الشاعر الكبير بديوي الوقداني
شاعر الحجاز في عصره قاطبة ، ذو الصيت الرائع والذكر المشهور بديوي الوقداني علم من أعلام الجزيرة العربية يتهافت محبو الشعر بشقيه إلى قصائده الرنانة البليغة، فهو شاعر قوي السبك سلس الألفاظ، لاتكاد تخلو أي من قصائده من حكمة، وبخاصة في مجال الشعر الشعبي,,التقى به المؤرخ أحمد بن محمد الحضراوي ( 1287هـ - 1886م ) عدة مرات، وحصل بينهما جلسات أدبية ومطارحات شعرية، فترجم الحضراوي له ترجمة حاز بها قصب السبق في رصده لجوانب عديدة من حياته إذ أنه يعد الوحيد من بين المترجمين لاعلام القرنين الثاني عشر والثالث عشر الذي ترجم لهذا الشاعر، ترجم له الحضراوي في كتابه القيم نزهة الفكر فيما مضى من الحوادث والعبر الذي قامت بنشر القطعة الموجودة منه وزارة الثقافة السورية، إذ أن جزءا من هذا الكتاب لا يزال في عداد المفقود حتى يومنا هذا.
فقد قال في ترجمته من كتابه النزهة: بديوي بن جبران بن جبر بن هنيدي بن جبر بن صالح بن محمد بن مسفر الوقداني السعدي العتيبي,,,, نزيل الطائف المأنوس، ولد بوادي النمل، وهو محل على فرسخ من الطائف سنة 1244هـ، وتربى به ثم سكن الطائف لتحصيل العلم والمعاش، وكانت له قريحة بالعربية ثم نظم القريض، ولقب بشاعر الحجاز يعني الطائف وما علاه ثم أردف الحضراوي يذكر محاسن شعره ومزايا قصائده وصفات قريضه قائلاً: فهو شاعر لطيف ومغوار غطريف، تخضع لشعره بلابل الأغصان، وتنصت لغزله مسامع كل إنسان.
ولم يكن هذا الاجتماع الأول بينهما، لكن لعله الأكثر تأثيراً، ولذلك ذكر الحضراوي قطعتين من قصائده بعد أن أثنى على شعره الفصيح، وقد انفرد الحضراوي بذكرهما، حتى أن الأديب الطائفي المعروف محمد سعيد كمال لم يذكرهما له في كتابه الأزهار النادية حيث إنه لم يذكر له من شعره الفصيح سوى قصيدته الرائية التي مدح بها الوزير محمد رشدي باشا، ولعل جنوح الوقداني إلى مدح هذا الوزير بالفصيح لأن هذا الوزير قد لا يفهم ألفاظ ومعاني الشعر النبطي، فهو ليس من أبناء الجزيرة العربية، بل عاش إما في مصر أو تركيا الاستانة ، فضلا عن ان الوقداني يريد أن يدلل على براعته وقوة شاعريته أمام هذا الوزير، وأنه يستطيع أن يقرض الشعر الفصيح.
وهذه القصيدة التي مدح بها الوزير استهلها بالغزل كما هي عادة الشعراء القدامى، ثم أثنى على الممدوح بجملة من الأوصاف، ولكن يبدو ان الأديب الطائفي محمد كمال لم يورد القصيدة كاملة أو أن هذا هو الذي وقف عليه من الرواة, والدليل على أنه لم يورد هذه القصيدة كاملة أن الوقداني عندما استهل قصيدته الرائية بالغزل ذكر محبوبته الخيالية قائلاً:
أبرق لاح أم قمر منير ومسك فاح أم ند عبير سرت جنح الظلام فقلت بدرا يكاد بنوره الساري يسير
إلى آخر القصيدة، وبعدما ذكر احد عشر بيتا في هذه المحبوبة قال مادحا الوزير:
سما ملك الحجاز وأرض نجد محمد باشا رشدي الشهير
ثم أردفه بيتاً ثانياً فقط، وختم القصيدة الأديب محمد كمال، إذا ليس من المعقول أن يذكر الوقداني كل هذه الأوصاف في أول القصيدة، ثم لا يخلع على ممدوحه الوزير وهو شخصية لها مكانتها سوى بيتين من الشعر ومن ثم يختم القصيدة.
ولنعد الآن إلى جانب آخر من حياته فنقول: انه اختص بالأشراف أمراء مكة المكرمة، فلقد مدحهم ومجدهم بقصائده، وقربوه فأصبح نديما لهم لايكاد يفارقهم ونال جوائزهم، كما أن جل قصائده فيهم كانت بالشعر النبطي، وبعضها بالفصيح، إذ أنه ممن أجاد النوعين وبرع فيهما،
هذه نبذه عن الشاعر بديوي الوقداني رحمه الله تعالى المتوفى سنة (1296هـ - 1895م ) وسنه عند وفاته كان (52) سنة، فهو لم يعمر طويلاً، ولو أن الله سبحانه وتعالى أمد في عمره، لكان عطاؤه أكثر، ولكنها الآجال وأقدار العباد، فلكل أجل كتاب.
وهنا لابد من دعوة للباحثين المهتمين بتراث وتاريخ الجزيرة العربية إلى بحث ودراسة في سيرة هذا الشاعر الكبير، ومحاولة البحث في الكتب والتراجم الحجازية، لعلنا أن نقف على معلومات أوفى وأكثر عن أخباره، فهو علم جدير بالدراسة والبحث.
نختار لكم هذه القصيدة التي سارت بها الركبان وتناقلتها الأجيال لما ورد فيها من حكمة الأيام وتجاربها تتطرق فيها إلى الفرح والحزن والفقر والغنى والوفاء والخيانة وتطرق فيها الى الطبيعة وشح الأمطار وتطرق الى سلوك الناس تجاه بعضهم ..وحالاتهم النفسية والاقتصادية والاجتماعية.
أيامنـا والليالـي كــم نعاتبـهـا شِبنا وشابت وعفنا بعض الاحوالـي توعـد مواعيـد والجاهـل مكذبهـا واللي عرف حدّها من همّهـا سالـي ان اقبلت يـوم ماتصفـِي مشاربهـا تقفي وتقبل وما دامت علـى حالـي فـي كـل يـوم تورِّينـا عجايبـهـا واليوم الاول تراه احسن مـن التالـي ايـام فـي غُلبهـا وايـام نغلبـهـا وايام فيهـا سَـوى والدهـر ميّالـي جرّبت الايام ومثلـي مـن يجربهـا تجريب عاقل وذاق المـرّ والحالـي نضحك مع الناس والدنيـا نلاعبهـا نمشي مع الفيّ طوعٍ حيـث مامالـي كم مـن علـوم وكـم اداب نكسبهـا والشعـر مـوزون مثقـال بمثقالـي اعرف حروف الهجا بالرمز واكتبها عاقل ومجنون حاوي كل الاشكالـي لكن حظـي ردي والـروح متعبهـا مافادني حُسن تأديبـي مـع أمثالـي ان جيت ابي حاجةٍ عَـزّت مطالبهـا العفو ما واحدٍ في النـاس يـا والـي قـومٌ ليـا جيتهـا رفـّت شواربهـا بالضحك وقلوبها فيها الـردى كالـي وقومٌ ليا جيتهـا صكّـت حواجبهـا وابدت لي البغض في مقفاي واقبالـي ما كنّي الا اسموي حـالي مغضبهـا والكل في عشرتـه ماكـر ودجالـي يا حيف تخفى امورٍ كنـت حاسبهـا والاهل واصحابنا والـدون والعالـي والروح وش عذرها في ترك واجبها راح الحسب والنسب في جمع الاموالي نفسي تبى العز والحاجـات تغصبهـا ترمي بهـا بيـن اجاويـد وانذالـي المال يحيـي رجـالاً لاحيـاة بْهـا كالسيل يحيي الهشيم الدمـدم البالـي عفت المنازل وروحي يـوم اجنبهـا منها غنيمة وعنها البعـد اولـى لـي لاخير في ديرةٍ يشقى العزيـز بهـا يمشي مع الناس فـي هـم واذلالـي دار بهـا الخـوف دوم مـا يغيبهـا والجوع فيها ومعها بعض الاحوالـي جوعى سراحينهـا شبعـى ثعالبهـا الكلـب والهـر يقـدم كـل ريبالـي عز الفتى راس ماله مـن مكاسبهـا يا مرتضي الهون لا عز ولا مالـي دللت بالروح لين ارخصـت جانبهـا وان عتيبي عريـب الجـد والخالـي قوم تدوس الافاعـي مـع عقاربهـا ولها عزايـم تهـد الشامـخ العالـي خل المنازل غـراب البيـن يندبهـا يبكي عليهـا بدمـع العيـن هطالـي لاتعمـر الـدار والقـلات تخربهـا بيع الردي بالخسارة واشتـر الغالـي ماضاقت الارض وانسدت مذاهبهـا فيها السعـة والمراجـل والتهفلالـي دارٍ بدارٍ وجيرانٍ نقاربهـا وارضٍ بارضٍٍ واطلال بـا طلالـي والناس اجانيب لين انـك تصاحبهـا تكون منهـم كمـا قالـوا بالامثالـي الارض لله نمشـي فـي مناكبـهـا والله قـدر لـنـا ارزاق واجـالـي حـث المطايـا وشرّقهـا وغرّبهـا واقطع بهـا كـل فـج دارس خالـي واطعن نحور الفيافـي فـي ترايبهـا وابعد عن الهم تمسي خالـي البالـي من فـوق عمليـة تقطـع براكبهـا فدافـد البيـد درهــام وزرفـالـي تبعدك عـن دار قـوم ودار تقربهـا واختر لنفسـك وللمنـزال منزالـي لو مت فـي ديـرة قفـرا جوانبهـا فيها لوطي السباع الغبـس مدهالـي اخير من ديـرة يجفـاك صاحبهـا كـم ذا الجفـا والتجافـي والتعلالـي دوس المخاطر ولا تخشـى عواقبهـا تسعى على الرزق ماحـت للاشبالـي والشمس في برجها والغيـم يحجبهـا قفي وتقبل لها في العـرش مجدالـي رب السماوات يامحصـي كواكبهـا يا مجري السفن في لجات الاهوالـي ضاقت بنا الارض واشتبت لهايبهـا والغيث محبـوس يـارزاق ياوالـي يالله مـن مزنـة هبـت هبايبـهـا رعادها بات له في البحـر زلزالـي ريح العوالي مـن المنشـا تجاذبهـا جذب الدلي من جبا مطويـة الجالـي ديمومـة سبلـت وارخـت ذوايبهـا وانهل منها غزيـر الوبـل همالـي تسقي ديار شديـد الوقـت حاربهـا ما عاد فيها لبعض النـاس منزالـي يا جاهـل اسمـع تماثيـل مرتبهـا فيها معانـي جميـع القيـل والقالـي مثل المحابيـب زادت فـي قوالبهـا في صرفها زايدة عن قرش وريالـي يـارب توبـه وروحـي لاتعذبهـا يوم القيامـة اذا ماضاقـت اعمالـي وازكي صلاتي على المختار واوهبها شفيعنا يـوم حشـر فيـه الاهوالـي