هو الوطن...يخبئ فينا عشقه الأزلي..فتنضح الحكايا بالحجارة و التراب..! كم من دماء طهرته على مذبح الحرية..!هو الوطن العابق بياسمين دمشق ورائحة العواصم القديمة وقاسيون حيث تستريح الشمس وينعس بردى تحت ظل السنديان.. ياوطني لا تنسى قلوبنا على أرصفة الخبز..فعيوننا معلقة بآثار الحمام و زغاريد العرائس قبل الكحل و بعد الجماع و بعد التراب..ها أنا هناك أراك جميلا كقصيدة مطر لم تكتب بعد..يا وطني..يا وطني ..فالمشمش لم يبخل أبدا بطعم التوت.... و أنا أبارك فيك ذكرى الكروم و المسافات البعيدة عن وجعي.. يا وطني هذا الملح أجج في نكهة الرمان و الدفلى...! أراك تمارس أقواس قزح بعد تعب.. تنشد آهات الحصاد و عرق السواعد بعد الفرح.. و مواسم عشقي تبقى كما الصخور على امتداد الشواطئ.. لا الخيل تبرح فرسانها و لا الكرز يمل الشفاه.. يا وطني.. أغنيك قهوة..و قيثارة صيف.. أرتلك بعد وضوء القمر على كفوف الصبايا.. أعزف ألحانك على جسدي الممتد فوق خرائط قهري ... أغفو قليلا تحت اللوز و قبرة تؤنس في صهيل الروح التائهة خلف الرماد.. يا وطني .. أكتب أسماءنا على صفحات الكرمة و زهور النرجس .... على صهوات العرس القادم و قناديل مدينتنا السكري بالأقحوان...
يا وطني ..مد أفقك إلى عيون الغائبين عن موائد الذكرى و سنابل الشمس.. يا وطني.. رحل كل الشعراء المدججين بقصائد البطولة و الزهو و المجد و لم يبق في البئر إلا الظمأ و أياد خاوية إلا من الأحلام و الفصول...ها نحن يا وطني نعبر ملح الشواطئ و أسلاك الصقيع على قمم مدن الخراب.. ضاعت كل مناديل الوداع و دموع الأمهات اللاتي تعمدن بطهر نشيدك الوطني.. ها نحن يا وطني ننتظر البنفسج في حوضنا.. سنونو الشتاء ... و أغنيات الأطفال في أول أيام العيد...!
صرنا نتطهر بالذهب الأسود في بلاد النار و الإسفلت... نغرز أصابعنا بالرمل فيقتلنا المدى.. لا الشجر فيه روح و لا أثواب الشعراء.. بتنا نحرس أقمارا وراء الغيوم.. ! نضمد جراحنا ببقايا النفط و صرخات المظلومين.. نمتطي الليل خلسة للبوح بالعشق و بأسماء الله الحسنى....!؟
يا وطني.. وصلوا جميعهم إلى السحاب و نحن ما زلنا نبحث عن زهرة عباد شمس .. عن ظل اختفى فوق أشجار النخيل..! أما زلت يا وطني تلعب فوق الثلج كصبية يكابرون البرد...؟!
أما زال الصنوبر يمتد على جانبي الطريق إلى المتحف البلدي الكبير..؟ أما زالت شقائق النعمان تنبت بين قبور المقاتلين القدامى و شهداء الحرب..؟
أما زالت أكفان الموت فيك بيضاء أم تغيرت فيك كل الألوان...؟؟
أما زالت كل الحدائق غناءة بأزهار الربيع..؟
أما زالت الصباحات الجديدة تتعطر بأريج الخبز الطازج و قهوة المضيف..؟
يا زمنا آخر لا يشبه كل الأزمان...
قالوا لي .. وطنا لا يشبه كل الأوطان...
عتبي يا وطني.. أطويه في حنجرتي..
أسابق موتي.. لأراك
أجمل من كل الأكوان...
لكن يا حسرة.. حلمي ..
فأنا بعيد... و الوطن تحكمه .. الغربان.!؟؟؟
عماد- الكويت
أيار 2006