لحظة .. فى عمر الفراق
بقدرِ ما تمر الساعاتُ والأيام على قلب العاشق السعيد وكأنها حينٌ من الدهرِ لم يكُ شيئاً مذكورا . بقدر ما تتوقف اللحظةُ الواحدةُ بدهرها الطويل فى عمر الفراق على العاشق المُبعدْ أو المهجور أو المُبتلى بقدر الموت . وكأنها _لحظة الفراق _ بمقايس القلب لا بمقياس الزمن . عمراً ينحسِرُ فيهِ عن العين صفو الحياةِ ، وتنتصِب صورة الأشياء أمامها بلونها القاتم .. لون الحِداد .
وتنبعثُ علامة الإستفهام من رحمِ المعاناةِ لتقول لماذا؟ وكلما قالت ارتطمت بحائط القدر لترتد خائبة الجواب ، غير أن الجواب_ وبالتمحيص الدقيق لحياةِ العاشق المخلص غاية الإخلاص فى الحب _ يقولُ بأنها تلك الروح التى امتزجت امتزاجها الكامل بمن عشقت ، وقد صارت الأقرب إلى لغة التوحد القائلُ لهما
(( يا أنا ))
ولأن الحب له طبيعته الخاصة التى قد تغير الأشياء ومعانيها وصورها .. والحياةِ وأسبابها .. والمسميات ، حتى الضمائر اللغوية ، فإنها جديرة أن تسمى كل من توحدت أرواحهم بالحب
(( يا أنا ))
و ( يا أنا ) _ وهذا رأيي الخاص _ أبلغ ما يمكن أن يتلفظ به حبيبٌ إلى حبيب ، وسبحان الله الذى خلق كل شيىء فقدره. إذ جعل كل متحابينِ قد سمتِ العلاقةُ بينهما حتى اتصلت بملئها الأعلى فتصلت بالله . أن يشعرا ببعضِهما البعض _ وإن كانوا على البعد _ كنفسٍ واحدة .
من أجل هذا .. كُتِبَ على كل نفسٍ أحبتْ وتفانتْ فى الآخر ثم وقعَ بينهما القدر بالفراق . أن تشعر بالعذاب الممض المُبرح لأنه المنبعث من الروح لأنها التى تتألم ، وقد تختلف غاية العذاب وقوته وسطوته على حسب درجات الحب وعمقه وامتداده فى الروح .
ولأن الروح من الأشياء التى علمُها عندَ ربي ، فإننا وبحق لم نؤتى من العلم إلا قليلا ، ولأنها كذلك فإن كل ما تحتويه بداخلها يكتسب كنهتها وطبيعتها المجهولة _ ولاسيما الحب .
والحب
والحبُ إن وقرت بالروحِ غايتهُ ** أجرتهُ عبرَ جلالٍ من معانيهِ
لعل هذا البيت من الشعر عندما عانق يراعي فى كتابته قد بلغ عنى ما لا أستطيعُ أن أقول عن الحب ، نظراً لأنني وبشريتي الضعيفة لن يتثنى لنا أن نعبر حدود الروح نحو الحب لنجتلي سره .
فكيفَ بعد هذا للعاشقِ وقد احتوت الروح أمره أن ينخلع من العشق وهو الروح ؟
وكيفَ له بعد هذا ألا يشعر بأن الأرض قد ضاقتْ عليهِ بما رحُبتْ فى كلِ لحظةٍ من عمر الفراق ؟