أحدث المشاركات
صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 10 من 16

الموضوع: قلق ـ قصة ـ

  1. #1
    الصورة الرمزية عبدالسلام المودني أديب
    تاريخ التسجيل : Jun 2006
    المشاركات : 162
    المواضيع : 36
    الردود : 162
    المعدل اليومي : 0.02

    افتراضي قلق ـ قصة ـ

    قلَق


    في الأيام الثلاثة الأخيرة، بتّ ألحظ شيئاً جديداً حملته الطاولة المقابلة لي تماماً، رجل ظاهر الشرود، القلق من ملامح وجهه البارزة، و عمق نظراته الفارغة المسلطة اتجاه ورقة بيضاء أمامه من السمات التي تعقلك إلى شخصه.
    من هنا، في هذه المقهى البعيدة ، حيث جعلت من طاولة في ركن قصي محرابي، أمارس فيه طقوس فراري، و خلوتي و الكلمة فاراً من ابتزاز زوجة سليطة و شجار عيال ملاعين.
    ثلاثة أيام أمضاها أمامي لا يفعل شيئاً غير جلوسه المحفوف بجلال الصمت و نظرة عميقة فارغة في ورقة بيضاء، و بين لحظة و أخرى تداعب أصابعه القلم في توتر جلي . لم ينجح في كتابة شيء ، و لم أستطع مع تركيزي عليه فض بكارة ورقتي أيضاً.
    أعترف ألا شيء يطاردني هنا، الهدوء المطلق في المكان شبه الخالي إلا من حركات نادلٍ تقدم به العمر، و همساتٍ محمومة لبعض العاشقين الفارين مثلي تماماً إلى زوايا معتمة يبسطون مشاعرهم خلسة عن أعين الرقباء، بيد أن وجود هذا الكائن القلق قبالتي جعل كل أجوائي صاخبة.
    مطارق أسئلة كثيرة تدق خواطري.
    أيكون عاشقاً معذباً في هذا العمر لمراهقة نزقة، طالبة عنده في الصف مثلاً، فلجأ حيث يستوحي من منظر عشاق المقهى كلمات يخاطب بها عشيقته المفترضة عن طريق خطاب غرام يبثها أشواقه و عذاباته؟
    أم تراه صحفي اعتصم بهدأة المكان من ضوضاء مكتبه عله يظفر بمقال عظيم يصور مآسي شعب ما بين الحربين؟
    أو ربما كاتب خطابات مأجور لاذ بقهوته السوداء بانتظار هطول كلمات من سماءاتها الغامضة فيُفرح بها زعيماً أميّاً مندلق البطن و الشهوات، ليرفعه من درجة القهوة السوداء إلى كأس " خمس نجوم "؟
    أختلس النظر إليه فيساورني قلق بريّ منه. لم لا؟ قد يكون جاسوساً في وطن بليد كل مهنه الجاسوسية، قيضه أحد خلفي يتعقب سكناتي و السكنات، و يستغل انشغالي و اشتغالي على قصتي الجديدة ليكتب تقريره اليومي البئيس عن بؤسي؟
    اعتدلت في جلستي، و زايدني القلق، و صرت أكثر حذراً، بيد أني ما إن أطلت النظر في شروده حتّى زايلتني الربكة و تلاشى خوفي فاسحاً المجال أمام تربع قلقي المستفز بشأن الرجل الذي لحظته لأول مرة يخربش شيئاً على ورقته. يتوقف عن الكتابة قليلاً، يشعل سيجارة، يأخذ منها نفساً عميقاً، يودع زفيره أكوام دخان ليرنو للاشيء.
    عرفته.
    صاحبنا من أهل الشعر بلا ريب، أتى إلى هنا يتوسل إلى كل آلهة الشعر و السكون علهم يرأفوا لحاله و يجودوا عليه ببضع كلمات مرصوصات تملأ هيكل قصيدة مفترضة. يهبّ واقفاً كأن هاتفاً مباغتاً دعاه، يقصد النادل شبه الغافي، يشير هذا الأخير إلى مكان بالداخل، فهمت أنه الحمام.
    تعالت أمواج فضولي، عليّ أن أعرف ما كتب لتنجلي حقيقة من يكون فتقر شياطيني. لم أشعر إلا و أنا أهبّ من مقعدي و أقصد طاولة الرجل حيث استلقت ورقته كمحظية عارية. بدت لي ترمقني فزعة من فكرة أني غريب يغتصب أسرار جسدها.
    جحظت عيناي و هما تصطدمان بأولى حروف سطر ورقته الأول، تلعثم لساني مردداً رجع ما وقع عليه..
    " في الأيام الثلاثة الأخيرة، بتّ ألحظ شيئاً جديداً...


    عبدالسلام المودني

  2. #2
    الصورة الرمزية محمد إبراهيم الحريري شاعر
    تاريخ التسجيل : Feb 2006
    المشاركات : 6,296
    المواضيع : 181
    الردود : 6296
    المعدل اليومي : 0.95

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبدالسلام المودني مشاهدة المشاركة
    قلَق
    في الأيام الثلاثة الأخيرة، بتّ ألحظ شيئاً جديداً حملته الطاولة المقابلة لي تماماً، رجل ظاهر الشرود، القلق من ملامح وجهه البارزة، و عمق نظراته الفارغة المسلطة اتجاه ورقة بيضاء أمامه من السمات التي تعقلك إلى شخصه.
    من هنا، في هذه المقهى البعيدة ، حيث جعلت من طاولة في ركن قصي محرابي، أمارس فيه طقوس فراري، و خلوتي و الكلمة فاراً من ابتزاز زوجة سليطة و شجار عيال ملاعين.
    ثلاثة أيام أمضاها أمامي لا يفعل شيئاً غير جلوسه المحفوف بجلال الصمت و نظرة عميقة فارغة في ورقة بيضاء، و بين لحظة و أخرى تداعب أصابعه القلم في توتر جلي . لم ينجح في كتابة شيء ، و لم أستطع مع تركيزي عليه فض بكارة ورقتي أيضاً.
    أعترف ألا شيء يطاردني هنا، الهدوء المطلق في المكان شبه الخالي إلا من حركات نادلٍ تقدم به العمر، و همساتٍ محمومة لبعض العاشقين الفارين مثلي تماماً إلى زوايا معتمة يبسطون مشاعرهم خلسة عن أعين الرقباء، بيد أن وجود هذا الكائن القلق قبالتي جعل كل أجوائي صاخبة.
    مطارق أسئلة كثيرة تدق خواطري.
    أيكون عاشقاً معذباً في هذا العمر لمراهقة نزقة، طالبة عنده في الصف مثلاً، فلجأ حيث يستوحي من منظر عشاق المقهى كلمات يخاطب بها عشيقته المفترضة عن طريق خطاب غرام يبثها أشواقه و عذاباته؟
    أم تراه صحفي اعتصم بهدأة المكان من ضوضاء مكتبه عله يظفر بمقال عظيم يصور مآسي شعب ما بين الحربين؟
    أو ربما كاتب خطابات مأجور لاذ بقهوته السوداء بانتظار هطول كلمات من سماءاتها الغامضة فيُفرح بها زعيماً أميّاً مندلق البطن و الشهوات، ليرفعه من درجة القهوة السوداء إلى كأس " خمس نجوم "؟
    أختلس النظر إليه فيساورني قلق بريّ منه. لم لا؟ قد يكون جاسوساً في وطن بليد كل مهنه الجاسوسية، قيضه أحد خلفي يتعقب سكناتي و السكنات، و يستغل انشغالي و اشتغالي على قصتي الجديدة ليكتب تقريره اليومي البئيس عن بؤسي؟
    اعتدلت في جلستي، و زايدني القلق، و صرت أكثر حذراً، بيد أني ما إن أطلت النظر في شروده حتّى زايلتني الربكة و تلاشى خوفي فاسحاً المجال أمام تربع قلقي المستفز بشأن الرجل الذي لحظته لأول مرة يخربش شيئاً على ورقته. يتوقف عن الكتابة قليلاً، يشعل سيجارة، يأخذ منها نفساً عميقاً، يودع زفيره أكوام دخان ليرنو للاشيء.
    عرفته.
    صاحبنا من أهل الشعر بلا ريب، أتى إلى هنا يتوسل إلى كل آلهة الشعر و السكون علهم يرأفوا لحاله و يجودوا عليه ببضع كلمات مرصوصات تملأ هيكل قصيدة مفترضة. يهبّ واقفاً كأن هاتفاً مباغتاً دعاه، يقصد النادل شبه الغافي، يشير هذا الأخير إلى مكان بالداخل، فهمت أنه الحمام.
    تعالت أمواج فضولي، عليّ أن أعرف ما كتب لتنجلي حقيقة من يكون فتقر شياطيني. لم أشعر إلا و أنا أهبّ من مقعدي و أقصد طاولة الرجل حيث استلقت ورقته كمحظية عارية. بدت لي ترمقني فزعة من فكرة أني غريب يغتصب أسرار جسدها.
    جحظت عيناي و هما تصطدمان بأولى حروف سطر ورقته الأول، تلعثم لساني مردداً رجع ما وقع عليه..
    " في الأيام الثلاثة الأخيرة، بتّ ألحظ شيئاً جديداً...
    عبدالسلام المودني
    ألأخ الحبيب ـ تحية
    ربما يسرح الإنسان بين فضول وتوقع ، وربما ينسج من الخيال رداء المت يستر به خلجات روحه / لكنه يبقى أسير يقين بأن أمرا يجري تحت طاولة التخمين .
    قصو قرأتها ووجيف الصبر يحرق خافقي
    والنادل يمتع مسامعي بتلبية طلبي بورقة بيضاء أخط عليها سريرتي نقية
    ولكن تبقى حروفك نجوم وفاء ليقين البصيرة .
    تحياتي أخي
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  3. #3
    الصورة الرمزية عبدالسلام المودني أديب
    تاريخ التسجيل : Jun 2006
    المشاركات : 162
    المواضيع : 36
    الردود : 162
    المعدل اليومي : 0.02

    افتراضي

    الفاضل محمد ابراهيم الحريري

    ممتن لبهاء مرورك و عطر كلماتك
    و سعيد أن قلقي راق لك
    و أسعد أنك قرأت لي

    خالص تقديري و مودتي
    عبدالسلام المودني

  4. #4
    الصورة الرمزية سارة محمد الهاملي قلم نشيط
    تاريخ التسجيل : Jan 2005
    المشاركات : 535
    المواضيع : 14
    الردود : 535
    المعدل اليومي : 0.08

    افتراضي

    سعدت بقراءة هذه القصة المشوقة إلى النهاية.

    لك كل الشكر والتقدير على بديع ما كتبت أخي الأديب عبد السلام المودني.

  5. #5
    الصورة الرمزية عبدالسلام المودني أديب
    تاريخ التسجيل : Jun 2006
    المشاركات : 162
    المواضيع : 36
    الردود : 162
    المعدل اليومي : 0.02

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة سارة مشاهدة المشاركة
    سعدت بقراءة هذه القصة المشوقة إلى النهاية.
    لك كل الشكر والتقدير على بديع ما كتبت أخي الأديب عبد السلام المودني.


    سيدتي الفاضلة

    أنا الأسعد فعلاً بتجولك في دروب نصي
    و أتمنى لك دوام اللا "قلق"

    خالص تقديري و مودتي
    عبدالسلام المودني

  6. #6
    الصورة الرمزية خليل حلاوجي مفكر أديب
    تاريخ التسجيل : Jul 2005
    الدولة : نبض الكون
    العمر : 57
    المشاركات : 12,545
    المواضيع : 378
    الردود : 12545
    المعدل اليومي : 1.83

    افتراضي

    عبد السلام

    ورحلة جديدة الى كنه الحقيقة .... وشرود هو أقرب الى الاستغاثة

    \

    نصوصك لم تزل تعجبني حتى صرت أدمنها
    الإنسان : موقف

  7. #7
    في ذمة الله
    تاريخ التسجيل : Sep 2005
    المشاركات : 3,415
    المواضيع : 107
    الردود : 3415
    المعدل اليومي : 0.50

    افتراضي

    " في الأيام الثلاثة الأخيرة، بتّ ألحظ شيئاً جديداً...
    هـكذا تتوارد الأفكار بين بعض من الأطياف ... فنرى تهافت الروح على الروح لإنسجام فالمعنى وإخلاص وصدق في المشاعر .
    قصة جميــــــــــلة
    شكرا

  8. #8
    أديبة
    تاريخ التسجيل : Mar 2006
    المشاركات : 261
    المواضيع : 16
    الردود : 261
    المعدل اليومي : 0.04

    افتراضي

    هكذا هي عين الكاتب تراقب بفضول كل ما حولها

    هي كالنحلة تمتص الرحيق وتهب العسل للجميع

    مميز دائما بطرحك وأفكارك

    دمت مبدعا

  9. #9
    أديب
    تاريخ التسجيل : Apr 2006
    المشاركات : 9,079
    المواضيع : 101
    الردود : 9079
    المعدل اليومي : 1.38

    افتراضي

    المودني..
    زمن لامرئي...بالرغم من كون لونه فاقع مخيف لاشية فيه، ليس له من شبه كبقر بني اسرائيل.. زمن قاسي كالعقول المتحجرة..بيع فيه كل شيء، الذمم،الاخلاق،وحتى اصحاب الكلمة..من كتاب وشعراء...وووو.... بل حتى الوطن..اما الانسان فبلا شك...؟
    وفي وجود كهذا الوجود..يصبح القلق من الشيء حتى اللاشيء..امرا مقدسا..بل وجوب..فرض عين... وتتحول البشرية اجمع الى بؤرة قلق دائمة...الكل يخشى الكل..ولا احد يحسن الظن..كما في السياسة.. حيث حسن الظن غباء..تكون نظرة الاخر لك نظرة تجسس...وهي في الاصل قد تكون نظرة محبة ورحمة... وهكذا يصبح الامر افضع كلما استطاعت المؤسسة السلطوية من تفريغ غلها في نفوس الناس..واصبحت الالة التجسيسية هي الفاعلة بينهم.
    وانظر لمجتمع..لاتأمن من عيون الاخرين التي لن تكف من النظر اليك..لا لانها تريد قتلك والفتك بك.. انما لانها الطبيعة البشرية..دائما العين تنجذب الى الاخر..لانها تعلم وتدرك تماما انها لاتعيش وحدها في الاجتماع.
    لقد ابدعت في نقل الفزع الذاتي الينا...وابدعت في انهاء القصة...ولست الوم الشاعر اي كان..واني لمعجب كل الاعجاب بما سطره...؟
    تاكد..بان الانسان في مجتمع الفزع يتشارك مع اقرانه في النظر الى الاخرين.
    محبتي
    جوتيار

  10. #10
    الصورة الرمزية عبدالسلام المودني أديب
    تاريخ التسجيل : Jun 2006
    المشاركات : 162
    المواضيع : 36
    الردود : 162
    المعدل اليومي : 0.02

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة خليل حلاوجي مشاهدة المشاركة
    عبد السلام
    ورحلة جديدة الى كنه الحقيقة .... وشرود هو أقرب الى الاستغاثة
    \
    نصوصك لم تزل تعجبني حتى صرت أدمنها


    الفاضل خليل حلاوجي

    نصوصي تسعد بقارئ مثلك
    و أنا أسعد طبعاً
    أهلاً بك متى تشاء

    خالص التقدير و المودة
    عبدالسلام المودني

صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. قلق الصباح
    بواسطة شاكر السلمان في المنتدى النَّثْرُ الأَدَبِيُّ
    مشاركات: 16
    آخر مشاركة: 11-03-2015, 03:36 PM
  2. يا شعرُ ، يا قلق اخضراري !
    بواسطة محمد نعمان الحكيمي في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 16
    آخر مشاركة: 03-04-2009, 10:53 PM
  3. قلق الكتابة في قصيدة "قلق الأفول" للشاعر عبد الصمد الحكمي
    بواسطة عبد القادر رابحي في المنتدى النَّقْدُ الأَدَبِي وَالدِّرَاسَاتُ النَّقْدِيَّةُ
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 22-07-2008, 04:05 PM
  4. ردي إلي الشوق _ قلق الحروف _ هاتي كؤوسي
    بواسطة عدنان أحمد البحيصي في المنتدى مُنتَدَى الشَّهِيدِ عَدْنَان البحَيصٍي
    مشاركات: 23
    آخر مشاركة: 21-06-2008, 11:13 AM
  5. إرشادات للطالب و الأهــل حول قلق الامتحان....!!!
    بواسطة ابو دعاء في المنتدى عُلُومٌ وَتِّقْنِيَةٌ
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 16-06-2004, 01:35 AM