانه ينتظر الرحيل إليها ببطئ شديد